( قوله وكره ) شروع في بيان المكروهات بعد بيان المفسدات لأن كلا منهما من العوارض إلا أنه قدم المفسد لقوته والمكروه في هذا الباب نوعان أحدهما ما كره تحريما وهو المحمل عند إطلاقهم الكراهة كما ذكره في فتح القدير من كتاب الزكاة وذكر أنه في رتبة الواجب لا يثبت إلا بما يثبت به الواجب يعني بالنهي الظني الثبوت وأن الواجب يثبت بالأمر الظني الثبوت ثانيهما المكروه تنزيها ومرجعه إلى ما تركه أولى وكثيرا ما يطلقونه كما ذكره عبثه بثوبه وبدنه العلامة الحلبي في مسألة مسح العرق فحينئذ إذا ذكروا مكروها فلا بد من النظر في دليله فإن كان نهيا ظنيا يحكم بكراهة التحريم إلا لصارف للنهي عن التحريم إلى الندب فإن لم يكن الدليل نهيا بل كان مفيدا للترك الغير الجازم فهي تنزيهية واختلف في تفسير العبث فذكر الكردي أنه فعل فيه غرض ليس بشرعي والسفه ما لا غرض فيه أصلا والمذكور في شرح الهداية وغيرها أن العبث الفعل لغرض غير صحيح حتى قال في النهاية وحاصله أن كل عمل هو مفيد للمصلي فلا بأس بأن يأتي به أصله ما روي { أن النبي صلى الله عليه وسلم عرق في صلاة فسلت العرق عن جبينه } أي مسحه لأنه كان يؤذيه فكان مفيدا وفي زمن الصيف { كان إذا قام من السجود نفض ثوبه يمنة أو يسرة } لأنه كان مفيدا كي لا يبقى صورة فأما ما ليس بمفيد فهو العبث ا هـ .
وتعقبه العلامة الحلبي بأنه إذا كان يكره رفع الثوب كي لا يتترب وأنه قد وقع الخلاف في أنه يكره وأنه قد وقع الندب إلى تتريب الوجه في السجود فضلا عن الثوب فكون نفض الثوب من التراب عملا مفيدا وأنه لا بأس به مطلقا فيه نظر ظاهر وأما أنه لا بأس مسح التراب عن جبهته في الصلاة فهو قول بعض المشايخ واختاره في الخانية وغيرها وفي منية المصلي ويكره أن بسلت العرق في الصلاة ووفق بينهما بأن المراد بالعرق الممسوح عرق لم تدعه حاجة إلى مسحه وبالكراهة الكراهة التنزيهية فحينئذ [ ص: 21 ] لا منافاة بينها وبين قولهم لا بأس لأن تركه أولى ويحمل فعله صلى الله عليه وسلم إن ثبت على أن به حاجة إلى مسحه أو بيانا للجواز ا هـ . يمسح عرقه أو التراب عن جبهته في أثناء الصلاة أو في التشهد قبل السلام
وفي الخانية ولا بأس بأن إذا كان يضره ذلك ويشغله عن الصلاة وإذا كان لا يضره ذلك يكره في وسط الصلاة ولا يكره قبل التشهد والسلام . ا هـ . يمسح جبهته من التراب أو الحشيش بعد الفراغ من الصلاة وقبله
وصححه في المحيط وهو مع ما قدمناه من تعريف العبث يدل على أن إنما يكون عبثا إذا كان لغير حاجة أما إذا أكله شيء في بدنه ضره وأشغله فلا بأس بحكه ولا يكون من العبث ثم ذكر الشارحون أنهم إنما قدموا مسألة العبث لأنها كلية وغيرها نوعية لأن الحك بيده في بدنه من أنواع العبث والكلي مقدم على النوعي وتعقبه في العناية بأن العبث بالثوب لا يشمل ما بعده من تقليب الحصا وغيره بل إنما قدموه لأنه أكثر وقوعا ا هـ . تقليب الحصا والفرقعة والتخصر
وقد يقال إن الشامل للتقليب وغيره العبث بالبدن ولا يتم ما قاله إلا لو اقتصروا على العبث بالثوب ثم إن كراهة العبث تحريمية لما أخرجه في مسند القضاعي الشهاب مرسلا عن عن النبي صلى الله عليه وسلم { يحيى بن أبي كثير } وعلله في الهداية بأن العبث خارج الصلاة حرام فما ظنك في الصلاة ا هـ . إن الله كره لكم ثلاثا العبث في الصلاة والرفث في الصيام والضحك في المقابر
وأراد به كراهة التحريم وأورد عليه في غاية البيان بأنه إذا كان حراما ينبغي أن يكون مفسدا كالقهقهة وأجاب بأن فساد القهقهة لا باعتبار حرمتها بل باعتبار أنها تنقض الطهارة وهي شرط ولهذا لا يفسدهاوإن كان حراما إلا إذا كثر العبث فحينئذ يفسدها لكونه عملا كثيرا وفي الغاية النظر إلى الأجنبية للسروجي قوله ولأن العبث خارج الصلاة حرام فيه نظر لأن العبث خارجها بثوبه أو بدنه خلاف الأولى ولا يحرم والحديث قيد بكونه في الصلاة . ا هـ .