2361 ص: وقد روينا عن النبي - عليه السلام - ما يدل على خلاف ذلك:
حدثنا فهد، قال: ثنا يحيى بن صالح الوحاظي (ح).
وحدثنا علي بن عبد الرحمن ، قال: ثنا عبد الله بن مسلمة بن قعنب، قالا: ثنا سليمان بن بلال ، قال: ثنا عمرو بن يحيى المازني ، عن معاذ بن رفاعة الزرقي: "أن رجلا من بني سلمة يقال له سليم أتى النبي - عليه السلام - فقال له: إنا نظل في أعمالنا، فنأتي حين نمسي فنصلي، فيأتي معاذ بن جبل - رضي الله عنه - فينادي بالصلاة، فنأتيه فيطول علينا. فقال النبي - عليه السلام -: يا معاذ ، لا تكن فتانا، إما أن تصلي معي، وإما أن تخفف على قومك".
فقول النبي - عليه السلام - هذا لمعاذ يدل على أنه عند رسول الله - عليه السلام - كان يفعل أحد الأمرين ; إما الصلاة معه وإما الصلاة لقومه، وأنه لم يكن يجمعها ; لأنه قال: "إما أن تصلي معي" أي ولا تصلي مع قومك "وإما أن تخفف بقومك" أي ولا تصلي معي.
فلما لم يكن في الآثار الأول من قول النبي - عليه السلام - شيء، وكان في هذا الأثر ما ذكرنا، ثبت بهذا الأمر أنه لم يكن من النبي - عليه السلام - في ذلك المعنى شيء متقدم، ولا علمنا أنه كان في ذلك أيضا منه شيء متأخر فتجب به الحجة علينا، ولو كان في ذلك من رسول الله - عليه السلام - أمر كما قال أهل المقالة الأولى لاحتمل أن يكون ذلك من رسول الله - عليه السلام - في وقت ما كان الفريضة تصلى مرتين، فإن ذلك قد كان [ ص: 281 ] يفعل في أول الإسلام حتى نهى عنه النبي - عليه السلام -، وقد ذكرنا ذلك بأسانيده في باب صلاة الخوف.
ففعل معاذ الذي ذكرنا يحتمل أن يكون كان قبل النهي عن ذلك، ثم كان النهي لنسخه، ويحتمل أن يكون بعد ذلك، فليس لأحد أن يجعله في أحد الوقتين إلا كان لمخالفه أن يجعله في الوقت الآخر، فهذا حكم هذا الباب من طريق معاني الآثار.


