( قوله وكره ) بيان للشيئين الصحة والكراهة أما الصحة فمبنية على وجود الأهلية للصلاة مع أداء الأركان وهما موجودان من غير نقص في الشرائط والأركان ومن السنة حديث { إمامة العبد والأعرابي والفاسق والمبتدع والأعمى وولد الزنا } ، وفي صحيح صلوا خلف كل بر وفاجر أن البخاري كان يصلي خلف ابن عمر وكفى به فاسقا كما قاله الحجاج ، وقال الشافعي المصنف إنه أفسق أهل زمانه ، وقال لو جاءت كل أمة بخبيثاتها وجئنا الحسن البصري بأبي محمد لغلبناهم وإمامة عتبان بن مالك الأعمى لقومه مشهورة في الصحيحين واستخلاف على ابن أم مكتوم الأعمى المدينة كذلك في صحيح ، وأما الكراهة فمبنية على قلة رغبة الناس في الاقتداء بهؤلاء فيؤدي إلى تقليل الجماعة المطلوب تكثيرها تكثيرا للأجر ولأن العبد لا يتفرغ للتعلم والغالب على الأعراب الجهل والفاسق لا يهتم لأمر دينه والأعمى لا يتوقى النجاسة وليس لولد الزنا أب يربيه ويؤدبه ويعلمه فيغلب عليه الجهل . أطلق الكراهة في هؤلاء وقيد كراهة ابن حبان في المحيط وغيره بأن لا يكون أفضل القوم ، فإن كان أفضلهم فهو أولى وعلى هذا يحمل تقديم إمامة الأعمى ; لأنه لم يبق من الرجال الصالحين للإمامة في ابن أم مكتوم المدينة أحد أفضل منه حينئذ ولعل عتبان بن مالك كان أفضل من كان يؤمه [ ص: 370 ] أيضا وعلى قياس هذا إذا كان الأعرابي أفضل الحاضرين كان أولى ولهذا قال في منية المصلي أراد بالأعرابي الجاهل وهو ظاهر في كراهة وينبغي أن يكون كذلك في العبد وولد الزنا إذا كان أفضل القوم فلا كراهة إذا لم يكونا محتقرين بين الناس لعدم العلة للكراهة والأعرابي من يسكن البادية عربيا كان أو عجميا ، وأما من يسكن المدن فهو عربي إمامة العامي الذي لا علم عنده
وفي المجتبى وهذه الكراهة تنزيهية لقوله في الأصل إمامة غيرهم أحب إلي وهكذا في معراج الدراية ، وفي الفتاوى لو ينال فضل الجماعة لكن لا ينال كما ينال خلف تقي ورع لقوله صلى الله عليه وسلم { صلى خلف فاسق أو مبتدع } قال من صلى خلف عالم تقي فكأنما صلى خلف نبي ابن أمير حاج ولم يجده المخرجون نعم أخرج في مستدركه مرفوعا { الحاكم } ، وذكر الشارح وغيره أن الفاسق إذا تعذر منعه يصلي الجمعة خلفه ، وفي غيرها ينتقل إلى مسجد آخر وعلل له في المعراج بأن في غير الجمعة يجد إماما غيره فقال في فتح القدير وعلى هذا فيكره إن سركم أن يقبل الله صلاتكم فليؤمكم خياركم فإنهم وفدكم فيما بينكم وبين ربكم على قول الاقتداء به في الجمعة إذا تعددت إقامتها في المصر وهو المفتى به ; لأنه بسبيل من التحول حينئذ ، وفي السراج الوهاج ، فإن قلت : فما الأفضلية أن يصلي خلف هؤلاء أو الانفراد ؟ قيل أما في حق الفاسق فالصلاة خلفه أولى لما ذكر في الفتاوى كما قدمناه ، وأما الآخرون فيمكن أن يكون الانفراد أولى لجهلهم بشروط الصلاة ويمكن أن يكون على قياس الصلاة خلف الفاسق والأفضل أن يصلي خلف غيرهم ا هـ . محمد
فالحاصل أنه يكره لهؤلاء التقدم ويكره الاقتداء بهم كراهة تنزيه ، فإن أمكن الصلاة خلف غيرهم فهو أفضل وإلا فالاقتداء أولى من الانفراد وينبغي أن يكون محل كراهة الاقتداء بهم عند وجود غيرهم وإلا فلا كراهة كما لا يخفى وأشار المصنف إلى أنه لو فالحر الأصلي أولى بعد الاستواء في العلم والقراءة كما في الخلاصة ، وأما المبتدع فهو صاحب البدعة وهي كما في المغرب اسم من ابتدع الأمر إذا ابتدأه وأحدثه كالرفقة من الارتفاق والخلفة من الاختلاف ثم غلبت على ما هو زيادة في الدين أو نقصان منه ا هـ . اجتمع معتق وحر أصلي
وعرفها الشمني بأنها ما أحدث على خلاف الحق المتلقى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من علم أو عمل أو حال بنوع شبهة واستحسان وجعل دينا قويما وصراطا مستقيما ا هـ .
