3217 3218 3219 3220 3221 3222 3223 3224 3225 3226 3227 3228 3229 3230 3231 3232 3233 ص: وكان من الحجة لهم على أهل المقالة الأولى فيما احتجوا به عليهم من قول النبي - عليه السلام - : "ليس من البر الصيام في السفر " : أنه قد يحتمل غير ما حملوه عليه ; يحتمل ليس من البر الذي هو أبر البر وأعلى مراتب البر الصوم في
[ ص: 333 ] السفر ، وإن كان الصوم في السفر برا إلا أن غيره في البر أبر منه ، كما قال - عليه السلام - : "ليس المسكين بالطواف الذي ترده التمرة والتمرتان واللقمة واللقمتان ، قالوا : فمن المسكين يا رسول الله ؟ قال : الذي يستحيي أن يسأل ، ولا يجد ما يغنيه ، ولا يفطن له فيعطى " .
حدثنا بذلك ابن أبي داود ، قال : ثنا أبو عمر الحوضي ، قال : ثنا خالد بن عبد الله ، عن الهجري ، عن أبي الأحوص ، عن عبد الله عن النبي - عليه السلام - بذلك .
حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا قبيصة ، قال : ثنا سفيان ، عن إبراهيم الهجري . . . فذكر بإسناده مثله .
حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني ابن أبي ذئب ، عن أبي الوليد ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - نحوه .
حدثنا أبو أمية ، قال : ثنا علي بن عياش ، قال : ثنا ابن ثوبان ، عن عبد الله بن الفضل ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .
فلم يكن معنى قوله : "ليس المسكين بالطواف " على معنى إخراجه إياه من أسباب المسكنة كلها ، ولكنه أراد بذلك : ليس هو المسكين المتكامل المسكنة الذي لا يسأل الناس ، ولا يعرف فيتصدق عليه ، فكذلك قوله : "ليس البر الصيام في السفر " ليس ذلك على إخراج الصوم في السفر من أن يكون برا ، ولكنه على معنى : ليس من البر الذي هو أبر البر الصوم في السفر ; لأنه قد يكون الإفطار هناك أبر فيه إذا كان على التقوي للقاء العدو وما أشبه ذلك ، فهذا معنى صحيح ، وهو أولى ما حمل عليه معنى هذه الآثار حتى لا تتضاد هي وغيرها مما قد روي في هذا الباب ; فإنه حدثنا يونس ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : أخبرني مالك ، عن ابن شهاب ، عن عبيد الله بن عبد الله ، عن ابن عباس - رضي الله عنهما - : "أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خرج إلى مكة عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ، ثم أفطر فأفطر الناس ، وكانوا يأخذون بالأحدث فالأحدث من أمر رسول الله - عليه السلام - " .
[ ص: 334 ] حدثنا علي بن شيبة ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا مالك وابن جريج ، قالا : ثنا ابن شهاب . . . فذكر بإسناده مثله .
حدثنا علي ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا شعبة ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله ، غير أنه قال : "حتى أتى عسفان " .
حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو داود ، قال : ثنا شعبة . . . فذكر بإسناده مثله .
حدثنا فهد ، قال : ثنا أبو غسان ، قال : ثنا إسرائيل ، عن منصور ، عن مجاهد ، عن ابن عباس ، عن رسول الله - عليه السلام - مثله .
حدثنا ربيع الجيزي ، قال : ثنا أبو زرعة ، قال : ثنا حيوة بن شريح ، قال : ثنا أبو الأسود ، عن عكرمة مولى ابن عباس ، حدثه عن ابن عباس : "أن رسول الله - عليه السلام - خرج عام الفتح في رمضان ، فصام حتى بلغ الكديد ، فبلغه أن الناس شق عليهم الصيام ، فدعا رسول الله - عليه السلام - بقدح من لبن فأمسكه في يده حتى رآه الناس -وهو على راحلته- حوله ، ثم شرب رسول الله - عليه السلام - فأفطر ، فناوله رجلا إلى جنبه فشرب " .
فصام رسول الله - عليه السلام - في السفر وأفطر .
