( قوله : وهو طعم أو لون أو ريح ) أي الأثر ما ذكر وحاصله أن إن ظهر أثرها لا يجوز الوضوء به ، وإلا جاز ; لأن وجود الأثر دليل وجود النجاسة ، فكل ما تيقنا فيه نجاسة أو غلب على ظننا ذلك لا يجوز الوضوء به جاريا كان أو غيره ; لأن الماء الجاري لا يتنجس بوقوع النجاسة فيه كما قد يتوهم ، وظاهر ما في المتون أن الجاري إذا وقعت فيه نجاسة يجوز الوضوء به إن لم ير أثرها سواء كان النجس جيفة مرئية أو غيرها ، فإذا الماء الجاري وما هو في حكمه إذا وقعت فيه نجاسة جاز ما لم يظهر في الجرية أثره قال بال إنسان فيه فتوضأ آخر من أسفله في كتاب الأشربة : ولو محمد الفرات ورجل يتوضأ أسفل منه فما لم يجد في الماء طعم الخمر أو ريحه أو لونه يجوز الوضوء به وكذا لو استقرت المرئية فيه بأن كانت جيفة إن ظهر أثر النجاسة لا يجوز ، وإلا جاز [ ص: 89 ] سواء أخذت الجيفة الجرية أو نصفها إنما العبرة لظهور الأثر ويوافقه ما في الينابيع قال كسرت خابية خمر في في أبو يوسف أنه لا بأس بالوضوء أسفل منه إذا لم يتغير طعمه فيها أو لونه أو ريحه وقيل ينبغي أن يكون هذا قول ساقية صغيرة فيها كلب ميت سد عرضها فيجري الماء فوقه وتحته خاصة أما عند أبي يوسف أبي حنيفة لا يجوز الوضوء أسفل من الكلب ا هـ . ومحمد
ما في الينابيع لكن المذكور في الفتاوى كفتاوى قاضي خان والتجنيس والولوالجي والخلاصة وفي البدائع وكثير من كتب أئمتنا أن الأثر إنما يعتبر في غير الجيفة أما في الجيفة ، فإنه ينظر إن كان كله أو أكثره يجري عليها لا يجوز الوضوء به ، وإن كان الأقل يجوز الوضوء ، وإن كان النصف فالقياس الجواز والاستحسان أنه لا يجوز ، وهو الأحوط ونظير هذا فالماء طاهر ; لأن الذي يجري على غير العذرة أكثر ، وإن كانت العذرة عند الميزاب ، فإن كان الماء كله أو أكثره أو نصفه يلاقي العذرة فهو نجس ، وإن كان أكثره لا يلاقي العذرة فهو طاهر وكذا أيضا ماء المطر إذا جرى على عذرات واستنقع في موضع كان الجواب كذلك ورجح في فتح القدير أن العبرة لظهور الأثر مطلقا ; لأن الحديث ، وهو قوله { ماء المطر إذا جرى في ميزاب من السطح ، وكان على السطح عذرة } لما حمل على الجاري كان مقتضاه جواز التوضؤ من أسفله ، وإن أخذت الجيفة أكثر الماء ولم يتغير فقولهم إذا أخذت الجيفة أكثر الماء أو نصفه لا يجوز يحتاج إلى مخصص قال ويوافقه ما عن الماء طهور لا ينجسه شيء وقد نقلناه عن الينابيع أبي يوسف
وقال تلميذه العلامة قاسم في رسالته المختار اعتبار ما عن ا هـ . أبي يوسف
لكن لقائل أن يقول الأوجه ما في أكثر الكتب وقد صححه في التجنيس لصاحب الهداية ; لأن العلماء رضي الله عنهم إنما قالوا بأن يجوز الوضوء به إذا لم ير أثرها ; لأن النجاسة لا تستقر مع جريان الماء فلما لم يظهر أثرها علم أن الماء ذهب بعينها ولم تبق عينها موجودة فجاز استعمال الماء أما إذا كانت النجاسة جيفة ، وكان الماء يجري على أكثرها أو نصفها تيقنا بوجود النجاسة فيه ، وقد تقدم أن كل ما تيقنا وجود النجاسة فيه أو غلب على ظننا وجودها فيه لا يجوز استعماله فكان هذا مأخوذا من دلالة الإجماع ; لأن الحديث لما حمل بالإجماع على الماء الذي لم يتغير لأجل أنه عند التغير تيقن بوجود النجاسة كان التغير دليل وجود النجاسة فيما يمكن فيه ذلك أما في الجيفة فقد تيقنا بوجودها فلا يجوز استعمال الماء التي هي فيه أو أكثرها أو نصفها من غير اعتبار التغير ; لأن التغير لما كان علامة على وجود النجاسة لا يلزم من انتفائه انتفاؤه فكان الإجماع مخصصا للحديث [ ص: 90 ] وما قلناه مأخوذ من دلالة الإجماع هذا ما ظهر للعبد الضعيف لكن ينبغي أن تعلم أن هذا أعني قولهم إذا أخذت الجيفة أقله يجوز الوضوء إذا لم يظهر أثر النجاسة ، وأن قولهم إذا أخذت الجيفة الأكثر أو النصف لا يجوز يعنون ، وإن لم يظهر أثر النجاسة الماء الجاري إذا وقعت فيه نجاسة
