( قوله : أن يغسل يديه وفرجه [ ص: 52 ] ونجاسة لو كانت على بدنه ثم يتوضأ ثم يفيض الماء على بدنه ثلاثا ) لما روى الجماعة عن وسننه ميمونة قالت { } فهذا الحديث مشتمل على بيان السنة والفريضة فاستفيد منه استحباب تقديم غسل اليدين وعللوا بأنهما آلة التطهير فيبتدأ بتنظيفهما واستحباب وضعت للنبي صلى الله عليه وسلم ماء يغتسل به فأفرغ على يديه فغسلهما مرتين أو ثلاثا ثم أفرغ بيمينه على شماله فغسل مذاكيره ثم دلك يده بالأرض ثم تمضمض واستنشق ثم غسل وجهه ويديه ثم غسل رأسه ثلاثا ثم أفرغ على جسده ثم تنحى عن مقامه فغسل قدميه قبلا أو دبرا سواء كان عليه نجاسة أو لا كتقديم الوضوء على غسل الباقي سواء كان محدثا أو لا وبه يندفع ما ذكره تقديم غسل الفرج الزيلعي بأنه كان يغنيه أن يقول ونجاسة عن قوله وفرجه لأن الفرج إنما يغسل لأجل النجاسة . ا هـ .
ولأن تقديم غسل الفرج لم ينحصر كونه للنجاسة بل لها أو ; لأنه لو غسله في أثناء غسله ربما تنتقض طهارته عند من يرى ذلك كما أشار إليه والخروج من الخلاف مستحب عندنا واتفق العلماء على عدم وجوب القاضي عياض إلا الوضوء في الغسل فقال بالوجوب في غسل الجنابة داود الظاهري
وإذا توضأ أولا لا يأتي به ثانيا بعد الغسل فقد اتفق العلماء على أنه لا يستحب وضوءان ذكره النووي في شرح يعني لا يستحب وضوءان للغسل أما إذا توضأ بعد الغسل واختلف المجلس على مذهبنا أو فصل بينهما بصلاة كما هو مذهب مسلم فيستحب ، وفي الحديث أيضا استحباب أن يدلك المستنجي بالماء يده بالتراب أو بالحائط ليذهب الاستقذار منها ، وفيه استحباب تقديم غسل الرأس في الصب ، وقد اختلف فيه فقال الحلواني يفيض الماء على منكبه الأيمن ثلاثا ثم الأيسر ثلاثا ثم على سائر جسده وقيل يبدأ بالأيمن ثم بالأيسر ثم بالرأس ، وقيل يبدأ بالرأس ، وهو ظاهر لفظ الهداية وظاهر حديث الشافعي ميمونة المتقدم ، وبه يضعف ما صححه صاحب الدرر والغرر من أنه يؤخر الرأس وكذا صححه في المجتبى ، وفي قوله ثم يتوضأ إشارات الأولى : أنه يمسح رأسه في هذا الوضوء ، وهو الصحيح ; لأنه روي في بعض الروايات { } ، وهو اسم للغسل والمسح أنه صلى الله عليه وسلم توضأ وضوءه للصلاة
وفي البدائع أنه ظاهر الرواية الثانية أنه لا يؤخر غسل قدميه ، وفيه خلاف ففي المبسوط والهداية أنه يؤخر غسل قدميه إذا كان في مستنقع الماء أي مجتمعه ولا يقدم وعند بعض مشايخنا ، وهو الأصح من مذهب أنه لا يؤخر مطلقا وأكثر مشايخنا على أنه يؤخر مطلقا وأصل الاختلاف ما وقع من روايتي الشافعي عائشة وميمونة ففي رواية أنه توضأ وضوءه للصلاة ، ولم يذكر فيها تأخير القدمين فالظاهر تقديم غسلهما ، فأخذ بهذه عائشة وبعض مشايخنا لطول الصحبة والضبط في الحديث ، وفي رواية الشافعي ميمونة صريحا تأخير غسلهما فأخذ به أكثر مشايخنا لشهرتها ، وفي المجتبى الأصح التفصيل ، وهو المذكور في الهداية ، ووجه التوفيق بين الروايتين بحمل ما روت على ما إذا لم يكن في مجتمع الماء عائشة
وحمل ما روت ميمونة على ما إذا كان في مجتمع الماء والظاهر أن الاختلاف في الأولوية لا في الجواز فقول المشايخ القائلين بالتأخير أنه لا فائدة في تقديم غسلهما [ ص: 53 ] ; لأنهما يتلوثان بالغسلات بعد فيحتاج إلى غسلهما ثانيا معناه أنه لا تحصل الفائدة الكاملة في تقديم غسلهما ، وإنما قلنا هذا ; لأنه لو قدم غسلهما ولم يغسلهما ثانيا خرج عن الجنابة وجازت صلاته على ما هو المفتى به ; لأن الماء الذي أصابهما من الأرض المجتمع فيها الغسلات مستعمل والماء المستعمل طاهر على المفتى به ، وليس الذي أصاب قدميه من صبه على بقية بدنه غير ما اجتمع في الأرض مستعملا أما على رواية عدم التجزي فظاهر ، وأما على رواية التجزي فلا يوصف هذا الماء بالاستعمال إلا بعد انفصاله عن جميع البدن فالماء الذي أصاب القدمين غير مستعمل ; لأن البدن كله في الغسل كعضو واحد حتى يجوز نقل البلة فيه من عضو إلى آخر فحينئذ لا حاجة إلى غسلهما ثانيا إلا على سبيل التنزه والأفضلية لا اللزوم ; لأن الماء المستعمل الذي أصابه من مجتمع الغسلات
