الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
104 46 - حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16475عبد الله بن يوسف قال : حدثني nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث قال : حدثني سعيد ، عن أبي شريح nindex.php?page=hadith&LINKID=650101أنه قال لعمرو بن سعيد ، وهو يبعث البعوث إلى مكة : ائذن لي أيها الأمير أحدثك قولا قام به النبي [ ص: 139 ] - صلى الله عليه وسلم - الغد من يوم الفتح ، سمعته أذناي ، ووعاه قلبي ، وأبصرته عيناي حين تكلم به ; حمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : nindex.php?page=treesubj&link=32096_30901_25505_25012_33016_25508_33017_33148_25507إن مكة حرمها الله ، ولم يحرمها الناس ، فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ، ولا يعضد بها شجرة ، فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها فقولوا : nindex.php?page=treesubj&link=31069إن الله قد أذن لرسوله ، ولم يأذن لكم ، وإنما أذن لي فيها ساعة من نهار ، ثم عادت حرمتها اليوم كحرمتها بالأمس ، nindex.php?page=treesubj&link=32096وليبلغ الشاهد الغائب ، فقيل لأبي شريح : ما قال عمرو ؟ قال : أنا أعلم منك يا أبا شريح ، إن مكة لا تعيذ عاصيا ، ولا فارا بدم ، ولا فارا بخربة .
مطابقة الحديث للترجمة في قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=650101وليبلغ الشاهد الغائب " .
بيان رجاله : وهم أربعة :
الأول : nindex.php?page=showalam&ids=16475عبد الله بن يوسف التنيسي .
الثاني : الليث بن سعد المصري .
الثالث : nindex.php?page=showalam&ids=15985سعيد بن أبي سعيد المقبري ، وقد تقدم ذكرهم .
الرابع : أبو شريح بضم الشين المعجمة وفتح الراء وبالحاء المهملة الخزاعي الكعبي ، قيل : اسمه خويلد ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13332أبو عمر : قيل : اسمه عمرو بن خالد ، وقيل : كعب بن عمرو ، قال : والأصح عند أهل الحديث أن اسمه خويلد بن عمرو بن صخر بن عبد العزى بن معاوية بن المحترش بن عمرو بن مازن بن عدي بن عمرو بن ربيعة الخزاعي العدوي الكعبي ، أسلم قبل فتح مكة ، وكان يحمل حينئذ أحد ألوية بني كعب بن خزاعة ، روي له عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عشرون حديثا ، اتفقا على حديثين ، وانفرد nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري بحديث وهو " nindex.php?page=hadith&LINKID=688384والله لا يؤمن - ثلاثا - من لا يأمن جاره بوائقه " والمتفق عليه " nindex.php?page=hadith&LINKID=676410من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره " الحديث ، وهذا الحديث . قال nindex.php?page=showalam&ids=15472الواقدي : وكان أبو شريح من عقلاء أهل المدينة ، توفي سنة ثمان وستين ، روى له الجماعة ، وفي الصحابة من يشترك معه في كنيته اثنان أبو شريح هانئ بن يزيد الحارثي ، وأبو شريح راوي حديث " nindex.php?page=hadith&LINKID=687313أعتى الناس على الله تعالى " الحديث ، قالوا : هو الخزاعي ، وقالوا : غيره ، وفي الرواية أيضا أبو شريح الغفاري ، أخرج له nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه .
بيان لطائف إسناده : منها : أن فيه التحديث بصيغة الجمع وصيغة الإفراد والعنعنة ، ومنها : أن رواته ما بين مصري ومدني ، ومنها : أنه من الرباعيات .
بيان تعدد موضعه ومن أخرجه غيره : أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في الحج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث ، وفي المغازي ، عن سعيد بن شرحبيل ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم في الحج ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة به . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي فيه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة به ، وقال : حسن صحيح ، وفي الديات ، عن nindex.php?page=showalam&ids=15573ابن بشار ، عن يحيى بن سعيد ، عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب ، عن سعيد في معناه . وأخرجه nindex.php?page=showalam&ids=15397النسائي في الحج وفي العلم ، عن nindex.php?page=showalam&ids=16818قتيبة به .
