( قوله ) ; لأنه جزاء الظلم وقد صار ظالما بمنعه أطلقه وقيده في الهداية بالقاضي فظاهره أن المحكم لا يحبس ولم أره الآن صريحا أطلق الثبوت فشمل ما إذا كان ببينة أو بإقرار وفرق بينهما في الهداية بأنه إذا ثبت بالبينة عجل حبسه لظهور المطل بإنكاره ، وإلا لم يعجل فإذا امتنع حبسه وهو المذهب عندنا وعكسه وإذا ثبت الحق للمدعي أمره بدفع ما عليه فإن أبى حبسه في الثمن والقرض والمهر المعجل وما التزمه بالكفالة شمس الأئمة السرخسي ; لأنه إذا ثبت بالبينة ربما تعلل بأنه لم يعلم به إلا الآن ، وقد فرق الحلواني بين ما ثبت بالبينة فيخبره القاضي أنه يريد القضاء ، ويقول ألك مخرج وبين ما ثبت بالإقرار فلا يعلمه وتمامه في [ ص: 309 ] شرح أدب القضاء للخصاف ، والأحسن إطلاق الكتاب من الأمر بالإيفاء مطلقا فلا يعجل بحبسه ، وذكر الشارح أن الصواب أنه لا يحبسه حتى يسأله فإن أقر أن له مالا أمره بالدفع فإن أبى حبسه وإلا سأل المدعي عن البينة أن له مالا فإن برهن أمره بالدفع فإن أبى حبسه ، وإن عجز واختلفا فالقول للمدعي في الأشياء الأربعة وللمدعى عليه في غيرها . ا هـ .
ونقله في البناية عن الخصاف ، وهو خلاف المذهب ولكن يسأل المدعي عن ماله إذا طلب المديون إجماعا كذا في شرح الصدر أطلق الحق فشمل القليل والكثير ولو دانقا وهو سدس درهم ، ولو قال حبسه بطلب المدعي لكان أولى كما ذكره قاضي خان وقال يحبسه من غير طلبه كذا في البناية ولو شريح أجله القاضي ثلاثة ولا يحبسه ولو له عقار يحبسه ليبيعه ويقضي الدين ، ولو بثمن قليل إن وجد المديون من يقرضه ليقضي به دينه فلم يفعل فهو ظالم كذا في البزازية وفي كراهية القنية ولو قال المديون أبيع عرضي وأقضي ديني لا يعذر ا هـ . كان للمديون حرفة تفضي إلى قضاء دينه فامتنع منها
وأطلق الثمن فشمل الأجرة الواجبة ; لأنها ثمن المنافع وشمل ما على المشتري وما على البائع بعد فسخ البيع بينهما بإقالة أو خيار ، وشمل رأس مال السلم بعد الإقالة وما إذا قبض المشتري المبيع أو لا ولا شك في دخول الأجرة تحت قولهم أو التزمه بعقد إن لم تجعل ثمن المنافع ، ويتفاوت الحال فإن دخلت تحت ما كان بدل مال حبسه عليها على فتوى قاضي خان أيضا ، وإلا لم يحبس عليها على ما أفتى به ولم أر من صرح بها لكن لم يذكر المؤلف حبسه على العين المغصوبة هنا .
وذكره في كتاب الغصب بنفي الأمانات إذا امتنع الأمين من دفعها غير مدع لهلاكها فإنه يحبس عليه ، وصارت مغصوبة وما في تهذيب القلانسي وهو إذا أمره بحبسه في كل عين يقدر على تسليمها وفي كل دين لزمه بدلا عن مال كثمن المبيع وبدل القرض والمغصوب ونحوه أو بالتزامه بعقد كالمهر والكفالة ا هـ . ثبت الحق بإقرار أو بحكم بنكوله أو ببينة فمطل المطلوب عن تسليمه ، وطلب الطالب حبسه
أولى كما لا يخفى ولشموله الحكم بالنكول بخلاف من قيد ثبوت الحق بالبينة أو الإقرار ، وأشار المؤلف إلى حبس الكفيل والأصيل معا الكفيل بما التزمه والأصيل بما لزمه بدلا عن مال وللكفيل بالأمر حبس الأصيل إذا حبس كذا في المحيط وفي البزازية يتمكن المكفول له من حبس الكفيل والأصيل وكفيل الكفيل وإن كثروا ا هـ .
وإلى تعدد حبسه لتعدد الطالب ، فلو حبس بدين ثم جاء آخر وادعى الدين عليه أخرجه من الحبس ، وجمع بينه وبين المدعي فإن برهن على دعواه كتب اسمه واسم الأول ثم إن برهن آخر كتب اسمه أيضا وحبسه للكل ، ويكتب التاريخ أيضا كذا في البزازية وأطلقه فأفاد أن المسلم يحبس بدين الذمي والمستأمن وعكسه .