حدثنا علي ، قال : ثنا روح ، قال : ثنا حماد ، عن أبي الزبير ، عن جابر : "أن رسول الله - عليه السلام - سافر في رمضان ، فاشتد الصوم على رجل من أصحابه ، فجعلت راحلته تهيم به تحت الشجر ، فأخبر النبي - عليه السلام - بأمره فدعا بإناء ، فلما رآه الناس على يده أفطروا " .
حدثنا محمد بن خزيمة وفهد ، قالا : ثنا عبد الله بن صالح ، قال : حدثني الليث ، قال : ثنا ابن الهاد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيه ، عن جابر قال : "خرج رسول الله - عليه السلام - عام الفتح في رمضان فصام حتى بلغ كراع الغميم ، فصام الناس معه ، فبلغه أن الناس قد شق عليهم الصيام ينظرون فيما بلغت ، فدعا بقدح من ماء بعد العصر ، فشرب والناس ينظرون ، فبلغه أن ناسا صاموا بعد ذلك ، فقال : أولئك العصاة " .
[ ص: 335 ] حدثنا بحر بن نصر ، قال : ثنا ابن وهب ، قال : ثنا معاوية بن صالح ، عن ربيعة بن يزيد ، عن قزعة قال : "سألت أبا سعيد عن صيام رمضان في السفر ؟ فقال : خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - في رمضان عام الفتح ، فكان رسول الله - عليه السلام - يصوم حتى بلغ منزلا من المنازل فقال : إنكم قد دنوتم من عدوكم والفطر أقوى لكم ، فأصبحنا منا الصائم ومنا المفطر ، ثم سرنا فنزلنا منزلا فقال : إنكم تصبحون عدوكم والفطر أقوى لكم ، فأفطروا ، فكانت عزيمة من رسول الله - عليه السلام - ، ثم لقد رأيتني أصوم مع رسول الله - عليه السلام - قبل ذلك وبعد ذلك " .
حدثنا فهد ، قال : ثنا ابن أبي مريم ، قال : ثنا يحيى بن أيوب ، قال : ثنا حميد الطويل ، أن بكر بن عبد الله حدثه قال : سمعت أنسا يقول : "إن رسول الله - عليه السلام - كان في سفر ومعه أصحابه ، فشق عليهم الصوم ، فدعا رسول الله - عليه السلام - بإناء فشرب وهو على راحلته ، والناس ينظرون إليه " .
حدثنا ابن مرزوق ، قال : ثنا القعنبي ، قال : ثنا مالك ، عن سمي ، عن أبي بكر بن عبد الرحمن ، عن رجل من أصحاب رسول الله - عليه السلام - قال : "لقد رأيت رسول الله بالعرج في الحر وهو يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو من الحر ، ثم إن رسول الله - عليه السلام - لما بلغ الكديد أفطر " .
حدثنا أبو بكرة ، قال : ثنا أبو عاصم ، قال : ثنا سعيد بن عبد العزيز ، قال : ثنا عطية بن قيس ، عن قزعة بن يحيى ، عن أبي سعيد الخدري - رضي الله عنه - قال : "خرجنا مع رسول الله - عليه السلام - لليلتين مضتا من رمضان ، فخرجنا صواما حتى بلغ الكديد فأمرنا بالإفطار ، فأصبحنا ومنا الصائم ومنا المفطر ، فلما بلغنا مر الظهران أعلمنا بلقاء العدو ، وأمرنا بالإفطار " .
قال أبو جعفر -رحمه الله- : ففي هذه الآثار إثبات جواز الصوم في السفر ، وأن رسول الله - عليه السلام - إنما كان تركه إياه إبقاء على أصحابه ، أفيجوز لأحد أن يقول في ذلك الصوم أنه لم يكن برا لا يجوز هذا ؟ ! ولكنه بر ، وقد يكون الإفطار أبر منه إذا كان يراد
[ ص: 336 ] به القوة للقاء العدو الذي أمرهم رسول الله - عليه السلام - بالفطر من أجله ، ولهذا المعنى قال لهم النبي - عليه السلام - : "ليس من البر الصوم في السفر " على هذا المعنى الذي ذكرنا .