بيان اللغات : قوله : " البعوث " بضم الباء الموحدة جمع البعث بمعنى المبعوث ، وهو الجند الذي يبعث إلى موضع ، ومعنى يبعث البعوث أي يرسل الجيوش ، والبعث الإرسال ، وفي العباب بعثه أي أرسله ، وقولهم : كنت في بعث فلان أي في جيشه الذي بعث معه ، والبعوث الجيوش ، ومصدر بعثه بعث وبعث بالتحريك أيضا ، والبعثة المرة الواحدة ، قوله : " إيذن " أمر من أذن يأذن ، وأصله ائذن ، قلبت الهمزة الثانية ياء لسكونها وانكسار ما قبلها ، قوله : " لامرئ " قد مر أن هذا اللفظ من النوادر ، حيث كانت عينه دائما تابعة للامه في الحركة ، قوله : " أن يسفك " بكسر الفاء على المشهور ، وحكي ضمها ، ومعنى السفك إراقة الدم ، وفي العباب : سفكت الدم أسفكه وأسفكه سفكا أي هرقته ، وقرأ ابن قطيب وابن أبي عبلة وطلحة بن مصرف nindex.php?page=showalam&ids=16108وشعيب بن أبي حمزة " ويسفك الدماء " بضم الفاء ، وكذلك الدمع ، وقال المهدوي : لا يستعمل السفك إلا في صب الدم ، وقد يستعمل في نشر الكلام إذا نشره ، قوله : " ولا يعضد " من العضد بالعين المهملة والضاد المعجمة ، وهو القطع ، يقال : عضد الشجرة بالفتح في الماضي يعضد بالكسر في المضارع إذا قطعها بالمعضد ، وهو سيف يمتهن في الشجر ، فهو معضود ، والمعنى لا يعضد أغصانها ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : يقال : عضد واستعضد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=16935الطبري : معنى لا يعضد لا يفسد ولا يقطع ، وأصله من عضد الرجل إذا أصاب عضده ، لكنه يقال منه : عضده يعضده [ ص: 140 ] بالضم في المضارع ، وكذلك يقال إذا أعانه بخلاف العضد بمعنى القطع ، وفي العباب : عضدته أعضده بالضم أي أعنته ، وكذلك إذا أصبت عضده ، وعضدت الشجرة أعضدها بالكسر أي قطعتها ، والمعضد بكسر الميم ما يعضد به الشجرة ، والشجر ما له ساق ، قوله : " ترخص " من باب تفعل من الرخصة ، وهو حكم ثبت لعذر مع قيام المحرم ، قوله : " لا تعيذ " بضم التاء المثناة من فوق من الإعاذة بالذال المعجمة ، أي لا تعصم العاصي من إقامة الحد عليه ، قوله : " ولا فارا " أي ملتجئا إلى الحرم بسبب خوفه من إقامة الحد عليه ، وهو بالفاء والراء المشددة ، ومعناه في الأصل الهارب ، قوله : " بخربة " بفتح الخاء المعجمة وسكون الراء بعدها باء موحدة ، وهي السرقة ، كذا ثبت تفسيرها في رواية nindex.php?page=showalam&ids=15229المستملي ، أعني في روايته : " ولا فارا بخربة " يعني السرقة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : الخربة بالضم الفساد ، وبالفتح السرقة ، وقال القاضي : وقد رواه جميع رواة nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري غير nindex.php?page=showalam&ids=13722الأصيلي " بخربة " بالخاء المعجمة المفتوحة ، وهو الذي جاء في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=13722الأصيلي بخربة بضم الخاء ، وقيل : بضم الخاء العورة ، وبالفتح يصح على أن المراد الفعلة الواحدة ، وقال الخليل : الخربة بالضم الفساد في الدين مأخوذ من الخارب ، وهو اللص ، ولا يكاد يستعمل إلا في سارق الإبل ، وقال غيره : الخربة بالفتح السرقة والعيب ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : الخربة هنا السرقة ، والخرابة سرقة الإبل خاصة كما قال الخليل وأنشد :
والخارب اللص يحب الخاربا
وقال غيره : وأما الحرابة بالحاء المهملة فيقال في كل شيء يقال في الأول : خرب فلان بالمعجمة وفتح الراء إبل فلان ، يخرب خرابة ، مثل كتب يكتب كتابة ، وروي في بعض النسخ " بجزية " بكسر الجيم وسكون الزاي وفتح الياء آخر الحروف ، وفي العباب : الخربة يعني بالفتح السرقة والعيب والبلية ، والخربة أيضا أعني بالفتح الغربال ، والخربة بالضم ثقب الورك وكل ثقب مستدير ، والخرابة بالضم حبل من ليف أو نحوه ، وخرابة الإبرة خرقها ، وخرابة الورك ثقبه ، وقد تشدد راؤها ، والخارب اللص ، قال nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي : هو سارق البعران خاصة ، والجمع الخراب بضم الخاء وتشديد الراء ، قال : والحربة بضم الحاء المهملة الغرارة السوداء ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15124الليث : الوعاء ، والحربة بفتحتين الطلعة إذا كانت بقشرها .
