الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                  1329 148 - حدثنا آدم قال : حدثنا شعبة ، عن الأعمش ، عن مجاهد ، عن عائشة رضي الله عنها قالت : قال النبي صلى الله عليه وسلم : لا تسبوا الأموات فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا .

                                                                                                                                                                                  التالي السابق


                                                                                                                                                                                  مطابقته للترجمة ظاهرة ; لأن الحديث نهى عن سب الأموات والترجمة كذلك .

                                                                                                                                                                                  قيل : لفظ الترجمة يشعر بانقسام السب إلى منهي وغير منهي ، ولفظ الخبر مضمونه النهي عن السب مطلقا ! أجاب بعضهم أن عمومه مخصوص بحديث أنس حيث قال : أنتم شهداء الله في الأرض . وذلك عند ثنائهم بالخير والشر ، ولم ينكر عليهم . قلت : لا نسلم إشعار الترجمة إلى الانقسام المذكور ; لأنا قد ذكرنا أن كلمة " ما " في الترجمة مصدرية فلا تقتضي الانقسام ، بل هي للعموم ، وأورد على البخاري أنه غفل عن حديث " وجبت وجبت " لأن فيه تفصيلا وقد أطلق هنا . قلت : لا يرد عليه شيء ; لأن الثناء بالشر على الميت لا يسمى سبا لأنه إنما يثني بالشر إما في حق الفاسق أو المنافق أو الكافر ، وليس هذا بداخل في معنى حديث الباب .

                                                                                                                                                                                  ورجاله قد ذكروا ، وآدم هو ابن أبي إياس ، والأعمش هو سليمان .

                                                                                                                                                                                  وأخرجه النسائي في الجنائز أيضا عن حميد بن مسعدة عن بشر بن المفضل عن شعبة به .

                                                                                                                                                                                  قوله ( الأموات ) ، الألف واللام للعهد ; أي أموات المسلمين ، ويؤيده ما رواه الترمذي من حديث ابن عمر أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : اذكروا محاسن موتاكم وكفوا عن مساويهم . وأخرجه أبو داود أيضا في كتاب الأدب من سننه ، ولا حرج في ذكر مساوي الكفار ، ولا يؤمر بذكر محاسن إن كانت لهم من صدقة وإعتاق وإطعام طعام ونحو ذلك اللهم إلا أن يتأذى بذلك مسلم من ذريته فيجتنب ذلك حينئذ كما ورد في حديث ابن عباس عند أحمد والنسائي أن رجلا من الأنصار وقع في أبي العباس ، كان في الجاهلية فلطمه العباس فجاءه قومه فقالوا : والله لنلطمنه كما لطمه ! فلبسوا السلاح ، فبلغ ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصعد المنبر فقال : أيها الناس ، أي أهل الأرض أكرم عند الله ؟ قالوا : أنت . قال : فإن العباس مني وأنا منه ، فلا تسبوا أمواتنا فتؤذوا أحياءنا . فجاء القوم فقالوا : يا رسول الله ، نعوذ بالله من غضبك . وفي كتاب الصمت لابن أبي الدنيا في حديث مرسل صحيح الإسناد من رواية محمد بن علي الباقر قال : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن يسب قتلى بدر من المشركين وقال : لا تسبوا هؤلاء ، فإنه لا يخلص إليهم شيء مما تقولون وتؤذون الأحياء إلا أن البذاء لؤم . وقال ابن بطال : ذكر شرار الموتى من أهل الشرك خاصة جائز ; لأنه لا شك أنهم في النار . وقال : سب الأموات يجري مجرى الغيبة ، فإن كان أغلب أحوال المرء الخير - وقد تكون منه الغلبة - فالاغتياب له ممنوع ، وإن كان فاسقا معلنا فلا غيبة له ، فكذلك الميت .

                                                                                                                                                                                  قوله ( فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ) ; أي قد وصلوا إلى جزاء أعمالهم .



                                                                                                                                                                                  الخدمات العلمية