قوله ( باب الرجوع في الهبة ) لا خفاء في حسن تأخيره ( قوله صح الرجوع فيها ) يعني صح إذا لم يمنع مانع من الموانع الآتية والمراد من الهبة الموهوب لأن الرجوع إنما يكون في حق الأعيان لا في حق الأقوال وأشار بذكر الصحة دون الجواز إلى أنه يكره الرجوع فيها وظاهر كلام المبسوط وتبعه في النهاية أنها كراهة تنزيه فإنه قال إنه غير مستحب ومقتضى دليل الرجوع في الهبة بعد القبض القائل بعدم الرجوع إلا فيما يهب [ ص: 291 ] الوالد لولده أنها كراهة تحريم وهو ما رواه أصحاب السنن الأربعة مرفوعا { الشافعي } ونقل تصحيحه الحافظ لا يحل لرجل أن يعطي عطية أو يهب هبة فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ومثل الذي يعطي العطية ثم يرجع فيها كمثل الكلب يرجع في قيئه فإنه يأكل حتى يشبع فإذا شبع قاء ثم عاد في قيئه الزيلعي فإن بهذا يحصل الجمع بين هذا وبين ما استدل به أئمتنا لصحته وهو ما رواه وصححه مرفوعا { الحاكم } أي لم يعوض ويدل على أنها كراهة تحريم قول الشارح إن الرجوع قبيح ولا يقال للمكروه تنزيها قبيح لأنه من قبيل المباح أو قريب منه . من وهب هبة فهو أحق بها ما لم ينب منها
وقد يقال إن الحديث المفيد لعدم الحل محمول على ما إذا كان بغير قضاء ولا رضا كما أشار إليه في المحيط وشمل كلامه ما إذا فإنه لا يسقط حقه وله الرجوع كذا في فتاوى قال الواهب أسقطت حقي من الرجوع قاضي خان وشمل ما إذا كما أمر كانت الهبة من الآمر ولا يرجع المأمور على الآمر ولا على القابض وللآمر أن يرجع في الهبة والدافع يكون متطوعا ولو قال لآخر هب لفلان عني ألف درهم فوهب المأمور جازت الهبة ويضمن الآمر للمأمور وللآمر أن يرجع في الهبة ولا يرجع الدافع كذا في فتاوى قال هب لفلان ألف درهم على أني ضامن ففعل قاضي خان من باب الكفالة بالمال وأطلق الهبة فانصرفت إلى الأعيان فلا رجوع في هبة الدين للمديون بعد القبول بخلافه قبله لكونها إسقاطا كما قدمناه وشمل كلامه ما إذا وهبا عبدا فلأحدهم الرجوع في نصيبه مع غيبة صاحبه لأن الشيوع لا يمنع فسخها بدليل أن للواهب أن يرجع في بعضها كذا في المحيط وفي فتاوى قاضي خان قالوا لا ينبغي له أن يشتري لأن الموهوب له يستحي من المالك فيصير مشتريا بأقل من قيمته إلا الوالد إذا وهب لولده شيئا لأن شفقته على ولده تمنعه من الشراء بأقل من قيمته الواهب إذا اشترى الهبة من الموهوب له