بيان الإعراب : قوله : " وهو يبعث البعوث “ جملة اسمية وقعت حالا ، قوله : " ايذن لي " مقول القول ، قوله : " أيها الأمير " أصله يا أيها الأمير ، حذف منه حرف النداء ، قوله : " أحدثك " جملة من الفعل والفاعل والمفعول ، و" قولا " منصوب ; لأنه مفعول ثان ، قوله : " قام به " أي النبي عليه الصلاة والسلام جملة من الفعل والمفعول ، أعني قوله “ به " والفاعل أعني قوله " النبي " وهي في محل النصب ; لأنها صفة لقوله " قولا " ، قوله : " الغد " بالنصب على الظرفية ، وهو اليوم الثاني من فتح يوم مكة ، قوله : " سمعته " جملة من الفعل والمفعول ، وهو الضمير الذي يرجع إلى القول ، وقوله : " أذناي " فاعله ، وأصله أذنان لي ، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت نون التثنية ، فإن قلت : ما موقع هذه الجملة من الإعراب ؟ قلت : النصب ; لأنها صفة أخرى للقول ، قوله : " ووعاه قلبي " عطف على سمعته أذناي من الوعي ، وهو الحفظ ، قوله : " وأبصرته عيناي " أيضا عطف على ما قبله ، وأصله عينان لي ، فلما أضيف إلى ياء المتكلم سقطت نون التثنية . واعلم أن كل ما في الإنسان اثنان من الأعضاء نحو الأذن والعين فهو مؤنث ، بخلاف الأنف ونحوه ، قوله : " حين " نصب على الظرف لقام وسمعت ، ووعاه وأبصرت ، قوله : " حمد الله " جملة وقعت بيانا لقوله " تكلم " ، قوله : " وأثنى عليه " عطف على حمد من قبيل عطف العام على الخاص ، قوله : " حرمها الله " جملة وقعت في محل الرفع ; لأنها خبر إن ، قوله : " ولم يحرمها الناس " عطف على خبر إن ، قوله : " فلا يحل " الفاء فيه جواب شرط محذوف ، تقديره : إذا كان كذلك فلا يحل ، قوله : " يؤمن بالله " جملة في محل الجر ; لأنها صفة لامرئ ، قوله : " أن يسفك " فاعل لا يحل ، و" أن " مصدرية ، تقديره : فلا يحل سفك دم ، قوله : " بها " أي بمكة ، والباء بمعنى في أي فيها ، كما هي رواية nindex.php?page=showalam&ids=15229المستملي ، قوله : " دما " مفعول ليسفك ، قوله : " ولا يعضد " بالنصب أيضا ; لأنه عطف على يسفك ، والتقدير : وأن لا يعضد ، فإن قلت : فعلى هذا يكون المعنى لا يحل أن لا يعضد . قلت : " لا " زيدت لتأكيد معنى النفي ، فمعناه لا يحل أن يعضد ، قوله : " بها " أي فيها ، وهكذا في بعض النسخ ، و" شجرة " بالنصب مفعول يعضد ، وذكر بعض شراح المشارق للصغاني أن قوله " لا يعضد " بالرفع ابتداء كلام ، وفاعله ضمير فيه يرجع إلى امرئ ، وعطفه على لا يحل بأن يكون تقديره : إن مكة حرمها الله لا يعضد بها امرؤ شجرة - جائز . قلت : هذا توجيه حسن إن ساعدته الرواية ، قوله : " فإن أحد " إن [ ص: 141 ] للشرط ، وأحد مرفوع بفعل محذوف ، تقديره : فإن ترخص أحد ، ويفسره قوله “ ترخص " وإنما حذف لئلا يجتمع المفسر والمفسر ، وذلك كما في قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=6وإن أحد من المشركين استجارك تقديره : وإن استجارك أحد من المشركين ، قوله : " لقتال رسول الله عليه الصلاة والسلام " اللام فيه للتعليل ، قوله : " فقولوا " جواب الشرط فلذلك دخلت فيه الفاء ، قوله : " قد أذن " خبر إن ، وقوله : " ولم يأذن لكم " عطف عليه ، قوله : " وإنما أذن لي " روي بصيغة المجهول والمعلوم ، قوله : " ساعة " نصب على الظرف ، قوله : " حرمتها " بالرفع فاعل عادت ، قوله : " اليوم " نصب على الظرف ، قوله : " وليبلغ " يجوز بكسر اللام وتسكينها ، و" الشاهد " بالرفع فاعله ، و" الغائب " بالنصب مفعوله ، قوله : " يا با شريح " أصله يا أبا شريح ، حذفت الهمزة للتخفيف ، قوله : " لا تعيذ " جملة في محل الرفع على أنه خبر مبتدأ محذوف ، أي مكة لا تعيذ ، قوله : " عاصيا " مفعول لا تعيذ ، ويروى بالياء آخر الحروف أي الحرم لا يعيذ عاصيا ، قوله : " ولا فارا بدم " عطف على عاصيا ، والباء في بدم للمصاحبة أي مصاحبا بدم وملتبسا به ، قوله : " ولا فارا بخربة " عطف على ما قبله ، والباء فيه للسببية .
بيان المعاني : قوله : " لعمرو بن سعيد " بفتح العين ، وهو عمرو بن سعيد بن العاص بن أمية القرشي الأموي ، يعرف بالأشدق ، ليست له صحبة ، ولا كان من التابعين بإحسان ، ووالده مختلف في صحبته ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12570ابن الأثير : يكنى أبا أمية ، وكان أمير المدينة ، وغزا nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير رضي الله عنهما ، ثم قتله nindex.php?page=showalam&ids=16491عبد الملك بن مروان بعد أن آمنه ، ويقال : إنه الذي رأى النبي - صلى الله تعالى عليه وسلم - ، وروى عن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر وعثمان ، روى عنه بنوه وأمية وسعيد . قلت : كان قتله سنة سبعين من الهجرة ، قوله : " وهو يبعث البعوث إلى مكة " يعني كان عمرو بن سعيد يبعث الجند إلى مكة لقتال nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، وذلك أنه لما توفي معاوية توجه يزيد إلى nindex.php?page=showalam&ids=16414عبد الله بن الزبير يستدعي منه بيعته ، فخرج إلى مكة ممتنعا من بيعته ، فغضب يزيد ، وأرسل إلى مكة يأمر واليها يحيى بن حكيم بأخذ بيعة عبد الله ، فبايعه ، وأرسل إلى يزيد بيعته ، فقال : لا أقبل حتى يؤتى به في وثاق ، فأتى nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير ، وقال : أنا عائذ بالبيت ، فأبى يزيد ، وكتب إلى عمرو بن سعيد أن يوجه إليه جندا ، فبعث هذه البعوث ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير رضي الله عنهما عند علماء السنة أولى بالخلافة من يزيد وعبد الملك ; لأنه بويع nindex.php?page=showalam&ids=16414لابن الزبير قبل هؤلاء ، وهو صاحب النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وقد قال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير أولى من عبد الملك .
