الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
الكلام فيه على وجوه: الأول: وجه المناسبة بين البابين ظاهر لأن المذكور في الباب الأول كفران العشير وهو أيضا من جملة المعاصي. الثاني: يجوز في باب التنوين والإضافة إلى الجملة التي بعده لأن قوله " المعاصي " مبتدأ، وقوله " من أمر الجاهلية " خبره، وعلى كل تقدير تقديره هذا باب في بيان أن nindex.php?page=treesubj&link=30576المعاصي من أمور الجاهلية. الثالث: وجه الترجمة هو الرد على الرافضة والإباضية وبعض الخوارج في قولهم: إن nindex.php?page=treesubj&link=30438_30443المذنبين من المؤمنين مخلدون في النار بذنوبهم، وقد نطق القرآن بتكذيبهم في مواضع منها قوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية. الرابع: قوله " المعاصي " جمع معصية وهي مصدر ميمي، وفي (الصحاح): وقد عصاه بالفتح يعصيه عصيا ومعصية، وفي الشرع هو مخالفة الشارع بترك واجب أو فعل محرم، وهو أعم من الكبائر والصغائر، والجاهلية زمان الفترة قبل الإسلام; سميت بذلك لكثرة جهالاتهم; قوله " ولا يكفر " بضم الياء وتشديد الفاء المفتوحة أي لا ينسب إلى الكفر، وفي رواية أبي الوقت بفتح الياء وسكون القاف; قوله " بارتكابها " أي بارتكاب المعاصي، وأراد بالارتكاب الاكتساب [ ص: 204 ] والإتيان بها عنده، واستدل على ذلك بما في حديث nindex.php?page=showalam&ids=12002أبي ذر من قوله عليه السلام nindex.php?page=hadith&LINKID=650029 "إنك امرؤ فيك جاهلية "، وبقوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به الآية، أما وجه الاستدلال بما في الحديث فهو أنه قال له فيك جاهلية يعني أنك في تعيير أمه على خلق من أخلاق الجاهلية ولست جاهلا محضا، وكان أبو ذر قد عير الرجل بأمه على ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، وهو نوع من المعصية ولو كان مرتكب المعصية يكفر لبين النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=1584لأبي ذر ولم يكتف بقوله في الإنكار عليه " nindex.php?page=hadith&LINKID=650029إنك امرؤ فيك جاهلية "، وأما الاستدلال بالآية فظاهر صريح، وهذا هو مذهب أهل السنة والجماعة.
وأما عند الخوارج فالكبيرة موجبة للكفر، وعند المعتزلة موجبة للمنزلة بين المنزلتين صاحبها لا مؤمن ولا كافر، وقال الكرماني: فإن قلت: المفهوم من الآية أن مرتكب الشرك لا يغفر له لا أنه يكفر، والترجمة إنما هي في الكفر لا في الغفر. قلت: الكفر وعدم الغفر عندنا متلازمان نعم عند المعتزلة nindex.php?page=treesubj&link=30443_28652صاحب الكبيرة الذي لم يتب منها غير مغفور له بل يخلد في النار، ففي الكلام لف ونشر، ومذهب أهل الحق على أن من مات موحدا لا يخلد في النار وإن ارتكب من الكبائر غير الشرك ما ارتكب، وقد جاءت به الأحاديث الصحيحة منها قوله عليه السلام ( nindex.php?page=hadith&LINKID=651161وإن زنى وإن سرق )، والمراد بهذه الآية من مات على الذنوب من غير توبة، ولو كان المراد nindex.php?page=treesubj&link=19721من تاب قبل الموت لم يكن للتفرقة بين الشرك وغيره معنى إذ التائب من الشرك قبل الموت مغفور له ويقال: المراد بالشرك في هذه الآية الكفر; لأن من جحد نبوة محمد صلى الله عليه وسلم مثلا كان كافرا ولو لم يجعل مع الله إلها آخر، والمغفرة منتفية عنه بلا خلاف، وقد يرد الشرك ويراد به ما هو أخص من الكفر كما في قوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=1لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين
قوله " إلا بالشرك " أي إلا بارتكاب الشرك حتى يصح الاستثناء من الارتكاب، وقال النووي: قال: بارتكابها احترازا من اعتقادها لأنه لو اعتقد حل بعض المحرمات المعلومة من الدين ضرورة كالخمر كفر بلا خلاف.