( قوله : ولو لم يجز ) لأن ربع الشيء يقوم مقام كله فيجعل كأن كله طاهر في موضع الضرورة فيفترض عليه الصلاة فيه ولا يخفى أن محله ما إذا لم يجد ما يزيل به النجاسة ولا ما يقللها ، فإن وجد في الصورتين وجب استعماله بخلاف ما إذا وجد ماء يكفي بعض أعضاء الوضوء فإنه يتيمم ولا يجب استعماله كما عرف في بابه وعلم حكم ما إذا كان الأكثر من الربع طاهرا بالأولى . ( قوله : وخير إن طهر أقل من ربعه ) يعني بين أن يصلي فيه وهو الأفضل لما فيه من الإتيان بالركوع والسجود وستر العورة وبين أن يصلي عريانا قاعدا يومئ بالركوع والسجود وهو يلي الأول في الفضل لما فيه من ستر العورة الغليظة وبين أن يصلي قائما عريانا بركوع وسجود وهو دونهما في الفضل وفي ملتقى البحار إن شاء صلى عريانا بالركوع والسجود أو مومئا بهما إما قاعدا وإما قائما فهذا نص على جواز وجد ثوبا ربعه طاهر وصلى عاريا ، وظاهر الهداية أنه لا يجوز وعلى الأول المخير فيه أربعة أشياء وينبغي أن يكون الرابع دون الثالث في الفضل وإن كان ستر العورة فيه أكثر للاختلاف في صحته وهذا كله عندهما وعند الإيماء قائما ليس بمخير ولا تجوز صلاته إلا في الثوب ; لأن خطاب التطهير سقط عنه لعجزه ولم يسقط عنه خطاب الستر لقدرته عليه فصار كالطاهر في حقه محمد
ولهما أن المأمور به هو الستر بالطاهر فإذا لم يقدر عليه سقط فيميل إلى [ ص: 289 ] أيهما شاء ولو قال المصنف وخير إن طهر الأقل أو كان كله نجسا لكان أفود إذ الحكم كذلك مذهبا وخلافا كما في النهاية وغيرها أو اقتصر على الثاني ليفهم منه الأول بالأولى لكان أولى وفي الأسرار قول أحسن بخلاف ما لو لم يجد إلا جلد ميتة غير مدبوغ فإنه لا يجوز أن يستر به عورته ولم تجز صلاته فيه ; لأن نجاسة البول أو الدم أو نحوهما في الثوب كله تزول بالماء ونجاسة الجلد لا يزيلها الماء فكانت أغلظ . محمد
وأشار المصنف إلى أنه لو كان معه ثوبان ربع أحدهما طاهر والآخر أقل من الربع فإنه يصلي في الذي ربعه طاهر ولا يجوز عكسه لما أن طهارة الربع كطهارة الكل ويستفاد منه أن نجاسة أحدهما لو كانت قدر الربع والآخر أقل وجب أن يصلي في أقلهما ولا يجوز عكسه ; لأن للربع حكم الكل ولما دون الربع حكم العدم ، وإلى أنه لو كان في كل واحد منهما قدر الربع أو كان في أحدهما أكثر لكن لا يبلغ ثلاثة أرباعه وفي الآخر قدر الربع فإنه يصلي في أيهما شاء لاستوائهما في الحكم ، وكذا لو كان معه ثوبان نجاسة كل واحد منهما أكثر من قدر الدرهم يتخير ما لم يبلغ أحدهما ربع الثوب لاستوائهما في المنع ، وفي المحيط ولو كان الدم في ناحية من الثوب والطاهر منه بقدر ما يمكنه أن يتزر به لم يجز إلا أن يصلي فيه ; لأنه يمكنه ستر العورة بثوب طاهر ولم يفصل بينهما إذا تحرك الطرف الآخر أو لم يتحرك . ا هـ .
وبهذا علم أن التفصيل المتقدم إنما هو عند الاختيار ، أما عند الضرورة فلا تفصيل ، ثم الأصل في جنس هذه المسائل أن من ابتلي ببليتين وهما متساويتان يأخذ بأيهما شاء وإن اختلفا فعليه أن يختار أهونهما ، ولهذا لو أن امرأة لو صلت قائمة ينكشف من عورتها ما يمنع جواز الصلاة ولو صلت قاعدة لا ينكشف منها شيء فإنها تصلي قاعدة لما أن ترك القيام أهون ولو كان الثوب يغطي جسدها وربع رأسها فتركت تغطية الرأس لا يجوز ولو كان يغطي أقل من الربع لا يضر والستر أفضل تقليلا للانكشاف ولو كان جريح لو سجد سال جرحه وإن لم يسجد لم يسل فإنه يصلي قاعدا مومئا ; لأن ترك السجود أهون من الصلاة مع الحدث ، ألا ترى أن ترك السجود جائز حالة الاختيار في التطوع على الدابة ومع الحدث لا يجوز بحال ، فإن قام وقرأ وركع ، ثم قعد وأومأ للسجود جاز لما قلنا والأول أفضل وكذا شيخ لا يقدر على القراءة قائما ويقدر عليها قاعدا يصلي قاعدا ; لأنه يجوز حالة الاختيار في النفل ولا يجوز ترك القراءة بحال ولو صلى في الفصلين قائما مع الحدث وترك القراءة لم يجز .