قوله : " من يوم الفتح " يعني فتح مكة ، وكان في عشرين من رمضان في السنة الثامنة من الهجرة ، قوله : " سمعته أذناي " إلى آخره - إشارة منه إلى مبالغته في حفظه من جميع الوجوه ، ففي قوله : " سمعته أذناي " نفي أن يكون سمعه من غيره كما جاء في حديث nindex.php?page=showalam&ids=114النعمان بن بشير " وأهوى النعمان بأصبعيه إلى أذنيه " ، وقوله : " ووعاه قلبي " تحقيق لفهمه والتثبت في تعقل معناه ، وقوله : " وأبصرته عيناي " زيادة في تحقق السماع والفهم عنه بالقرب منه والرؤية وأن سماعه منه ليس اعتمادا على الصوت دون حجاب ، بل الرؤية والمشاهدة ، والهاء في قوله : " تكلم به " عائدة على قوله : " أحدثك " ، قوله : " حرمها الله " إما أن يراد به مطلق التحريم فيتناول كل محرماتها ، وإما أن يراد به ما ذكر بعده من سفك الدم وعضد الشجر ، ويقال : معناه تفهيم المخاطبين بعظيم قدر مكة بتحريم الله إياها ، ونفي ما تعتقده الجاهلية وغيرهم من أنهم حرموا وحللوا ، كما حرموا أشياء من قبل أنفسهم ، وأكد ذلك المعنى بقوله : " ولم يحرمها الناس " أي فتحريمها ابتداء أي من غير سبب يعزى لأحد ، لا مدخل فيه لا لنبي ولا لعالم ، ثم بين التحريم بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=650101فلا يحل لامرئ يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما " إلى آخره ; لأن من آمن بالله لزمته طاعته ومن آمن بالله واليوم الآخر لزمه القيام بما وجب عليه واجتناب ما نهي عنه تخلصا خوف الحساب عليه ، ويقال : معنى " ولم يحرمها الناس " ليس من محرمات الناس حتى لا يعتد به ، بل هي من محرمات الله ، أو معناه إن تحريمها بوحي الله تعالى ، لا أنه اصطلح الناس على تحريمها بغير إذن الله تعالى وأمره ، قوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=650101فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم " معناه إن قال أحد بأن ترك القتال عزيمة ، والقتال رخصة يتعاطى عند الحاجة مستدلا بقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها ، فقولوا له : ليس الأمر كذلك ، فإن الله أذن لرسوله -صلى الله عليه وسلم- ، ولم يأذن لكم ، وإنما أذن له فيها ساعة من نهار يعني في إراقة دم كان مباحا خارج الحرم ، والحرمة كانت للحرم في إراقة دم محرم الإراقة ، فكان الحرم في حقه -صلى الله عليه وسلم- في تلك الساعة بمنزلة الحل ، ثم عادت حرمتها كما كانت ، وإنما قال : فإن أحد ترخص لقتال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ولم يقل : لقتالي بيانا لاستظهار الترخص ، فإن الرسول المبلغ للشرائع إذا فعل ذلك كان دليلا على جواز الترخص ، وإنما التفت ثانيا بقوله : " وإنما أذن لي " ولم يقل : أذن له بيانا لاختصاصه بذلك بالإضافة إلى ضميره ، كما في قول امرئ القيس : [ ص: 142 ]
وذلك من نبأ جاءني وخبرته عن أبي الأسود
قوله : " ساعة من نهار " أراد به مقدارا من الزمان من يوم الفتح ، وهو زمان الدخول فيها ، ولا يعلم من الحديث إباحة عضد الشجر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في تلك الساعة ، قوله : " حرمتها " أي الحكم الذي في مقابلة الإباحة المستفادة من لفظ الإذن ، ولفظ اليوم يطلق ويراد به يومك الذي أنت فيه ، أي من يوم وقت طلوع الشمس إلى غروبها ، ويطلق ويراد به الزمان الحاضر المعهود ، وقد يكون أكثر من يوم واحد وأقل ، وكذا حكم الأمس ، فإن قلت : ما المراد به ها هنا ؟ قلت : الظاهر أنه الحاضر ، ويحتمل أيضا المعنى الآخر أي ما بين الطلوع إلى الغروب ، وتكون حينئذ اللام للعهد من يوم الفتح ; إذ عود حرمتها كان في يوم الفتح لا في غيره الذي هو يوم صدور هذا القول ، وكذا اللام في الأمس يكون معهودا من أمس يوم الفتح ، قوله : " ما قال عمرو " أي في جوابك ، فقال أبو شريح : قال أي عمرو : أنا أعلم منك ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : ما قاله ليس بجواب ; لأنه لم يختلف معه في أن من أصاب حدا في غير الحرم ثم لجأ إلى الحرم هل يقام عليه ، وإنما أنكره عليه أبو شريح بعثه الخيل إلى مكة واستباحته حرمتها بنصب الحرب عليها ، فحاد عمرو عن الجواب ، واحتج أبو شريح بعموم الحديث وذهب إلى أن مثله لا يجوز أن يستباح نفسه ، ولا ينصب الحرب عليها بقتال بعدما حرمها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، وقال الطيبي : لما سمع عمرو ذلك رده بقوله : " أنا أعلم " ويعني : إن صح سماعك وحفظك لكن ما فهمت المعنى المراد من المقاتلة ، فإن ذلك الترخص كان بسبب الفتح عنوة ، وليس بسبب قتل من استحقه خارج الحرم ، والذي أنا بصدده من القبيل الثاني لا من الأول ، فكيف تنكر علي ؟ فهو من القول بالموجب يعني الجواب مطابق ، وليس مجاوبة من غير سؤاله . قلت : كونه جوابا على اعتقاد عمرو في nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير والله أعلم ، وقد شنع عليه nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم في ذلك في المحلى في كتاب الجنايات ، فقال : لا كرامة للئيم الشيطان الشرطي الفاسق ، يريد أن يكون أعلم من صاحب رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، وهذا الفاسق هو العاصي لله ولرسوله ومن والاه أو قلده ، وما حامل الخزي في الدنيا والآخرة إلا هو ومن أمره وصوب قوله ، وكأن nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم إنما ذكر ذلك ; لأن عمرا ذكر ذلك عن اعتقاده في nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير رضي الله عنهما ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : اختلف العلماء في الصحابي إذا روى الحديث ، هل يكون أولى بتأويله ممن يأتي بعده أم لا ، فقالت طائفة : تأويل الصحابي أولى ; لأنه الراوي للحديث ، وهو أعلم بمخرجه وسببه ، وقال آخرون : لا يلزم تأويله إذا لم يصب التأويل ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري في شرح كتاب البرهان : مخالفة الراوي لما رواه على أقسام ; مخالفة بالكلية ، ومخالفة ظاهرة على وجه التخصيص ، وتأويل محتمل ، أو مجمل . وكل هذه الأقسام فيها الخلاف . قال nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين : مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي اتباع روايته لا عمله ، ومذهب nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة اتباع عمله لا روايته ، فإذا كان الحديث عاما فهل يخص بعمل راويه ، وكذا إذا كان لفظ الحديث مجملا فصرفه الراوي إلى أحد محتملاته ، هل يصار إلى مذهبه ؟ ففي ذلك خلاف ، وقال الخطيب : ظاهر مذهب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أنه إن كان تأويل الراوي يخالف ظاهر الحديث رجع إلى الحديث ، وإن كان أحد محتملاته الظاهرة رجع إليه ، ومثله nindex.php?page=showalam&ids=12441إمام الحرمين بقوله -صلى الله عليه وسلم- : " nindex.php?page=hadith&LINKID=651990الذهب بالذهب ربا إلا ها وها " حمله nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر رضي الله عنهما على التقابض في المجلس وحديث nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر " nindex.php?page=hadith&LINKID=685183البيعان بالخيار ما لم يتفرقا " حمله nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر على فرقة الأبدان ، وذكر الحنفية حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه في ولوغ الكلب سبعا وأن مذهب nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة جواز الاقتصار على الثلاث وأن السبع مندوبة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري وغيره : ينبغي أن يعد حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة من باب المخالفة التي هي بمعنى النسخ لا بمعنى التخصيص ، فإن الاقتصار على الثلاث مخالفة للعدد المحدود ، وهو السبع . قلت : إنما خالف nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة العدد السبع لثبوت انتساخه عنده ، والحمل عليه تحسين الظن في حق الصحابي ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15140المازري : وينبغي أن يكون مثله حديث nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها وقول أبي القعيس لها : nindex.php?page=hadith&LINKID=652450أتحتجبين مني وأنا عمك ؟ قالت : كيف ذلك ؟ فقال : أرضعتك امرأة أخي بلبن أخي ، قالت : فسألت عن ذلك رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم ، فقال : " صدق أفلح ، ايذني له " فروته وأفتته بخلافه ، فكان يدخل عليها من أرضعه أخواتها وبنات أختها ، ولا يدخل عليها من أرضعه نساء إخوتها ، ولم يحرم بلبن الفحل هي nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=12354والنخعي nindex.php?page=showalam&ids=15990وابن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=14946والقاسم nindex.php?page=showalam&ids=12031وأبو سلمة وأهل الظاهر ، واحتجوا بأن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة روته ولم تعمل به ، ولم يأخذ به الكوفيون ولا nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، ولا التفتوا إلى تأويلها ، وأخذوا بحديثها ، وأفتوا بتحريم لبن [ ص: 143 ] الفحل ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما في بريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - خيرها بعد أن اشترتها nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وأعتقتها ، وأن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس يفتي أن بيعها طلاق ، وما رواه مخالف لفتياه ; لأنه لو كان بيعها طلاقا لم يخير وهي مطلقة ، وروت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : فرضت الصلاة ركعتين فزيد في صلاة الحضر وأقرت صلاة السفر ، وكانت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة تتم فترك الكوفيون nindex.php?page=showalam&ids=12425والقاضي إسماعيل قولها وأخذوا بحديثها ، وقالوا : قصر الصلاة في السفر فريضة ، ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12321أشهب عن nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، وروى عنه أبو مصعب أنه سنة ، وذهب جماعة nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي إلى التخيير بين القصر والإتمام ، والله أعلم .