وإن كان طاهرا فقد انتقل إليه الحدث حتى تعافه الطباع السليمة ، وقد صرح به الهندي فقال : وهذا إنما يتأتى على رواية نجاسة الماء المستعمل أيضا ، ويدل على هذا ما ذكره في المحيط بقوله ، وإنما لا يغسل رجليه ; لأن غسلهما لا يفيد ; لأنهما يتنجسان ثانيا باجتماع الغسلات فعلم منه أنه على رواية نجاسة الماء المستعمل وعليها فمعنى قولهم لا يفيد أنه لا يفيد فائدة تامة ، وإلا فقد أفاد التقديم فائدة ، وهي حل القرآن ومس المصحف وإن كانت قدماه متنجستين بالماء المستعمل ، وبهذا ظهر فساد ما ذكره ابن الملك في شرح المجمع من أن عدم الفائدة على رواية عدم التجزي أما على رواية التجزي فغسلهما مفيد ; لأن الجنابة تزول عن رجليه إذا غسلهما في الوضوء ويكون طاهرا في مجتمع الماء بعد غسل سائر جسده ، فإنه فهم من رواية عدم التجزي أنه لو يجب عليه إعادة غسل رجليه لأجل عدم ارتفاع الجنابة عنهما ، وهذا ذهول عظيم وسهو كبير ، فإنهم اتفقوا على أن فرض غسل القدمين قد سقط بتقديمه ولكن هل زالت الجنابة عنهما أو هو موقوف على غسل الباقي فرواية التجزي قائلة بالأول ورواية عدم التجزي قائلة بالثاني لا أنها قائلة بوجوب إعادة غسل الرجلين وفائدة اختلاف الروايتين أنه لو غسل رجليه أولا ثم غسل باقي بدنه فعلى رواية التجزي يحل له لزوال الجنابة عنه وعلى رواية عدم التجزي لا يحل له لعدم الزوال الآن وقد صحح المشايخ هذه الرواية تمضمض الجنب أو غسل يديه هل يحل له قراءة القرآن ومس المصحف
وقد اندفع بما ذكرنا أيضا ما استشكله بعض المحشين من زوال الجنابة بصب الماء من الرأس كما هو العادة على رواية التجزي وقال كما لا يخفى ولم يجب عنه ، وهو سهو منه وسوء فهم ، فإنهم اتفقوا على أن البدن في الغسل كعضو واحد واتفقوا على أن الماء لا يصير مستعملا إلا بعد الانفصال عن العضو فعلى رواية التجزي لا يصير مستعملا إلا إذا انفصل عن جميع البدن ، وإن زالت الجنابة عن كل عضو انفصل عنه الماء ، وهذا ظاهر لا يخفى ، والذي يظهر أن القائلين بالتأخير إنما استحبوه ليكون الافتتاح والاختتام بأعضاء الوضوء أخذا من حديث ميمونة قال في شرح القاضي عياض وليس فيه تصريح بل هو محتمل ; لأن قولها توضأ ، وضوءه للصلاة الأظهر فيه إكمال وضوئه وقولها آخرا ثم تنحى فغسل رجليه يحتمل أن يكون لما نالهما من تلك البقعة ا هـ . مسلم
فعلى هذا يغسلهما بعد الفراغ من الغسل مطلقا أعني سواء غسلهما أو لا إكمالا للوضوء أو لم يغسلهما وسواء أصابهما طين أو كانتا في مستنقع الماء المستعمل أو لم يكن شيء من ذلك ثم لا يخفى تعين غسلهما في حق الواحد منا بعد الفراغ من الغسل إذا كانتا في مستنقع الماء ، وكان على البدن نجاسة من مني أو غيره والله سبحانه وتعالى أعلم وفي الذخيرة نقلا عن العيون خاض الرجل في ماء الحمام بعد ما غسل قدميه
فإن لم يعلم أن في الحمام جنبا أجزأه أن لا يغسل قدميه ، وإن علم أن في الحمام جنبا قد اغتسل يلزمه أن يغسل قدميه إذا خرج قال رحمه الله في واقعاته وعلى [ ص: 54 ] ما اخترناه في الماء المستعمل ينبغي أن لا يلزمه غسل القدمين لكن استثنى الجنب في الكتاب ، فإنه موضع الاستثناء وغيره قال إنما استثنى الجنب ; لأن الجنب يكون على بدنه قذر ظاهرا وغالبا حتى لو لم يكن كان الماء المستعمل للمحدث والجنب سواء ويكون طاهرا على رواية ولا يلزمه غسل الرجلين ، وهو الظاهر ا هـ . محمد
وفي بقية حديث ميمونة { } قال ثم أتيته بالمنديل فرده النووي : فيه استحباب ترك تنشيف الأعضاء وقال لا خلاف في أنه لا يحرم الإمام ولا يستحب ولكن هل يكره فيه خلاف بين الصحابة وقال تنشيف الماء عن الأعضاء القاضي : يحتمل رده للمنديل لشيء رآه أو لاستعجاله في الصلاة أو تواضعا أو خلافا لعادة أهل الترفه ويكون الحديث الآخر في أنه كانت له خرقة يتنشف بها عند الضرورة وشدة البرد ليزيل برد الماء عن أعضائه ا هـ .
والمنقول في معراج الدراية وغيرها أنه لا بأس بالتمسح بالمنديل للمتوضئ والمغتسل إلا أنه ينبغي أن لا يبالغ ويستقصي فيبقى أثر الوضوء على أعضائه ولم أر من صرح باستحبابه إلا صاحب منية المصلي فقال ويستحب أن يمسح بمنديل بعد الغسل الإشارة الثالثة أن جميع السنن والمندوبات في الوضوء ثابتة في هذا الوضوء والغسل فتسن النية ويندب التلفظ بها . .
[ ص: 52 ]