( باب الوصي وما يملكه )
لما فرغ من بيان أحكام الموصى له شرع في وقدم أحكام الموصى له لكثرتها وكثرة وقوعها فكانت الحاجة إلى معرفتها أمس . بيان أحكام الموصي إليه وهو الوصي
قال رحمه الله ( ولو يرتد ) يعني قبل عند الموصي ; لأن الموصي ليس له ولاية إلزامه التصرف ولا عذر من جهته ; لأنه يمكنه أن يوصي إلى غيره قال في الذخيرة : المراد بعنده يعني بعلمه ورده بغير علمه سواء كان عنده أو في مجلس غيره ، قال في المبسوط مسائله مشتملة على فصول فصل في حق الإيصاء وكيفيته ، وفصل في قبوله ورده ، وفصل فيمن يجوز إليه الإيصاء ومن لا يجوز ، وفصل في عزله الرجل إذا حضره الموت ينبغي أن يوصي ويكتب وصيته لقوله عليه الصلاة والسلام { أوصى إلى رجل فقبل عنده ورد عنده } ويكتب لا يحل لرجل يؤمن بالله ، واليوم الآخر يبيت إلا ووصيته تحت رأسه هذا ما أوصى فلان بن فلان فإنه يشهد : أن لا إله إلا الله ، وأن كتاب الوصية محمدا ا عبده ورسوله وأن الجنة حق ، والنار حق وأن الساعة آتية لا ريب فيها وأن الله يبعث من في القبور ، وأن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين أي في هذه الوصية لما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال { } ثم يكتب وأنا العبد المذنب الضعيف المفرط في طاعته المقصر في خدمته المفتقر إلى رحمته الراجي لفضله ، والهارب من عدله ترك من المال الصامت كذا ، ومن الرقيق كذا ومن الدور كذا وعليه من الدين . من كان آخر كلمته شهادة أن لا إله إلا الله وأني رسول الله وجبت له الجنة
كذا إن كان عليه دين ويسمي الغريم واسم أبيه كي لا تجحد الورثة دينه فيبقى الميت تحت عهدته ويكتب إن مت من مرضي هذا فأوصيت بأن يصرف مالي إلى وجوه الخيرات وأبواب البر تداركا لما فرط في حياته وتزودا وذخرا لآخرته وأنه أوصى إلى فلان بن فلان ليقوم بقضاء ديونه وتنفيذ وصيته وتمهيد أسباب ورثته فعليه أن يتقي الله حق تقاته ولا يتقاعد في أموره في وصيته ولا يتقاصر عن إيفاء حقوقه واستيفائه فإن تقاعد فإن الله تعالى حسيب عليه ويشهد على ذلك وإنما يصح الإشهاد إذا علم الشهود بما في الصك ، والشهادة على الوصية بدون العلم لا تجوز لقوله عليه الصلاة والسلام للشاهد { } ، ولو إذا علمت مثل الشمس فاشهد وإلا فدع لم تجز شهادتهم فإن اعتقل واحتبس لسانه روي عن قال الشهود بعد [ ص: 521 ] ما قرءوا الصك : نشهد عليك فحرك رأسه بنعم ، ولم ينطق أنه تجوز وتعتبر إشارته ، وهو قول أبي يوسف له أن الإشارة تقوم مقام العبارة حالة عجزه عن النطق ، والعبادة قياسا على الأخرس ; لأن العجز عن النطق من تحقق يستوي فيه العارض ، والأصلي فيما تتعلق صحته بالنطق كالعجز عن القراءة فإنه تجوز صلاة الأخرس بغير قراءة ، وتجوز الشافعي فكذا هذا ولنا أن الإشارة تدل على النطق ، والعبادة إنما تتصل إلى البدل حالة اليأس عن النطق وهنا لم يقع اليأس عن النطق ; لأن اعتقال لسانه واحتباسه لا يدوم بل بعرض الزوال ، والانتقال في كل ساعة فلا تقوم الإشارة مقام العبارة وأن الإشارة محتملة غير معلمة . صلاة من اعتقل لسانه بغير قراءة
إلا أن في الأخرس تقدم منه إشارات مفهومة وآلة واضحة على مراداته الباطنة فزال الاحتمال عن إشاراته فقامت مقام نطقه وعبارته وهنا لم يتقدم منه إشارات معلومة حتى يعلم بإشاراته مراداته فبقيت إشارته محتملة غير مفهمة فلا تقوم مقام عبارته فأما اختلف المشايخ فيه قيل لا تعتبر اعتبارا للمعنى الأول وهو أنه لم يقع اليأس عن النطق فلا تقوم إشارته مقام عبارته وقيل تعتبر ، وقد روى هذا إذا طالت الغفلة أو الحبسة في لسانه ودام هل تعتبر إشارته أبو عمر والصغاني عن اعتبارا للمعنى الثاني ; لأنه لما طالت الغفلة صار له إشارة معهودة فتقوم مقام النطق كما في الأخرس وإضافة الوكالة إلى ما بعد الموت وصية ; لأن الإيصاء توكيل بعد الموت ، والوصاية قبل الموت وكالة . أبي حنيفة