5256 ص: فإن قال قائل: فقد ترك أبو حنيفة قولهما في شيء قالاه في هذا المعنى؛ وذلك أنهما قالا في وأبو يوسف إن نكاحهن كلهن فاسد، ويفرق بينه وبينهن. الرجل من أهل الحرب سبي وله أربع نسوة وسبين معه:
قال: فقد كان ينبغي على ما حملا عليه حديث غيلان أن يجعلا له أن يختار منهن اثنتين فيمسكهما ويفارق الاثنتين الباقيتين؛ لأن نكاح الأربع قد كان كله ثابتا صحيحا، وإنما طرأ الرق عليه؛ فحرم عليه ما فوق الاثنتين، كما أنه لما طرأ حكم الله في تحريم ما فوق الأربع أمر رسول الله -عليه السلام- غيلان باختيار أربع من نسائه وفراق سائرهن.
قيل له: ما خرج أبو حنيفة بما ذكرت عن أصلهما، ولكنهما ذهبا إلى ما قد خفي عليك؛ وذلك أن هذا كان تزوج الأربع في وقت ما تزوجهن بعدما حرم على العبد تزوج ما فوق الاثنتين، فإذا تزوجهن وهو حربي في دار الحرب ما فوق الاثنتين ثم سبي وسبين معه، رد حكمه في ذلك إلى حكم تحريم قد كان قبل نكاحه، فصار كأنه تزوجهن في عقدة بعدما صار رقيقا، وهو في ذلك كرجل تزوج صبيتين وأبو يوسف
[ ص: 373 ] صغيرتين فجاءت امرأة فأرضعتهما معا؛ فإنهما تبينان منه جميعا، ولا يؤمر أن يختار إحداهما فيمسكها ويفارق الأخرى؛ لأن حرمة الرضاع طرأت عليه بعد نكاحه إياهما، فكذلك الرق الطارئ على النكاح الذي وصفنا، حكمه حكم الرضاع الذي ذكرنا، وهما جميعا مفارقان؛ لما كان من رسول الله -عليه السلام- في غيلان بن سلمة؛ لأن غيلان لم تكن حرمة الله - عز وجل - لما فوق الأربع تقدمت نكاحه، فيرد حكم نكاحه إليها، وإنما طرأت الحرمة على نكاحه بعد ثبوته كله، فردت حرمة ما حرم عليه من ذلك إلى حكم حادث بعد النكاح، فوجب له بذلك الخيار كما يجب في الطلاق الذي ذكرنا.