بيان استنباط الأحكام ، وهو على وجوه :
الأول : في قول أبي شريح " ائذن لي أيها الأمير " حسن nindex.php?page=treesubj&link=20077التلطف في الإنكار ، لا سيما مع الملوك فيما يخالف مقصودهم ; لأن التلطف بهم أدعى لقبولهم ، لا سيما من عرف منهم بارتكاب هواه وأن الغلظة عليهم قد تكون سببا لإثارة فتنة ومعاندة .
الثاني : فيه وفاء أبي شريح رضي الله عنه nindex.php?page=treesubj&link=18476_32095بما أخذه الله على العلماء من الميثاق في تبليغ دينه ونشره حتى يظهر ، وقد روى nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق في آخره أنه قال له عمرو بن سعيد : نحن أعلم بحرمتها منك ، فقال له أبو شريح : إني كنت شاهدا وكنت غائبا ، وقد أمرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يبلغ شاهدنا غائبنا ، وقد أبلغتك ، فأنت وشأنك ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال : كل من خاطبه النبي صلى الله تعالى عليه وسلم بتبليغ العلم من كان في زمنه فالتبليغ عليه متعين ، وأما من بعدهم فالتبليغ عليهم فرض كفاية . قلت : فيه نظر ; فقد ذكر nindex.php?page=showalam&ids=12815أبو بكر بن العربي أن التبليغ عن النبي عليه الصلاة والسلام فرض كفاية ، إذا قام به واحد سقط عن الباقين ، وقد كان النبي عليه الصلاة والسلام إذا نزل عليه الوحي والحكم لا يبوح به في الناس ، لكن يخبر به من حضره ثمة على لسان أولئك إلى من وراءهم قوما بعد قوم ، قال : فالتبليغ فرض كفاية ، والإصغاء فرض عين ، والوعي والحفظ يترتبان على معنى ما يستمع به ، فإن كان ما يخصه تعين عليه ، وإن كان يتعلق به وبغيره كان العمل فرض عين ، والتبليغ فرض كفاية ، وذلك عند الحاجة إليه ، ولا يلزمه أن يقوله ابتداء ، ولا بعده ، فقد كان قوم من الصحابة يكثرون الحديث : قال رسول الله عليه الصلاة والسلام ، فحبسهم nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه حتى مات وهم في سجنه ، هذا آخر كلامه .
الثالث : استدل بقوله : " لا يحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر ... " الحديث - بعضهم على أن nindex.php?page=treesubj&link=20708الكفار غير مخاطبين بفروع الشريعة ، والصحيح عند الأصوليين خلافه ، وأجيب بأنه لا مفهوم له ، وقد استعمل منطوقه بتحريم القتال على المؤمن فيها .
الرابع : استدل بعضهم بقوله : " أن يسفك بها دما " على nindex.php?page=treesubj&link=25014تحريم القتال بمكة ، وهو الذي يدل عليه السياق ، وهو قوله : " فإن أحد ترخص " إلخ ، وقوله في بعض طرق الحديث : " وإنه لم يحل القتال لأحد قبلي " والضمير في إنه للشأن ، وهذه الأحاديث ظاهرها يدل على أن حكم الله تعالى أن لا يقاتل من كان بمكة ، ويؤمن من استجار بها ، ولا يتعرض له ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة وغيره في تفسير قوله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=67أولم يروا أنا جعلنا حرما آمنا وكانت عادة العرب احترام مكة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : من خصائص الحرم أن لا يحارب أهله ، فإن بغوا على أهل العدل قال بعض الفقهاء : يحرم قتالهم ، ويضيقوا عليهم حتى يرجعوا إلى الطاعة ، وقال جمهور الفقهاء : يقاتلون على بغيهم إذا لم يمكن ردهم إلا بالقتال ; لأن قتال أهل البغي من حقوق الله تعالى التي لا تجوز إضاعتها ، فحفظها في الحرم أولى من إضاعتها ، قال النووي : هذا هو الصواب ، وقد نص عليه nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في كتاب اختلاف الحديث في الأم وأجاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن الأحاديث المذكورة بأن التحريم يعود إلى نصب القتال ، وقتالهم بما يعم كالمنجنيق وغيره إذا لم يمكن إصلاح الحال بدونه ، بخلاف ما إذا تحصن الكفار ببلد آخر ، فإنه يجوز قتالهم على كل وجه بكل شيء ، وقال القفال من أصحاب nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي في شرح التلخيص في أول كتاب النكاح : لا يجوز القتال بمكة ، ولو تحصنت جماعة من الكفار فيها لم يجز قتالهم ، قال النووي : الذي قاله nindex.php?page=showalam&ids=15022القفال غلط نبهت عليه . قلت : بل هو موافق للقول الأول الذي حكاه nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي ، وظاهر الحديث يعضده ، فإن قوله : " لا يحل لأحد " نكرة في سياق النفي ، فتعم .
