وصفته قبل الحكم الجواز وبعده اللزوم وجوازه بالكتاب { فابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها } وفيه نظر كذا في فتح القدير من غير بيانه ووجهه أن كلا من المحكمين لم يتراضيا عليه خصوصا أن الضمير في قوله فابعثوا عائد إلى الحكام العائد إليهم ضمير فإن خفتم ولأن الحكم عندنا إنما يصلح فقط وليس له إيقاع الطلاق فهو وكيل فلم يكن من هذا القبيل .
وبالسنة كما رواه { النسائي أبو شريح يا رسول الله إن قومي إذا اختلفوا في شيء فأتوني فحكمت بينهم فرضي عني الفريقان فقال عليه الصلاة والسلام ما أحسن هذا } وأجمع على أنه صلى الله عليه وسلم عمل بحكم قال في سعد بن معاذ بني قريظة لما اتفقت اليهود على الرضا بحكمه فيهم مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وروى أنه كان بين عمر منازعة في نخل فحكما بينهما وأبي بن كعب فأتياه فخرج زيد بن ثابت فقال زيد هلا بعثت إلي فأتيتك يا أمير المؤمنين فقال لعمر في بيته يؤتى الحكم قد خلا بيته فألقى عمر وسادة فقال لعمر هذا أول جورك وكانت اليمين على عمر فقال عمر زيد لو أعفيت أمير المؤمنين فقال لأبي يمين لزمتني فقال عمر نعفي أمير المؤمنين ونصدقه وليعلم أنه لا يظن بأحد منهما في هذه الخصومة التلبيس وإنما هي لاشتباه الحادثة عليهما فتقدما إلى الحكم للتبيين لا للتلبيس وفيه أبي وإن جواز التحكيم زيدا كان معروفا بالفقه وظاهر ما ذكره الصدر الشهيد في شرح أدب القضاء أن الحكم من الإمام بمنزلة القاضي المولى ا هـ .
فعلى هذا إذا رفع حكمه إلى قاض لا يراه أمضاه فليحفظ وفي المحيط جاز وهو بمنزلة القاضي المولى ولو أمر القاضي رجلا أن يحكم بين رجلين لم يجز إذا لم يكن مأذونا بالاستخلاف إلا أن يجيزه القاضي بعد الحكم أو يتراضى عليه الخصمان كذا في المحيط وروي أن الإمام الذي استعمل القاضي أمر رجلا ممن تجوز شهادته أن يحكم بين رجلين رضي الله عنهما كان يختلف إليه ويأخذ بركابه عند ركوبه وقال هكذا أمرنا أن نصنع بفقهائنا فقبل ابن عباس يده وقال هكذا أمرنا أن نصنع بأشرافنا وفيه أن الإمام لا يكون قاضيا في حق نفسه وأنه ينبغي أن من احتاج إلى العلم يأتي إلى العالم في بيته ولا يبعث إليه ليأتيه وإن كان أوجه الناس . زيد
وأما إلقاء زيد الوسادة فاجتهاد من قوله صلى الله عليه وسلم { } { إذا أتاكم كريم قوم فأكرموه وبسط النبي صلى الله عليه وسلم رداءه لعدي بن حاتم } وأن الخليفة ليس كغيره واجتهاد على تخصيص هذه الحالة من عموم الأول وأنه لا بأس بالحلف صادقا وامتناع عمر حين لزمته كان لأمر آخر وأن اليمين حق المدعي على المدعى له أن يستوفيها وتسقط بإسقاطه كذا في فتح القدير تبعا لما في النهاية وفي البزازية وبعض علمائنا كانوا يقولون أكثر قضاة عهدنا في بلادنا أكثرهم مصالحون ; لأنهم تقلدوا القضاء بالرشوة ويجوز أن يجعل حكما بترافع القضية إليهم واعترض عليه بعضهم بأن الرفع ليس على وجه التحكيم بل على اعتقاد أنه قاض ماضي الحكم ورفع الدعوى عليه قد يكون بالإشخاص والجبر فلا يكون حكما ألا ترى أن البيع ينعقد بالتعاطي ابتداء لكن إذا تقدم بيع باطل أو فاسد وترتب عليه التعاطي لا ينعقد البيع لكونه على سبب آخر كذا هنا ولهذا قال السلف القاضي النافذ حكمه أعز من الكبريت الأحمر ا هـ . عثمان
وذكر الشيخ عبد القادر في الطبقات أن الإمام أحمد الدامغاني تلميذ الطحاوي والكرخي لما تولى القضاء بواسط كان يقول للخصمين أنظر بينكما فإن قالا نعم نظر وتارة يقول أحكم بينكما ا هـ .
[ ص: 25 ]