( باب الشهيد ) إنما بوب له مع أن عند المقتول ميت بأجله أهل السنة لاختصاصه بالفضيلة فكان إفراده كإفراد جبريل مع الملائكة ، وهو فعيل بمعنى مفعول ; لأن الملائكة يشهدون موته إكراما له فكان مشهودا أو ; لأنه مشهود له بالجنة أو بمعنى فاعل ; لأنه حي عند الله حاضر ( قوله ) بيان لشرائطه ، قيد بكونه مقتولا ; لأنه لو هو من قتله أهل الحرب أو البغي أو قطاع الطريق أو وجد في المعركة وبه أثر أو قتله مسلم ظلما ، ولم يجب بقتله دية أي في حكم الدنيا وإلا فقد { مات حتف أنفه أو تردى من موضع أو احترق بالنار أو مات تحت هدم أو غرق لا يكون شهيدا } فينالون ثواب الشهداء كذا في البدائع ، وفي التجنيس شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم للغريق وللحريق والمبطون والغريب بأنهم شهداء ; لأنه ما صار مقتولا بفعل مضاف إلى العدو ولكنه شهيد فيما ينال من الثواب في الآخرة ; لأنه قصد العدو لا نفسه ا هـ . رجل قصد العدو ليضربه فأخطأ فأصاب نفسه فمات يغسل
وأطلق في قتله فشمل القتل مباشرة أو تسببا ; لأن موته مضاف إليهم حتى لو أوطئوا دابتهم مسلما أو نفروا دابة مسلم فرمته أو رموه من السور أو ألقوا عليه حائطا أو رموا بنار فأحرقوا سفنهم أو ما أشبه ذلك من الأسباب كان شهيدا ، ولو خلافا انفلتت دابة مشرك ليس عليها أحد فوطئت مسلما أو رمى مسلم إلى الكفار فأصاب مسلما أو نفرت دابة مسلم من سواد الكفار أو نفر المسلمون منهم فألجئوهم إلى خندق أو نار أو نحوه أو جعلوا حولهم الشوك فمشى عليها مسلم فمات بذلك لم يكن شهيدا ; لأن فعله يقطع النسبة إليهم ، وكذا فعل الدابة دون حامل ، وإنما لم يكن جعل الشوك حولهم تسبيبا ; لأن ما قصد به القتل فهو تسبيب ، وما لا فلا ، وهم إنما قصدوا به الدفع لا القتل ، وأراد بمن المسلم فإن الكافر ليس بشهيد وأراد بالأثر هنا ما يكون علامة على القتل كالجرح وسيلان الدم من عينيه أو أذنه لا ماء يسيل من أنفه أو ذكره أو دبره ، فإن كان يسيل من فيه ، فإن ارتقى من الجوف وكان صافيا كان علامة على القتل ، وإن نزل من الرأس أو كان جامدا فلا ، وفي البدائع إن أثر الضرب والخنق كأثر الجرح وقيدنا بكونه في المعركة ، وهي موضع الحرب ; لأنه لو لأبي يوسف ; لأنه ليس قتيل العدو ; ولهذا تجب فيه القسامة والدية بخلاف ما إذا كان بعد لقائهم فإنه قتيلهم ظاهرا كذا في البدائع ، وإنما لم يكتف بقوله أو قتله مسلم ظلما عن ذكر أهل البغي وقطاع الطريق مع كونهم مسلمين قتلوا ظلما ; لأن وجد في عسكر المسلمين قتيل قبل لقاء العدو فليس بشهيد لا يشترط أن يكون قتله بحديدة بل بكل آلة سلاحا كان أو غيره مباشرة أو تسبيبا كقتيل أهل الحرب قال في معراج الدراية ; لأنه لما كان القتال مع أهل البغي وقطاع الطريق مأمورا به ألحق بقتال أهل الحرب فعمت الآلة كما عمت هناك ا هـ . قتيل أهل البغي وقطاع الطريق
. بخلاف قتل غيرهم فإنه يشترط أن يكون بحديدة كما سنذكره وقيد بقوله ظلما ; لأن وقيد بقوله ، ولم يجب بقتله دية ; لأن من قتله مسلم حقا كالمقتول بحد أو قصاص أو عدا على قوم فقتلوه فليس بشهيد وكذا لو مات في حد أو تعزير أو غيره لوجوب الدية بقتله وكذا لو وجد مذبوحا ، ولم يعلم قاتله كما سيأتي ، من قتله مسلم ظلما خطأ أو عمدا بالمثقل أو غيره فليس بشهيد
وكذا لو وجد في محلة [ ص: 212 ] مقتول ، ولم يعلم قاتله فإنه لا يدرى أقتل ظالما أو مظلوما عمدا أو خطأ ، وفي المجتبى وإذا قال التقت سريتان من المسلمين وكل واحدة ترى أنهم مشركون فأجلوا عن قتلى من الفريقين لا دية على أحد ، ولا كفارة ; لأنهم دافعون عن أنفسهم ، ولم يذكر حكم الغسل ويجب أن يغسلوا ; لأن قاتلهم لم يظلمهم ا هـ . محمد
واحترز بقوله بقتله أي بسببه عما إذا وجبت الدية بالصلح أو بقتل الأب ابنه أو شخصا آخر ووارثه ابنه فإن المقتول شهيد ; لأن نفس القتل لم يوجب الدية بل يوجب القصاص ، وإنما سقط للصلح أو للشبهة ، وإنما كان المال عوضا مانعا ، ولم يكن وجوب القصاص عوضا مانعا ; لأن القصاص للميت من وجه وللوارث من وجه آخر ، وهي تشفي الصدور وللمصلحة العامة وهو ما في شرعيته من حياة الأنفس فلم يكن عوضا مطلقا فلا تبطل الشهادة بالشك كذا في شرح المجمع للمصنف وذكر في المجتبى والبدائع أن الشرائط ست العقل والبلوغ والقتل ظلما وأنه لا يجب به عوض مالي والطهارة عن الجنابة وعدم الارتثاث ا هـ .
وإنما لم يذكر المصنف بقيتها لما سيصرح به من مفهوماتها لكن بقي من أهل الذمة من غير أن يكون القاتل واحدا من الثلاثة في الكتاب فإن المقتول شهيد كما صرح به في المحيط وعطفه على الثلاثة وجعله سببا رابعا ، ولا يمكن دخوله تحت قوله أو قتله مسلم ظلما ; لأن المدافع المذكور شهيد بأي آلة قتل بحديدة أو حجر أو خشب كما صرح به في المحيط قتل مدافعا عن نفسه أو عن ماله أو عن إلا إذا قتل بحديدة كما قدمناه ، ومن هنا يظهر أن عبارة المجمع هنا لم تكن محررة فإنه لم يفصل في مقتول المسلم ظلما بل أدخل الباغي وقاطع الطريق تحت المسلم وجعل حكم مقتولهم واحدا ، وليس بصحيح ، وإن أراد بالمسلم ما عداهما فليس في عبارته استيفاء للشهيد ويرد على الكل ما قتله ذمي ظلما فإنه في حكم المسلم هنا كما صرح به ، ومقتول المسلم ظلما لا يكون شهيدا ابن الملك في شرح المجمع قال : والمكابرون في المصر ليلا بمنزلة قطاع الطريق ا هـ . والبغي في عبارة المختصر مجرور وقطاع الطريق مرفوع .
[ ص: 211 ]