وأما التوضؤ في عين والماء يخرج منها ، فإن كان في موضع خروجه جاز وإن كان في غيره فكذلك إن كان قدره أربعا في أربع فأقل وإن كان خمسا في خمس اختلف فيه واختار السعدي جوازه والخلاف مبني على أنه هل يخرج الماء المستعمل قبل تكرر الاستعمال إذا كان بهذه المساحة أو لا وهذه مبنية على نجاسة الماء المستعمل كذا في فتح القدير وقد [ ص: 91 ] قدمنا أن الفتوى على الجواز مطلقا ، وكذا صرح في الفتاوى الصغرى وألحقوا بها بالجاري حتى لو أدخلت القصعة النجسة واليد النجسة فيه لا تتنجس وهل يشترط ومع ذلك تدارك اغتراف الناس منه فيه خلاف ذكره في المنية ، وفي المجتبى الأصح أنه إن كان يدخل الماء من الأنبوب والغرف متدارك فهو من كالجاري وتفسير الغرف أن لا يسكن وجه الماء فيما بين الغرفتين قال في فتح القدير : ثم لا بد من كون جريانه لمدد له كما في العين والنهر ، وهو المختار ا هـ . حوض الحمام إذا كان الماء ينزل من أعلاه
وفي السراج الوهاج ولا يشترط في الماء الجاري المدد وهو الصحيح ا هـ
وفي التجنيس والمعراج وغيرهما كان جائزا ; لأن هذا ماء جار ا هـ فهذا يشهد لما في السراج وذكر الماء الجاري إذا سد من فوق فتوضأ إنسان بما يجري في النهر وقد بقي جري الماء السراج الهندي عن الإمام الزاهد أن من في حال جريانه فاجتمع ذلك الماء في مكان آخر أيضا ففعل رجل ثالث كذلك جاز وضوء الكل ; لأن كل واحد منهم إنما توضأ بالماء حال جريانه والماء الجاري لا يحتمل النجاسة ما لم يتغير . حفر نهرا من حوض صغير وأجرى الماء في النهر وتوضأ بذلك الماء في حال جريانه فاجتمع ذلك الماء في مكان واستقر فيه فحفر رجل آخر نهرا من ذلك المكان وأجرى الماء فيه وتوضأ به
وعن ما يدل على جواز وضوء الثاني والثالث ، فإنه قال في حفرتين يخرج الماء من أحدهما ويدخل في الأخرى فتوضأ فيما بينهما جاز والحفيرة التي يدخل فيها الماء تفسد وإذا كان معه كميزاب واسع ومعه إداوة من ماء يحتاج إليه ، وهو على طمع من وجود الماء ولكن لا يتيقن ذلك ماذا يصنع حكى عن الحسن بن زياد الشيخ الزاهد أبي الحسن الرستغفني أنه كان يقول يأمر أحد رفقائه أن يصب الماء في طرف من الميزاب ، وهو يتوضأ فيه وعند الطرف الآخر من الميزاب إناء يجتمع فيه الماء فالمجتمع طاهر وطهور لأن استعماله حصل في حال جريانه والماء الجاري لا يصير مستعملا باستعماله ومن المشايخ من أنكر هذا القول وقال في الماء الجاري إنما يصير مستعملا إذا كان له مدد كالعين والنهر أما إذا لم يكن له مدد يصير مستعملا والصحيح القول بدليل مسألة واقعات الناطفي أن ، فإنه يجوز ، فإن هناك لم يبق للماء مدد ومع هذا يجوز التوضؤ به ا هـ . ما ذكره النهر إذا سد من فوق فتوضأ إنسان بما جرى السراج الهندي .
واعلم أنه قد تقدم عن فتح القدير أن قولهم ما اجتمع في الحفيرة الثانية فاسد ، وكذا كثير من أشباه ذلك إنما هو بناء على نجاسة الماء المستعمل فأما على المختار من طهارته فلا فلتحفظ ليفرع عليها ولا يفتى بمثل هذه الفروع .
[ ص: 89 ]