وفي البزازية لهما على رجل دين لأحدهما أقل وللآخر الأكثر لصاحب الأقل حبسه وليس لصاحب الكثير إطلاقه بلا رضاه ، وإن أراد أحدهما إطلاقه بعدما رضيا بحبسه ليس له ذلك وفي القنية حبس لصاحب الدين الأقل فلصاحب الدين الأكثر إطلاقه ليكتسب ويؤدي له ا هـ .
وإلى أنه لا يحبس مع المديون أحد غير كفيله فإذا لزم حبس المرأة لا يحبسها مع الزوج ، وتحبس في بيت الزوج كذا في البزازية فإذا حبست المرأة زوجها لا تحبس معه كذا في الخلاصة ، وفي مآل الفتاوى إذا خيف عليها الفساد اختار المتأخرون حبسها معه ا هـ .
وفي خزانة الفتاوى استحسن بعض المتأخرين أن تحبس معه إذا كان مخوفا عليها ا هـ .
وفي البزازية واستحسن بعض المتأخرين أن تحبس المرأة إذا حبس الزوج ، وكان قاضي شاه لامش يحبسها معه صيانة لها عن الفجور . ا هـ .
وقيد المهر بالمعجل ; لأنه لا يحبس في المؤجل ويصدق في الإعسار وعليه الفتوى وفي الأصل لا يصدق في الصداق بلا فصل بين مؤجله [ ص: 310 ] ومعجله كذا في البزازية ، ثم اعلم أن قاضي خان في الفتاوى رجح الاقتصار على الأول فقال : وقال بعضهم وإن كان الدين واجبا بدلا عما هو مال كالقرض وثمن المبيع فالقول قول مدعي اليسار مروي ذلك عن وعليه الفتوى ; لأن قدرته كانت ثابتة في المبدل فلا يقبل قوله في زوال تلك القدرة وإن لم يكن الدين بدلا عما هو مال فالقول للمديون ، وقال بعضهم ما وجب بعقد لم يقبل قوله وإن لم يكن بدلا عما هو مال . ا هـ . أبي حنيفة
فقد علمت أن الفتوى على الأول ، وهو أنه لا يحبس إلا فيما كان بدلا عن مال فلا يحبس في المهر ، والكفالة على المفتى به وهو خلاف مختار المصنف تبعا لصاحب الهداية ، وذكر الطرسوسي في أنفع الوسائل أنه المذهب المفتى به ، فقد اختلف الإفتاء فيما التزمه بعقد ولم يكن بدل مال ، والعمل على ما في المتون ; لأنه إذا تعارض ما في المتون والفتاوى فالمعتمد ما في المتون كما في أنفع الوسائل ، وكذا يقدم ما في الشروح على ما في الفتاوى ، وقيل القول للمديون في الكل وقيل للدائن في الكل وقيل يحكم الزي إلا في الفقهاء والعلوية والزي كما في القاموس بالكسر الهيئة والجمع أزياء . ا هـ .
وصححه الكرابيسي في الفروق وفي المحيط أنه ظاهر الرواية وبه علم أن ما في المختصر خلاف ظاهر الرواية والمفتى به وأطلق المديون فشمل المكاتب والعبد المأذون والصبي المحجور فإنهم يحبسون لكن الصبي لا يحبس بدين الاستهلاك بل يحبس والده أو وصيه فإن لم يكونا أمر القاضي رجلا ببيع ماله في دينه كذا في البزازية . قوله ( لا في غيره إن ) أي لا يحبسه في غير ما ذكرنا مما كان بدلا عن مال أو ملتزما بعقد إن ادعى أنه معسر ; لأن الأصل في الآدمي العسرة ، والمدعي يدعي أمرا عارضا وهو الغناء فلم يقبل منه إلا ببينة ، ويدخل تحت الغير تسع صور : بدل الخلع وبدل عتق نصيب الشريك وبدل المغصوب ونفقة الزوجات ونفقة الأقارب وأروش الجنايات وبدل دم العمد ، وما تأخر من المهر بعد الدخول وبدل المتلفات ، وذكر ادعى الفقر إلا أن يثبت غريمه غناه فيحبسه بما رأى الطرسوسي وأخطأ صاحب المختار في نقل الحكم في الخلع فإنه جعله مع ثمن المتاع والقرض ، وقال : القول قول رب الدين ولا يلتفت إلى ما قاله المديون وهو المرأة أو الأجنبي ا هـ .