الخامس : استدل nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة بقوله : " nindex.php?page=hadith&LINKID=650101لا يحل لمن يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما " على أن nindex.php?page=treesubj&link=33017الملتجئ إلى الحرم لا يقتل ; لأنه عام يدخل فيه هذه الصورة ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=12997ابن بطال اختلاف العلماء فيمن أصاب حدا من قتل أو زنا أو سرقة ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي : إن أصابه في الحرم أقيم عليه الحد ، وإن أصابه في غير الحرم لا يجالس ولا يدانى حتى يخرج ، فيقام عليه ; لأن الله تعالى جعله آمنا دون غيره ، فقال : nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=97ومن دخله كان آمنا وقال آخرون : إذا أصابه في غير الحرم ، ثم لجأ إليه يخرج ويقام عليه الحد ، ولم يحضروا مجالسته ولا مسامعته ، وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16414ابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ، وقال آخرون : [ ص: 144 ] لا يمنع من إقامة الحد فيه ، والملتجئ إليه يقام عليه الحد الذي وجب عليه قبل أن يلجأ إليه ، وهو مذهب عمرو بن سعيد كما ذكر في الحديث ، وحكى nindex.php?page=showalam&ids=11963القرطبي أن nindex.php?page=showalam&ids=11890ابن الجوزي حكى الإجماع فيمن جنى في الحرم أنه يقاد منه ، وفيمن جنى خارجه ثم لجأ إليه ، عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد أنه لا يقام عليه .
قلت : مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : يقام عليه .
ونقل nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عن جماعة من الصحابة المنع ، ثم قال : ولا مخالف لهم من الصحابة ، ثم نقل عن جماعة من التابعين موافقتهم ، ثم شنع على nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ، فقال : قد خالفا في هذا هؤلاء الصحابة والكتاب والسنة . واحتج بعضهم لمذهبهما بقصة ابن خطل ، وأجيب عنها بأوجه :
أحدها : أنه ارتد وقتل مسلما ، وكان يهجو النبي عليه الصلاة والسلام .
الثاني : أنه لم يدخل في الأمان ، فإنه استثناه ، وأمر بقتله وإن وجد معلقا بأستار الكعبة .
الثالث : أنه كان ممن قاتل . وأجاب بعضهم بأنه إنما قتل في تلك الساعة التي أبيحت له ، وهو غريب ; فإن ساعة الدخول حين استولى عليها وأذعن أهلها ، وقتل ابن خطل بعد ذلك ، وبعد قوله : " من دخل المسجد فهو آمن " وقد دخل ، لكنه استثناه مع جماعة غيره .
السادس : في قوله : " فإن أحد ترخص لقتال رسول الله عليه الصلاة والسلام " دليل على أن nindex.php?page=treesubj&link=29389مكة فتحت عنوة ، وهو مذهب الأكثرين ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض : وهو مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي ، لكن من رآها عنوة يقول : إن النبي عليه الصلاة والسلام من على أهلها وسوغهم أموالهم ودورهم ، ولم يقسمها ، ولم يجعلها فيئا ، قال nindex.php?page=showalam&ids=12074أبو عبيد : ولا يعلم مكة يشبهها شيء من البلاد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره : فتحت صلحا ، وتأولوا الحديث بأن القتال كان جائزا له عليه الصلاة والسلام لو احتاج إليه ، ويضعف هذا التأويل قوله في الحديث " فإن أحد ترخص لقتال رسول الله عليه الصلاة والسلام " فإنه يدل على وجود القتل ، وقوله : " من دخل دار أبي سفيان فهو آمن " وكذلك غيره من الناس المعلق على أشياء مخصوصة ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي : عندي أن أسفل مكة دخله nindex.php?page=showalam&ids=22خالد بن الوليد رضي الله عنه عنوة ، وأعلاها دخله nindex.php?page=showalam&ids=15الزبير بن العوام رضي الله عنه صلحا ، ودخلها الشارع من جهته ، فصار حكم جهته الأغلب .
السابع : في قوله : " ولا يعضد بها شجرة " دليل على nindex.php?page=treesubj&link=25508حرمة قطع شجر الحرم ، وفي رواية " ولا يعضد شوكه " ، وفي رواية " ولا يخبط شوكها " قال النووي : اتفق العلماء على تحريم قطع أشجارها التي لا ينبتها الآدميون في العادة ، وعلى تحريم خلاها ، واختلفوا فيما ينبته الآدميون ، وكذلك اختلفوا في ضمان الشجرة إذا قلعها ، فقال nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : يأثم ، ولا فدية عليه ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : الواجب في الكبيرة بقرة ، وفي الصغيرة شاة ، كذا جاء عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16414وابن الزبير رضي الله عنهم ، وبه قال nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة : الواجب في الجميع القيمة ، ويجوز عند nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ومن وافقه رعي البهائم في كلأ الحرم ، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ومحمد : لا يجوز ، والكلأ والعشب اسم للرطب ، والحشيش اسم لليابس منه ، والكلأ يطلق عليهما ، وقوله : " ولا يعضد شوكه " دليل على تحريم قطع الشوك المؤذي وغيره ، وقد أخذ به بعضهم عملا بعموم الحديث ، وقال بعضهم : لا يحرم الشوك لأذاه تشبيها بالفواسق الخمس ، وخصوا الحديث بالقياس ، قال nindex.php?page=showalam&ids=14228الخطابي : أكثر العلماء على إباحة الشوك ، ويشبه أن يكون المحظور منه ما ترعاه الإبل ، وهو ما رق منه دون الصلب الذي لا ترعاه ، فيكون ذلك كالحطب وغيره . قلت : صحح المتولي من الشافعية التحريم مطلقا ، والقياس المذكور ضعيف لقيام الفارق ، وهو أن الفواسق الخمس تقصد الأذى بخلاف الشوك .