وأطلق المصنف في المبتدع فشمل كل مبتدع هو من أهل قبلتنا وقيده في المحيط والخلاصة والمجتبى وغيرها بأن لا تكون بدعته تكفره ، فإن كانت تكفره فالصلاة خلفه لا تجوز وعبارة الخلاصة هكذا
وفي الأصل الاقتداء بأهل الأهواء جائز إلا الجهمية والقدرية والروافض الغالي ومن يقول بخلق القرآن والخطابية والمشبهة وجملته أن من كان من أهل قبلتنا ولم يغل في هواه حتى يحكم بكفره تجوز الصلاة خلفه وتكره ، ولا تجوز ; لأنه كافر ، وإن قال إنه لا يرى لجلاله وعظمته فهو مبتدع والمشبه إن قال إن لله يدا أو رجلا كما للعباد فهو كافر ، وإن قال إنه جسم لا كالأجسام فهو مبتدع ، والرافضي إن فضل عليا على غيره فهو مبتدع ، وإن أنكر خلافة الصلاة خلف من ينكر شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم أو ينكر الكرام الكاتبين أو ينكر الرؤية الصديق فهو كافر ومن مكة إلى بيت المقدس فهو كافر ومن أنكر الإسراء من بيت المقدس فليس بكافر ا هـ . أنكر المعراج من
وألحق في فتح القدير عمر في هذا الحكم ولعل مرادهم بإنكار الخلافة إنكار استحقاقهما الخلافة فهو مخالف لإجماع الصحابة لا إنكار وجودها لهما وعلل لعدم كفره في قوله لا كالأجسام بأنه ليس فيه إلا إطلاق لفظ الجسم عليه وهو موهم للنقص فرفعه بقوله لا كالأجسام فلم يبق إلا مجرد الإطلاق وذلك معصية تنهض سببا للعقاب لما قلنا من الإيهام بخلاف ما لو قاله على [ ص: 371 ] التشبيه فإنه كافر وقيل يكفر بمجرد الإطلاق أيضا وهو حسن بل هو أولى بالتكفير ا هـ . بالصديق
فالحاصل أنه يكفر في لفظين هو جسم كالأجسام هو جسم ، ويصير مبتدعا في الثالث هو جسم لا كالأجسام ثم قال واعلم أن الحكم بكفر من ذكرنا من أهل الأهواء مع ما ثبت عن أبي حنيفة من عدم تكفير أهل القبلة من المبتدعة كلهم محمله على أن ذلك المعتقد نفسه كفر فالقائل به قائل بما هو كفر ، وإن لم يكفر بناء على كون قوله ذلك عن استفراغ وسعه مجتهدا في طلب الحق لكن جزمهم ببطلان الصلاة خلفه لا يصحح هذا الجمع اللهم إلا أن يراد بعدم الجواز خلفهم عدم الحل أي عدم حل أن يفعل وهو لا ينافي الصحة وإلا فهو مشكل والله سبحانه أعلم . والشافعي
بخلاف مطلق اسم الجسم مع التشبيه فإنه يكفر لاختياره إطلاق ما هو موهم للنقص بعد علمه بذلك ، ولو نفى التشبيه لم يبقى منه إلا التساهل والاستخفاف بذلك ا هـ .
