( باب ) شروط الصلاة
وهي جمع شرط على وزن فعل وأصله مصدر ، وأما الشرائط فواحدها شريطة ، كذا في ضياء الحلوم مختصر شمس العلوم في اللغة فمن عبر هنا بالشرائط فمخالف للغة كما عرفت وللقاعدة التصريفية فإن فعائل لم يحفظ جمعا لفعل بفتح الفاء وسكون العين بخلاف التعبير بالفرائض فإنه صحيح ; لأن مفرده فريضة كصحائف جمع صحيفة وهو في اللغة العلامة ، كذا في فتح القدير ، وأما في الصحاح الشرط معروف والشرط بالتحريك العلامة وقوله تعالى { فقد جاء أشراطها } أي علاماتها وفي الشريعة ما يتوقف عليه وجود الشيء ولا يكون داخلا فيه ، وقد قسم الأصوليون الخارج المتعلق بالحكم إلى مؤثر [ ص: 281 ] فيه ومفض إليه بلا تأثير فالأول العلة والثاني السبب وإلا ، فإن توقف عليه الوجود فالشرط وإلا فإن دل عليه فالعلامة والشرط حقيقي وجعلي فالأول ما يتوقف عليه الشيء في الواقع والثاني شرعي أي بجعل الشرع فيتوقف شرعا كالشهود للنكاح والطهارة للصلاة وغير شرعي أي بجعل المكلف بتعليق تصرفه عليه مع إجازة الشرع كإن دخلت الدار فكذا وذكر الشمني أن المراد بالشروط هنا ما لا يكون المكلف بحصولها شارعا في الصلاة احترازا عن التحريمة فإنها شرط عندنا ولا تذكر في هذا الباب . ا هـ .
وأطلق الشروط ولم يقيدها بالتقدم كما في مختصر ; لأنه لا حاجة إليه ; لأنها صفة كاشفة لا مخصصة إذ الشرط لا يكون إلا متقدما وما ذكره الشارحون بخلاف ذلك فقد رده في فتح القدير . ( قوله : هي طهارة بدنه من حدث وخبث وثوبه ومكانه ) ، أما القدوري فبآية الوضوء والغسل ومن الخبث فبقوله صلى الله عليه وسلم { طهارة بدنه من الحدث } ولحديث تنزهوا من البول فإن عامة عذاب القبر منه فاطمة بنت أبي حبيش { } والحدث مانعية شرعية قائمة بالأعضاء إلى غاية استعمال المزيل والخبث عين مستقذرة شرعا وقدم الحدث لقوته ; لأن قليله مانع بخلاف قليل الخبث وفي غاية البيان وفيه نظر ; لأن القطرة من الخمر أو الدم أو البول إذا وقعت في البئر تنجس والجنب أو المحدث إذا أدخل يده في الإناء لا ينجس والأولى أن يقال ليس فيه تقديم ; لأن الواو لمطلق الجمع . ا هـ . اغسلي عنك الدم وصلي
وقد تقدم في الأنجاس شيء منه ، وأما طهارة ثوبه فلقوله تعالى { وثيابك فطهر } فإن الأظهر أن المراد ثيابك الملبوسة وأن معناه طهرها من النجاسة ، وقد قيل في الآية غير هذا لكن الأرجح ما ذكرناه وهو قول الفقهاء وهو الصحيح كما ذكره النووي في شرح المهذب ولعموم الحديثين السابقين وإذا وجب التطهير لما ذكرناه في الثوب وجب في المكان والبدن بالأولى ; لأنهما ألزم للمصلي منه لتصور انفصاله بخلافهما وأراد بالخبث القدر المانع الذي قدمه في باب الأنجاس فلا يرد عليه الإطلاق وأشار باشتراط طهارة الثوب إلى أنه لو حمل نجاسة مانعة فإن صلاته باطلة فكذا لو كانت النجاسة في طرف عمامته أو منديله المقصود ثوب هو لابسه فألقى ذلك الطرف على الأرض وصلى فإنه إن تحرك بحركته لا يجوز وإلا يجوز ; لأنه بتلك الحركة ينسب لحمل النجاسة وفي الظهيرية الصبي إذا كان ثوبه نجسا أو هو نجس فجلس على حجر المصلي وهو يستمسك أو الحمام النجس إذا وقع على رأس المصلي وهو يصلي كذلك جازت الصلاة وكذلك الجنب أو المحدث إذا حمله المصلي لأن الذي على المصلي مستعمل له فلم يصر المصلي حاملا للنجاسة . ا هـ .