وقد يقال إن بدل الخلع مما التزم بعقد فإن الخلع بمال عقد بإيجاب وقبول ، ويشكل بدل الصلح عن دم العمد فإنهم جعلوا فيه القول قول المديون مع أنه التزمه بعقد ، وكذا يشكل مؤجل المهر فإنه التزمه بعقد ، وهو نظير الكفالة بالدرك فإن مقتضى إطلاقهم الكفالة وما التزمه بعقد أن لا يقبل قوله فيها ، ومقتضى تقييد المهر بالمعجل قبول قوله لأنها كالمهر المؤجل لأنها لا تلزمه إلا بعد استحقاق المبيع .
وذكر الطرسوسي [ ص: 311 ] فإن ادعى المديون أنه لزمه عما ليس بمال وادعى الدائن أنه ثمن متاع لم يذكرها الأصحاب ، وينبغي أن يكون القول فيها قول المديون إلا أن يقيم رب الدين البينة ا هـ .
وفي نفقات البزازية وإن لم يكن لها بينة على يساره ، وطلبت من القاضي أن يسأل من جيرانه لا يجب عليه السؤال ، وإن سأل كان حسنا فإن سأل فأخبره عدلان بيساره ثبت اليسار بخلاف سائر الديون حيث لا يثبت اليسار بالإخبار ، وإن قالا سمعنا أنه موسر أو بلغنا ذلك لا يقبله القاضي ا هـ .
ولو قال المديون حلفه أنه ما يعلم أني معسر يجيبه القاضي إلى ذلك ، ويحلفه أنه ما يعلم إعساره فإن حلف حبسه بطلبه ، وإن نكل لا يحبسه كذا في البزازية معزيا إلى الحلواني ، والمراد بقوله غناه قدرته الآن على قضاء الدين فلو كان للمحبوس مال في بلد آخر يطلقه بكفيل فإن علم القاضي عسرته لكن له مال على آخر يتقاضى غريمه فإن حبس غريمه الموسر لا يحبسه كذا في البزازية ، وقياس الأولى أنه لو كان له مال غائب لا يحبسه ، وقوله بما رأى أي لا تقدير لمدة حبسه ، وإنما هو مفوض إلى رأي القاضي لأنه للضجر والتسارع لقضاء الدين وأحوال الناس فيه متفاوتة وقدره في كتاب الكفالة بشهرين أو ثلاثة ، وفي رواية الحسن بأربعة وفي رواية بنصف الحول . الطحاوي
والصحيح ما ذكره المصنف كما في البزازية فلو رأى القاضي إطلاقه بعد يوم فظاهر كلامهم أن له ذلك قال في المحيط إن شاء يسأل عنه قبل مضي شهر ا هـ .
وذكر الصدر الشهيد إن كان الرجل لينا أو صاحب عيال وشكا عياله إلى القاضي حبسه شهرا ، ثم سأل عنه وإن كان وقحا حبسه ستة أشهر ثم سأل عنه ، هذا إذا كان حاله مشكلا عند القاضي ، إلا عمل بما ظهر له .
( قوله ثم يسأل عنه ) أي بقدر ما يراه من جيرانه فإن قامت بينة على إعساره أطلقه ولا يحتاج إلى لفظ الشهادة وشرطه في الصغرى والعدل الواحد يكفي والاثنان أحوط وكيفيته أن يقول المخبر إن حال المعسرين في نفقته وكسوته وحالته ضيقة ، وقد اختبرنا في السر والعلانية ولا يشترط لسماعها حضور رب الدين فإن كان غائبا سمعها ، أطلقه بكفيل كذا في البزازية قال يسأل القاضي عن المحبوس بعد حبسه الطرسوسي : المستور كالعدل ، أما الفاسق فلا يقبل خبره ، وتعقب الزيلعي في ذكر العدالة ، أنه من كلامه لا أنه نقل المذهب ا هـ .
وفيه نظر لقوله في الخلاصة والبزازية وإنما يسأل من الثقات ا هـ .
وهم العدول فليس ذكرها من كلامه ، ثم اعلم أن قولهم إن الواحد يكفي مقيد بما إذا لم يكن الحال حال منازعة أما إذا كان حال منازعة بأن ادعى المطلوب أنه معسر وادعى الطالب [ ص: 312 ] أنه موسر فلا بد من إقامة البينة كذا في السراج الوهاج معزيا إلى النهاية ، وظاهر إطلاق المصنف أن الحبس أولا ثم السؤال في حق كل أحد ولكن في البزازية إن كان أمر المديون ظاهرا عند الناس فالقاضي يقبل بينة الإعسار ويخليه قبل المدة التي يذكرها ، وإن كان أمره مشكلا هل يقبل البينة قبل الحبس فيه روايتان ا هـ .