وهكذا استشكل هذه الفروع مع ما صح عن المجتهدين المحقق سعد التفتازاني في شرح العقائد ، وفيما أجاب به في فتح القدير نظر ; لأن تعليله في الخلاصة فيمن أنكر الرؤية ونحوها بأنه كافر يرد هذا الحمل فالأولى ما ذكره هو في باب البغاة أن هذه الفروع المنقولة في الفتاوى من التكفير لم تنقل عن الفقهاء أي المجتهدين وإنما المنقول عنهم عدم تكفير من كان من قبلتنا حتى لم يحكموا بتكفير الخوارج الذين يستحلون دماء المسلمين وأموالهم وسب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لكونه عن تأويل وشبهة ولا عبرة بغير المجتهدين ا هـ .
وذكر في المسايرة أن ظاهر قول الشافعي أنه لا يكفر أحد منهم ، وإن روي عن وأبي حنيفة أنه قال أبي حنيفة لجهم اخرج عني يا كافر حملا على التشبيه وهو مختار الرازي ، وذكر في شرحها للكمال بن أبي شريف أن عدم تكفيرهم هو المنقول عن جمهور المتكلمين والفقهاء فإن الشيخ قال في كتاب مقالات الإسلاميين اختلف المسلمون بعد نبيهم صلى الله عليه وسلم في أشياء ضلل بعضهم بعضا وتبرأ بعضهم عن بعض فصاروا فرقا متباينين إلا أن الإسلام يجمعهم ويعمهم ا هـ . أبا الحسن الأشعري
وقال أقبل شهادة أهل الأهواء إلا الإمام الشافعي الخطابية ; لأنهم يشهدون بالزور لموافقيهم وما ذكره المصنف أنه ظاهر قول جزم بحكايته عنه أبي حنيفة صاحب المختصر في كتاب المنتقى وهو المعتمد ا هـ . الحاكم
فالحاصل أن المذهب عدم تكفير أحد من المخالفين فيما ليس من الأصول المعلومة من الدين ضرورة ، ويدل عليه قبول شهادتهم إلا الخطابية ولم يفصلوا في كتاب الشهادات فدل ذلك على أن هذه الفروع المنقولة من الخلاصة وغيرها بصريح التكفير لم تنقل عن وإنما هي من تفريعات المشايخ كألفاظ التكفير المنقولة في الفتاوى والله سبحانه هو الموفق . أبي حنيفة
وفي جمع الجوامع وشرحه ولا نكفر أحدا من [ ص: 372 ] أهل القبلة ببدعة كمنكري صفات الله تعالى وخلقه أفعال عباده وجواز رؤيته يوم القيامة ومنا من كفرهم أما من خرج ببدعته من أهل القبلة كمنكري حدوث العالم والبعث والحشر للأجسام والعلم بالجزئيات فلا نزاع في كفرهم لإنكارهم بعض ما علم مجيء الرسول به ضرورة ا هـ .
وفي الخلاصة عن الحلواني يمنع عن وحمله في المجتبى على من يريد بالمناظرة أن يزل صاحبه ، وأما من أراد الوصول به إلى الحق وهداية الخلق فهو ممن يتبرك بالاقتداء به ويندفع البلاء عن الخلق بهدايته واهتدائه ، وأما الصلاة خلف الشافعية فحاصل ما في المجتبى أنه إذا كان مراعيا للشرائط والأركان عندنا فالاقتداء به صحيح على الأصح ويكره وإلا فلا يصح أصلا وسيأتي بيانه إن شاء الله تعالى في باب الوتر ولا خصوصية للشافعية بل الصلاة خلف كل مخالف للمذهب كذلك . الصلاة خلف من يخوض في علم الكلام ويناظر صاحب الأهواء
[ ص: 370 ]