[ ص: 496 ] كتاب الجهاد الدعوة قبل القتال قلت  لعبد الرحمن بن القاسم    : هل كان  مالك  يأمر بالدعوة قبل القتال  ؟ 
قال : نعم كان يقول لا أرى أن يقاتل المشركون حتى يدعوا ، قلت : ولا يبيتون حتى يدعوا ؟ 
قال : نعم ، قلت : وسواء إن غزوناهم نحن أو أقبلوا هم إلينا غزاة فدخلوا بلادنا ، لا نقاتلهم نحن في قول  مالك  حتى ندعوهم ؟ 
قال : قد أخبرتك بقول  مالك  ولم أسأله عن هذا وهذا كله سواء عندي . قلت : وكيف الدعوة في قول  مالك  ؟ 
قال : لم أسمع من  مالك  فيها شيئا ، ولكن ندعوهم إلى الله ورسوله فيسلموا أو يعطوا الجزية ، وذكر عن  مالك  أيضا أما من قارب الدواب فالدعوة مطروحة عنهم لعلمهم بما يدعون إليه وما هم عليه من البغض والعداوة للدين وأهله من طول معارضتهم للجيوش ومحاربتهم لهم ، فلتطلب غرتهم ولا يحدث لهم الدعوة إلا تحذيرا وأخذ العدة لمحاربة المسلمين ومنعا لما رجاه المسلمون من الظهور عليهم ، وأما من بعد وخيف أن لا تكون ناحيته ناحية من أعلمتك ، فإن الدعوة أقطع للشك وأبر للجهاد يبلغ ذلك بك ، وبه ما بلغ وبها تنال علم ما هم عليه من الإجابة لك . 
 ابن وهب    : ولعله أن لا يكون عالما وإن ظننت أنه عالم ،  الليث بن سعد   وابن لهيعة  وعميرة بن أبي ناجية  ويحيى بن أيوب  عن  يحيى بن سعيد  أنه قال : لا بأس بابتغاء عورة العدو بالليل والنهار ، لأن دعوة الإسلام قد بلغتهم ، وقد كان رسول الله بعث إلى خيبر  فقتلوا أميرهم ابن أبي الحقيق  غيلة ، وإلى صاحب بني لحيان  من قتله غيلة ، وبعث نفرا فقتلوا آخرين إلى جانب المدينة  من اليهود منهم ابن الأشرف    . 
قال يحيى بن سعيد    : وكان  عمر بن عبد العزيز  يأمر أمراء جيوشه أن لا ينزلوا بأحد من العدو إلا دعوهم ، قال ابن يحيى    : ولعمري إنه لحقيق على المسلمين أن لا ينزلوا بأحد من العدو  [ ص: 497 ] في الحصون ممن يطمعون به ويرجون أن يستجيب لهم إلا دعوه ، فأما من إن جلست بأرضك أتوك وإن سرت إليهم قاتلوك ، فإن هؤلاء لا يدعون ولا يدعى مثلهم ولو طمع بهم لكان ينبغي للناس أن يدعوهم . 
قال : وأخبرني القاسم بن عبد الله  عن حسين بن عبد الله  عن أبيه عن جده  علي بن أبي طالب  ، أنه لم يكن يقاتل أحدا من العدو حتى يدعوهم ثلاث مرات . قلت لابن القاسم    : وكان يفرق بين الروم في قتالهم وبين القبط ؟ 
قال : نعم ، قال : ولا يقاتلوا حتى يدعوا ، وقال أيضا : لا يبيتوا حتى يدعوا . 
قلت : أكان  مالك  يرى أن يدعوا قبل أن يقاتلوا ولا يرى أن الدعوة قد بلغتهم ؟ 
قال : نعم . 
قال ابن القاسم    : وقال  مالك  في قتال السلابة تدعوه إلى أن يتقي الله ويدع ذلك ، فإن أبى فقاتله وإن عاجلك عن أن تدعوه فقاتله ، قال : وكذلك أهل الحرب إن عاجلوك عن أن تدعوهم فقاتلهم ، قال ابن القاسم    : وإن طلبت السلابة الطعام أو الثوب أو الأمر الخفيف فأرى أن يعطوا ولا يقاتلوا ، كذلك سمعته من  مالك    . 