الثامن : في قوله : " nindex.php?page=treesubj&link=32096وليبلغ الشاهد الغائب " صراحة بنقل العلم وإشاعة السنن والأحكام ، وهو إجماع ، التاسع : أن الحديث يدل صريحا على nindex.php?page=treesubj&link=34371تحريم الله مكة ، وأبعد من قال : إن إبراهيم عليه الصلاة والسلام أول من افتتح ذلك ، والصواب أنها محرمة من يوم خلق الله السماوات والأرض .
العاشر : فيه nindex.php?page=treesubj&link=18288_18253النصيحة لولاة الأمور وعدم الغش لهم والإغلاظ عليهم .
الحادي عشر : فيه ذكر nindex.php?page=treesubj&link=21040التأكيد في الكلام .
الثاني عشر : فيه nindex.php?page=treesubj&link=33148تقديم الحمد على المقصود .
الثالث عشر : فيه nindex.php?page=treesubj&link=30336إثبات القيمة .
الرابع عشر : فيه اختصاص الرسول عليه الصلاة والسلام بخصائص .
الخامس عشر : فيه جواز القياس عليه عليه الصلاة والسلام لولا العلم بكون الحكم من خصائصه .
السادس عشر : فيه nindex.php?page=treesubj&link=22177جواز النسخ ; إذ نسخ الإباحة للرسول عليه الصلاة والسلام بالحرمة .
السابع عشر : فيه nindex.php?page=treesubj&link=19154جواز المجادلة .
الثامن عشر : فيه مخالفة التابعي للصحابي بالاجتهاد .
التاسع عشر : فيه nindex.php?page=treesubj&link=32095فضل أبي شريح لاتباعه أمر النبي عليه الصلاة والسلام بالتبليغ عنه .
العشرون : فيه nindex.php?page=treesubj&link=34151وجوب الإنكار من العالم على الأمير إذا رأى أنه غير شيئا من الدين وإن لم يسأل عنه .
الحادي والعشرون : في قوله : " ووعاه قلبي " دليل على أن العقل محله القلب لا الدماغ ، وهو قول الجمهور ; لأنه لو كان محله الدماغ لقال : ووعاه [ ص: 145 ] رأسي ، وفي المسألة قول ثالث : إنه مشترك بينهما .
الثاني والعشرون : فيه أن nindex.php?page=treesubj&link=34089التحليل والتحريم من عند الله ، لا مدخل لبشر فيه ، وأن ذلك لا يعرف إلا منه فعلا وقولا وتقريرا .
الأسئلة والأجوبة : منها ما قيل : إن قوله : " إن مكة حرمها الله ولم يحرمها الناس " يعارضه قوله عليه السلام : " nindex.php?page=hadith&LINKID=656788إن إبراهيم حرم مكة " الحديث ، وأجيب بأن نسبة الحكم لإبراهيم على معنى التبليغ ، فيحتمل أن تحريم إبراهيم لها بإعلام الله تعالى أنه حرمها ، فتحريمه لها بتحريم الله لا باجتهاده ، أوكل الله إليه تحريمها ، فكان عن أمر الله ، فأضيف إلى الله مرة لذلك ، ومرة لإبراهيم ، أو أنه دعا إليها ، فكان تحريم الله لها بدعوته ، قال nindex.php?page=showalam&ids=15151الماوردي وغيره من العلماء : قيل : إن مكة ما زالت محرمة من يوم خلق الله السماوات والأرض ، وقيل : كانت حلالا إلى زمن إبراهيم عليه السلام ، والأول قول الأكثرين ، وأوفق للحديث ، وأجيب عن حديث إبراهيم بأن التحريم كان خفيا ، ثم أظهره إبراهيم عليه السلام ، وقال أصحاب القول الثاني : إن معنى الحديث أن الله كتب في اللوح المحفوظ وغيره يوم خلق السماوات والأرض : إن إبراهيم سيحرم مكة بإذن الله تعالى . ومنها : ما قيل : لم خصص من بين ما يجب به الإيمان هذين اللفظين الإيمان بالله واليوم الآخر أي القيامة ؟ أجيب بأن الأول إشارة إلى المبدأ ، والثاني إلى المعاد ، والبواقي داخلة تحتهما . ومنها : ما قيل : لم سمي يوم القيامة اليوم الآخر ؟ أجيب بأنه لا ليل بعده ، ولا يقال يوم إلا لما تقدمه ليل . ومنها : ما قيل : هل أحل للنبي عليه الصلاة والسلام في الساعة التي أحلت له مكة سائر الأشياء ؟ أجيب بأنه أحلت له في تلك الساعة الدم دون الصيد وقطع الشجر وسائر ما حرم الله على الناس .