قال رحمه الله ( وهي مستحبة ) يعني أقول : الحكم بالاستحباب على الوصية مطلقا لا يناسب ما سيأتي من التفصيل في الكتاب من أن الوصية مستحبة جائزة بدون الثلث مستحبة إن كانت الورثة أغنياء أو يستغنون بنصيبهم . الوصية بالثلث للأجنبي
وإن كانوا فقراء لا يستغنون بما يرثون فترك الوصية أولى ، وأنها لا تجوز للوارث والقاتل فكان الظاهر أن يقال بل هي مستحبة أو جائزة اللهم إلا أن يوجبه قوله وهي مستحبة بأن المراد به أن غاية أمرها الاستحباب دون الوجوب لا أنها مستحبة على الإطلاق فكأنه قال إنها لا تصل إلى مرتبة الوجوب بل قصارى أمرها الاستحباب لكن يرد عليه النقض بالوصية لحقوق الله تعالى كالصلاة والزكاة والصوم والحج التي فرط فيها ، والظاهر أنها واجبة كما صرح به الوصية غير واجبة الإمام الزيلعي في التبيين قال في العناية أخذا من النهاية فقوله غير واجبة رد لقول من يقول أن فرض ، ولقول من يقول الوصية واجبة على كل أحد ممن له مروءة ويسار لقوله تعالى { الوصية للوالدين والأقربين إذا كانوا ممن لا يرثون كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية للوالدين والأقربين } والمكتوب علينا فرض ، ولما لم يفهم الاستحباب من نفي الوجوب لجواز الإباحة قال الشارح هذا إذا لم يكن عليه حق مستحق لله ، وإن كان عليه حق مستحق لله كالزكاة ، والصوم أو الحج أو الصلاة التي فرط فيها فهي واجبة ، والقياس يأبى جوازها لأنها تمليك مضاف إلى حال زوال الملك ، ولو أضافه إلى حال قيامه بأن قال ملكتك غدا كان باطلا فهذا أولى إلا أن الشارع أجازه لحاجة الناس إليها لأن الإنسان مغرور بأمله مقصر في عمله فإذا عرض له عارض ، وخاف الهلاك يحتاج إلى تلافي ما فاته من التقصير بماله على وجه لو تحقق ما كان مخالفة يحصل مقصوده .
وقد يبقى الملك بعد الموت باعتبار الحاجة كما يبقى في قدر التجهيز والدين ، وقد نطق بها الكتاب ، وهو قوله تعالى { من بعد وصية يوصى بها أو دين } والسنة ، وهو قوله عليه الصلاة والسلام { } ، وعليه إجماع الأمة ثم تصح إن الله قد تصدق عليكم بثلث أموالكم عند وفاتكم زيادة في حسناتكم ليجعلها لكم زيادة في أعمالكم من غير إجازة الوارث ولا تجوز بما زاد على الثلث لما روي { الوصية للأجنبي بالثلث أنه قال جاءني رسول الله صلى الله عليه وسلم يعودني من [ ص: 461 ] وجع اشتد بي فقلت : يا رسول الله قد بلغ بي من الوجع ما ترى ، وأنا ذو مال ولا يرثني إلا ابنة لي أفأتصدق بثلثي مالي قال لا قال قلت : فالشطر يا رسول الله قال لا قال قلت : فالثلث قال فالثلث ، والثلث كثير إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير لك من أن تذرهم عالة يتكففون الناس سعد بن أبي وقاص } ، ولأن حق الورثة تعلق بماله لانعقاد سبب الزوال إليهم ، وهو استغناؤهم عن المال إلا أن الشرع لم يظهر في حق الأجانب بقدر الثلث ليتدارك تقصيره ، وأظهره في حق الورثة لأن الظاهر أنه لا يتصدق به عليهم تحرزا عما يتفق لهم من التأذي بالإيثار ، وقد جاء في الحديث أنه عليه الصلاة والسلام قال { عن } ، وفسروه بالزيادة على الثلث ، وبالوصية للوارث ، وقوله مستحبة إلخ الأفضل لمن كان قليل المال أن لا يوصي بشيء ، والأفضل لمن كان له مال كثير أن يوصي بما لا معصية فيه . الحيف في الوصية من أكبر الكبائر
وقدر الأغنياء عند إذا ترك لكل واحد من الورثة أربعة آلاف دون الوصية ، وعن الإمام الإمام الفضل عشرة آلاف ، وفي الموصي الذي أراد أن يوصي ينبغي أن يبدأ بالواجبات فإن لم يكن عليه شيء من الواجبات بدأ بالقرابة فإن كانوا أغنياء فالجيران ، وفي الفتاوى قال عامل السلطان أوصى بأن يعطى للفقراء كذا كذا من ماله أبو القاسم إن علم بأنه مال غيره لا يحل أخذه ، وإن علم أنه مختلط بمال غيره جاز أخذه ، وإن لم يعلم لا يجوز حتى يتبين أنه ماله قال الجواز قول الفقيه أبو الليث لأنه ملكه بالخلط ، وعلى قولهما لا يجوز ، وفي الخانية إذا أبي حنيفة جاز ، وهي وصية لصاحب الفرس . أوصى أن ينفق على فرس فلان