قال ابن القاسم    : وسأل  مالكا  رجل من المغرب فقال : يا  أبا عبد الله  إنا نكون في حصوننا فيأتينا قوم يكابرونا يريدون أنفسنا وأموالنا وحريمنا ، أو قال : أموالنا وأهلينا ؟ 
قال : ناشدوهم الله في ذلك فإن أبوا وإلا فالسيف . 
قال : وسئل  مالك  عن قوم أتوا إلى قوم في ديارهم فأرادوا قتالهم وأخذ أموالهم ؟ 
قال : قال  مالك    : ناشدوهم الله فإن أبوا فالسيف .  ابن وهب  عن  عقبة بن نافع  عن  ربيعة بن أبي عبد الرحمن  أنه قال : إن كان عدوا لم تبلغه الدعوة ولا أمر النبوة ، فإنهم يدعون ويعرض عليهم الإسلام والحق ، وتسير إليهم الأمثال وتضرب لهم العبر ويتلى عليهم القرآن ، حتى إذا بلغ العذر في دعائهم وأبو طلبت غرتهم والتمست غفلتهم ، وكان الدعاء ممن أعذر في ذلك إليهم بعد الأعذار تحذيرا لهم .  مالك  عن حميد الطويل  عن  أنس بن مالك  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرج إلى خيبر  أتاها ليلا ، وكان إذا جاء قوما ليلا لم يغر حتى يصبح ، فلما أصبح خرجت عليه يهود خيبر  بمساحيهم ومكاتلهم فلما رأوا قالوا : محمد والله محمد والخميس ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { الله أكبر الله أكبر خربت خيبر  إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين   } . 
 ابن وهب  عن خالد بن حميد المهري  ، أن إسحاق بن أبي سليمان الأنصاري  حدثهم ، أنه سأل ربيعة بن أبي عبد الرحمن  عن رجل عرض له لص ليغصبه ماله ، فرماه فنزع عينه هل عليه دية  ؟ 
قال : لا ولا نفسه ، قلت  لربيعة    : عمن تذكر هذا ؟ فقال : كان  سعد بن أبي وقاص   وعبد الرحمن بن عوف  يخبران عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : { من قتل دون ماله فأفضل شهيد قتل في الإسلام بعد أن يتعوذ بالله وبالإسلام ثلاث مرات فإن قتل اللص فشر قتيل قتل في الإسلام   } . 
وقال إسحاق    : وكان مسلم بن أبي مريم  يرى هذا ،  ابن وهب  ، عن عمر بن محمد بن زيد  عن عاصم بن عبيد الله  عن  سعيد بن زيد   [ ص: 498 ] عن عمرو بن نفيل  ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من قاتل دون ماله حتى يقتل فهو شهيد   } .  ابن وهب  عن  جرير بن حازم  عن يحيى بن عتيق  قال : قلت للحسن    : يا أبا سعيد  إنا نخرج تجارا فيعرض لنا قوم يقطعون علينا السبيل من أهل الإسلام ؟ قال : أيها الرجل قاتل عن نفسك وعن مالك .  ابن وهب    . 
قال أشهل بن حاتم  عن  عبد الله بن عون  عن  محمد بن سيرين  ، أنه قال : ما علمت أن أحدا من الناس ترك قتال من يريد نفسه وماله آثما ، وكانوا يكرهون قتال الأمراء .  ابن وهب  ، عن  جرير بن حازم  عن  أيوب السختياني  عن  محمد بن سيرين  أنه قال : ما علمت أحدا ترك قتال الحرورية واللصوص تحرجا إلا أن يجبن الرجل فكذلك المسكين لا يلام .  ابن وهب  ، عن محمد بن عمرو  عن  ابن جريج  دم عن  عمرو بن شعيب  قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : { من حمل علينا السلاح فليس منا ولا راصدا بالطريق   } .  ابن وهب  ، عن  مالك   وعبد الله بن عمر   ويونس   وأسامة بن زيد  وغيرهم ، أن  نافعا  أخبرهم عن  عبد الله بن عمر  ، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : { من حمل علينا السلاح فليس منا   } ، هذه الآثار كلها  لابن وهب    . 
				
						
						