ودل كلامه أنه لو أو في خيمة كذلك فإنها لا تصح لكونه حاملا للنجاسة ولهذا قال في القنية إذا صلى في الخيمة ورفع سقفها لتمام قيامه جاز إذا كانت طاهرة وإلا فلا . ا هـ . صلى ورأسه يصل إلى السقف النجس أو في كلة متنجسة
وفي المحيط لو صلى وفي يده حبل مشدود على عنق الكلب تجوز صلاته ; لأن الحبل لما سقط على الأرض فقد انقطع حكم الاتصال به فصار كالعمامة الطويلة . ا هـ .
وكذا لو كان الحبل مشدودا في وسطه وكذا لو كان مربوطا في سفينة فيها نجاسة ومذهب أن الصلاة لا تصح في هذه المسائل ; لأنه [ ص: 282 ] حامل للنجاسة كما نقله الشافعي النووي ولو صلى ومعه جرو كلب أو كل ما لا يجوز أن يتوضأ بسؤره قيل لم يجز والأصح أنه إن كان فمه مفتوحا لم يجز ; لأن لعابه يسيل في كمه فيصير مبتلا بلعابه فيتنجس كمه فيمنع الجواز إن كان أكثر من قدر الدرهم وإن كان فمه مشدودا بحيث لا يصل لعابه إلى ثوبه جاز ; لأن ظاهر كل حيوان طاهر ولا ينجس إلا بالموت ونجاسة باطنه في معدنه فلا يظهر حكمها كنجاسة باطن المصلي ولو صلى وفي كمه قارورة مضمومة فيها بول لم تجز صلاته ; لأنه في غير معدنه ومكانه ولو صلى وفي كمه بيضة مذرة قد صار محها دما جازت ; لأنه في معدنه والشيء ما دام في معدنه لا يعطى له حكم النجاسة الكل في المحيط وأراد بالمكان موضع القدم والسجود فقط
أما طهارة موضع القدم فباتفاق الروايات بشرط أن يضعهما على النجاسة ، أما إن رفع القدم التي موضعها نجس وصلى جاز ، وأما طهارة موضع السجود ففي أصح الروايتين عن وهو قولهما ، وأما إن كانت النجاسة في موضع يديه وركبتيه وحذاء إبطيه وصدره جازت صلاته ; لأن الوضع على النجاسة كلا وضع والسجود على اليدين والركبتين غير واجب فكأنه لم يسجد عليها وهذا ظاهر الرواية واختار أبي حنيفة أن صلاته تفسد وصححه في العيون ولو صلى على مكان طاهر إلا أنه إذا سجد تقع ثيابه على أرض نجسة جازت صلاته بالطريق الأولى ; لأن قيامه على مكان طاهر ولو أبو الليث فالأصح أنه يجوز كبيرا كان أو صغيرا ; لأنه بمنزلة الأرض فلا يصير مستعملا للنجاسة وهو بالطريق الأولى ; لأن النجاسة إذا كانت لا تمنع في موضع الركبتين واليدين فههنا أولى ، وفي الخلاصة ولو صلى على بساط وعلى طرف منه نجاسة إن كان البساط بحال يصلح ساترا للعورة تجوز الصلاة وإن كانت رطبة فألقى عليها ثوبا وصلى إن كان ثوبا يمكن أن يجعل من عرضه ثوبا يجوز عند بسط بساطا رقيقا على الموضع النجس وصلى عليه وإن كان لا يمكن لا يجوز وكذا لو ألقى عليها لبدا فصلى عليه يجوز وقال محمد الحلواني لا يجوز حتى يلقي على هذا الطرف الطرف الآخر فيصير بمنزلة ثوبين وإن كانت النجاسة يابسة جازت يعني إذا كان يصلح ساترا . ا هـ .
ولو عن صلى على ما له بطانة متنجسة وهو قائم على ما يلي موضع النجاسة من الطهارة يجوز وعن محمد لا يجوز وقيل جواب أبي يوسف في غير المضرب فيكون حكمه حكم ثوبين وجواب محمد في المضرب فحكمه حكم ثوب واحد فلا خلاف بينهما ، قال في التجنيس والأصح أن المضرب على الخلاف ذكره أبي يوسف الحلواني ولو قام على النجاسة وفي رجليه نعلان أو جوربان لم تجز صلاته ; لأنه قام على مكان نجس ولو افترش نعليه وقام عليهما جازت الصلاة بمنزلة ما لو بسط الثوب الطاهر على الأرض النجسة وصلى عليه جاز ، وفي المبسوط من كتاب التحري يجوز لبس الثوب النجس لغير الصلاة ولا يلزمه الاجتناب وذكر في البغية تلخيص القنية خلافا فيه .