( قوله : ولو عدم ثوبا صلى قاعدا مومئا بركوع وسجود وهو أفضل من القيام بركوع وسجود ) لما عن أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ركبوا في السفينة فانكسرت بهم فخرجوا من البحر عراة فصلوا قعودا بإيماء أراد بالثوب ما يستر عامة عورته ولو حريرا أو حشيشا أو نباتا أو كلأ أو طينا يلطخ به عورته ويبقى عليه حتى يصلي لا الزجاج الذي يصف ما تحته والعدم المذكور يثبت بعدم الوجود في ملكه وبعدم الإباحة له حتى لو أبيح له ثوب تثبت القدرة به على الأصح فلو صلى عاريا لم يجز كالمتيمم إذا أبيح له الماء وعن أنس في العريان يعده صاحبه أنه يعطيه الثوب إذا صلى فإنه ينتظره ولا يصلي عريانا وإن خاف فوت الوقت ، كذا في السراج الوهاج وفي القنية عن محمد ينتظره ما لم يخف فوت الوقت أبي حنيفة مع وأبو يوسف وينبغي ترجيحه قياسا على المتيمم إذا كان يرجو الماء في آخره وأطلق في الصلاة قاعدا فشمل ما إذا كان نهارا أو ليلا في بيت أو صحراء وهو الصحيح كما بينه في منية المصلي ومن المشايخ من خصه بالنهار أبي حنيفة
أما في الليل فيصلي قائما ; لأن ظلمة الليل تستر عورته قال في الذخيرة وهذا ليس بمرضي ; لأن الستر الذي يحصل في ظلمة الليل لا عبرة به ، ألا ترى أن حالة القدرة على الثوب إذا صلى عريانا في ظلمة الليل لا يجوز [ ص: 290 ] فصار وجوده وعدمه بمنزلة واحدة . ا هـ .
وتعقبه في شرح منية المصلي بأن الاستشهاد المذكور غير متجه للفرق بين حالة الاختيار وحالة الاضطرار وأطال إلى أن قال ويؤيده ما أخرجه سئل عبد الرزاق رضي الله عنه عن صلاة العريان قال إن كان حيث يراه الناس صلى جالسا وإن كان حيث لا يراه الناس صلى قائما وهو وإن كان سنده ضعيفا فلا يقصر عن إفادة الاستئناس ، وأما واقعة الصحابة المتقدمة فقد تطرق إليها احتمالات إما لأنهم اختاروا الأولى لما فيه من تقليل الانكشاف أو لأنهم كانوا مترائين أو لم يكن ليلا فسقط بها الاستدلال ولم يبين علي المصنف صفة القعود للاختلاف فيها ففي منية المصلي يقعد كما يقعد في الصلاة فعلى هذا يختلف في الرجل والمرأة فهو يفترش وهي تتورك وفي الذخيرة يقعد ويمد رجليه إلى القبلة ويضع يديه على عورته الغليظة والذي يظهر ترجيح الأول وأنه أولى لأنه يحصل به من المبالغة في الستر ما لا يحصل بالهيئة المذكورة مع خلو هذه الهيئة عن فعل ما ليس بأولى وهو مد رجليه إلى القبلة من غير ضرورة .
والحاصل أن القعود على هيئة متعينة ليس بمتعين بل يجوز كيفما كان ، وإنما كان القعود أفضل من القيام ; لأن ستر العورة أهم من أداء الأركان ; لأنه فرض مطلقا والأركان فرائض الصلاة لا غير ، وقد أتى ببدلها
وإنما كان القيام جائزا ; لأنه وإن ترك فرض الستر فقد كمل الأركان الثلاثة وبه حاجة إلى تكميلها ، كذا في البدائع ولقائل أن يقول ينبغي على هذا أن لا يجوز الإيماء قائما ; لأن تجويز ترك فرض الستر إنما كان لأجل تكميل الأركان الثلاثة والمومئ بهما قائما لم يحرزهما على وجه الكمال مع أن القيام إنما شرع لتحصيلهما على وجه الكمال على ما صرحوا به في صلاة المريض أنه لو قدر على القيام دون الركوع والسجود أومأ قاعدا وسقط عنه القيام وفي المبتغى بالمعجمة وإن كان عنده قطعة يستر بها أصغر العورات فلم يستر فسدت وإلا فلا وفي فتح القدير ولو وجد ما يستر بعض العورة يجب استعماله ويستر القبل والدبر . ا هـ .
فإن لم يجد ما يستر به إلا أحدهما قيل يستر الدبر ; لأنه أفحش في حالة الركوع والسجود وقيل يستر القبل ; لأنه يستقبل به القبلة ولأنه لا يستر بغيره والدبر يستر بالأليتين ا هـ .
كذا في السراج الوهاج وسيأتي في باب الإمامة أن العراة لا يصلون جماعة وفي الذخيرة وأستر ما يكون أن يتباعد بعضهم عن بعضهم إذا أمنوا العدو والسبع وإن صلوا جماعة صحت مع الكراهة ويقف الإمام وسطهم وإن تقدم جاز ويغضون أبصارهم سوى الإمام ، ثم المصنف رحمه الله لم يذكر أن على العاري الإعادة إذا وجد ثوبا ، وقد أفاد النووي رحمه الله في شرح المهذب أنه لا خلاف بين المسلمين أنه لا تجب عليه الإعادة إذا صلى عاريا للعجز عن السترة . ا هـ .
وينبغي أن تلزمه الإعادة عندنا إذا كان العجز لمنع من العباد كما إذا غصب ثوبه لما صرحوا به في كتاب التيمم أن المنع من الماء إذا كان من قبل العباد يلزمه الإعادة ، ثم اعلم أنه إذا كان عاريا لا ثوب له وهو يقدر على شراء ثوب هل يلزمه شراؤه كالماء إذا كان يباع بثمن المثل وله ثمنه فإنه لا يتيمم .