وفي الملتقط قال لا أسأل عن المعسر وأحبسه شهرين أو ثلاثة ، ثم أسأل عنه إلا إذا كان معروفا بالعسرة فلا أحبسه ا هـ . أبو حنيفة
وفيه أيضا ولو معسرا عليه دين وله على موسر دين يعلم به القاضي يحبس المعسر حتى يطالب الموسر فإذا طالبه وحبس الموسر أطلق المعسر ا هـ .
وفي البزازية ولو للمحبوس مال في بلد آخر يطلقه بكفيل وإن علم القاضي عسرته لكن له مال على آخر يتقاضى غريمه فإن حبس غريمه الموسر لا يحبسه . ا هـ .
وظاهر كلامهم أن القاضي لا يحبس المديون إذا علم أن له مالا غائبا أو محبوسا موسرا ، وأنه يطلقه إذا علم بأحدهما . قوله ( فإن لم يظهر له مال خلاه ) أي أطلقه من الحبس ; لأن عسرته ثبتت عنده فاستحق النظرة إلى الميسرة للآية فحبسه بعده يكون ظلما ، وظاهره أنه يطلقه بلا كفيل قلت : إلا في مال اليتيم لما في البزازية ولو للميت على رجل دين له ورثة صغار وكبار لا يطلقه من الحبس قبل الاستيثاق بكفيل للصغار . ا هـ .
وقدمنا أنه يطلقه بكفيل إذا كان رب الدين غائبا وينبغي أن يكون مال الوقف كمال اليتيم فلا يطلقه القاضي إلا بكفيل فهي ثلاثة مواضع مستثناة ، والكلام في إطلاقه جبرا على رب الدين فلو أطلقه رب الدين من غير بينة على إفلاسه ورضي المحبوس جاز ولا يتوقف على حضور القاضي كما في البزازية إلا في مال اليتيم فلا يطلقه الوصي وفي وصايا القنية حبس الوصي غريما بدين الصبي ليس له أن يطلقه قبل قضائه إذا كان موسرا ، وإن رأى أن يأخذ منه كفيلا ويطلقه فله ذلك ثم رقم آخر إذا كان معسرا جاز إطلاقه ا هـ .
فتحرر أن المعسر يجوز إطلاقه اتفاقا ، وفي الموسر خلاف وقيدنا برضا المحبوس لما في القنية المحبوس بالدين أقام البينة على إفلاسه فأراد رب الدين أن يطلقه قبل القضاء بإفلاسه وأبى المحبوس أن يخرج حتى يقضى بإفلاسه ، يجب على القاضي القضاء به حتى لا يعيده رب الدين ثانيا قبل ظهور غناه ا هـ .
وإذا أطلقه بلا بينة فله إعادته إلى الحبس كما في أنفع الوسائل ، وأشار بقوله خلاه إلى أنه لا يحبسه مرة أخرى للأول ولا لغيره حتى يثبت غريمه غناه لما في البزازية أطلق القاضي المحبوس لإفلاسه ثم ادعى عليه آخر مالا ، وادعى أنه موسر لا يحبسه حتى يعلم يسره ا هـ .
وظهور عدم مال له بالشهادة بأنه لا مال له ، وقال الخصاف يثبت الإفلاس بقول الشهود هو فقير لا نعلم له مالا ولا عرضا يخرج به عن الفقر وعن الصغار يشهدون أنه مفلس معدم لا نعلم له مالا سوى كسوته وثيابه ليلة ، واختبرناه سرا وعلنا ا هـ .
وفي أنفع الوسائل ولا تكون هذه شهادة على النفي فإن الإعسار بعد اليسار أمر حادث فتكون شهادة بأمر حادث لا بالنفي نبه عليه السغناقي ا هـ .
واعلم أن الإخراج بمضي المدة مع إخبار واحد بحال المحبوس لا يكون من باب الثبوت حتى لا يجوز للقاضي أن يقول ثبت عندي أنه معسر كذا في أنفع الوسائل وفي النوازل فقير لا شيء ولا يجد من يكفله بنفسه لا يحبسه القاضي وخلى بينه وبين الغريم إن شاء لازمه وإن شاء ترك ا هـ .
وفي الخانية فإن أحضر المحبوس المال ورب الدين غائب يريد تطويل الحبس عليه ، فإن كان القاضي يعلم بالدين ومقداره [ ص: 313 ] وصاحبه فإن شاء أخذ المال وخلاه ، وإن شاء أخذ منه كفيلا ثقة بالمال والنفس وخلى سبيله ولو قال بعضهم يخلى سبيله كي لا يتهمه الناس ، وقال بعضهم بتركه في السجن حتى يقضي الدين ا هـ . مات الطالب والقاضي الذي حبسه وارثه لا غير