قال رحمه الله ( والمسلم بالذمي ) يعني وقال يقتل المسلم بالذمي : لا يقتل به لما أخرجه الشافعي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال { علي بن أبي طالب } الحديث ولنا ما تلونا من كتاب الله وما روينا من السنة ، فإنه بإطلاقه يتناوله وقد صح عن لا يقتل مسلم بكافر ولا ذو عهد في عهده عبد الرحمن بن سلمة { ومحمد بن المنكدر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي برجل من المسلمين قد قتل معاهدا من أهل الذمة فأمر به فضرب عنقه فقال أنا أولى من وافى بذمته } والقصاص يعتمد العصمة على ما بينا في العبد وقد وجدت نظرا إلى الدار وإلى التكليف ; ولأن شرط التكليف القدرة على ما كلف به ولا يتمكن من إقامة ما كلف به إلا بدفع أسباب الهلاك عنه وذلك بأن يكون محرم التعرض ولا نسلم أن الكفر مبيح بنفسه بل بواسطة الحراب ألا ترى أن من لا يقاتل منهم لا يحل قتله كالشيخ الفاني ، وقد اندفع الحراب بعقد الذمة فكان معصوما بلا شبهة ; ولهذا يقتل الذمي بالذمي ، ولو كان في عصمته خلل لما قتل الذمي بالذمي كما لا يقتل المستأمن بالمستأمن وقد قال رضي الله عنه إنما بذلوا الجزية لتكون دماؤهم كدمائنا وأموالهم كأموالنا وذلك بأن تكون معصومة بلا شبهة كالمسلم ; ولهذا علي ، ولو كانت في عصمته شبهة لما قطع كما لا يقطع في سرقة مال المستأمن ; لأن المال تبع للنفس وأمر المال أهون من النفس ، فلما قطع بسرقته كان أولى أن يقتل بقتله ; لأن أمر النفس أعظم من المال . يقطع المسلم بسرقة مال الذمي
ألا ترى أن العبد لا يقطع بسرقة مال مولاه ويقتل بقتل مولاه لما ذكرنا والذي يدلك على ما قلنا أن قتل به فعلم أن المراد به الحربي إذ هو لا يقتل به مسلم ولا ذمي ولا يقال معناه لا يقتل ذو عهد مطلقا أي لا يحل قتله فيكون ابتداء كلام ; لأنا نقول ، هذا لا يستقيم لوجهين : أحدهما : أن ذا عهد مفرد وقد عطف على جملة فيأخذ الحكم منها ; لأن المعطوف الناقص يأخذ الحكم من المعطوف عليه التام كما يقال قام زيد وعمرو أو يقال قتل زيد بعمرو وخالد أي : كلاهما قام أو قتل ولا يجوز أن يقدر له خبر آخر والظاهر أن المعنى يأبى ذلك ; لأن المراد بسوق الكلام الأول نفي القتل قصاصا لا نفي مطلق القتل فكذا الثاني تحقيقا للعطف إذ لا يجوز ذلك ألبتة في المفرد ألا ترى إلى قوله تعالى { الذمي لو قتل ذميا ثم أسلم القاتل قبل أن يقتل وما يستوي الأعمى والبصير } أن المنفي الاستواء في البصر والعمى لا في كل وصف ; ولهذا أجري القصاص بينهما لاستوائهما في العصمة وكذا نقصان حال الكافر بكفره لا يزيل عصمته فلا عبرة به كسائر الأوصاف الناقصة كالشلل والأنوثة ولا نسلم أن كفره مبيح للقتل بل حرابه هو المبيح ، وقد ذكرناه غير مرة بخلاف ما ذكر من الملك والأخت من الرضاع ، فإنه مبيح للوطء ، وإنما امتنع في الأخت المذكورة بعارض فأورث شبهة .