5269 5270 ص: وأما لنظر في ذلك، فإنا رأينا المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر فقد صارت إلى حال لا يجوز أن يستأنف نكاحها عليها؛ لأنها مسلمة وهو كافر، فأردنا أن ننظر إلى ما يطرأ على النكاح مما لا يجوز معه استقبال النكاح كيف حكمه؟
فرأينا الله - عز وجل - حرم الأخوات من الرضاعة، وكان من تزوج امرأة صغيرة لا رضاع بينه وبينها فأرضعتها أمه حرمت عليه بذلك وانفسخ النكاح، فكان الرضاع الطارئ على النكاح في حكم الرضاع المتقدم للنكاح في أشباه لذلك يطول الكتاب بذكرها، وكانت ثمة أشياء يختلف فيها الحكم إذا كانت متقدمة للنكاح وطرأت على النكاح، من ذلك: أن الله - عز وجل - حرم نكاح المرأة في عدتها من زوجها، وأجمع المسلمون أن العدة من الجماع في النكاح الفاسد تمنع من النكاح كما تمنع إذا كانت بسبب نكاح صحيح، وكانت المرأة لو وطئت بشبهة ولها زوج فوجبت عليها بذلك عدة لم تبن بذلك من زوجها، ولم تجعل هذه العدة كالعدة المتقدمة للنكاح.
ففرق في هذا بين حكم المستقبل والمستدبر.
فأردنا أن ننظر في المرأة إذا أسلمت وزوجها كافر، هل تبين منه بذلك؟
ويكون حكم مستقبل ذلك ومستدبره سواء كما كان ذلك في الرضاع الذي ذكرنا أولا وإلا تبين منه بإسلامها، فلا يكون حكم إسلامها الحادث كهو إذا كان قبل النكاح، فالعدة قبل النكاح كالعدة التي ذكرنا التي فرق بين حكم المستقبل فيها وحكم المستدبر.
[ ص: 394 ] فنظرنا في ذلك فوجدنا العدة الطارئة على النكاح لا تجب بها فرقة في حال وجوبها ولا بعد ذلك، وكان الرضاع الذي ذكرنا تجب به الفرقة في حال كونه، ولا ينتظر بها شيء بعده، وكان الإسلام الطارئ على النكاح كل قد أجمع أن الفرقة تجب به، فقال قوم: تجب في وقت إسلام المرأة. وهو قول وقال آخرون: لا تجب الفرقة حتى تعرض على الزوج الإسلام فيأباه فيفرق بينه وبين المرأة، أو يختاره فتكون امرأته على حالها. ابن عباس.
وقال آخرون: هي امرأته ما لم يخرجها من أرض الهجرة. وهو قول -رضي الله عنه-، وسنأتي بأسانيد هذه الروايات في آخرها إن شاء الله تعالى. علي بن أبي طالب
فلما ثبت أن إسلام الزوجة الطارئ للفرقة بين المرأة وزوجها في حال ما ثبت أن حكم ذلك كحكم الرضاع أشبه منه بحكم العدة، فلما كان الرضاع تجب به الفرقة ساعة يكون، ولا ينتظر به خروج المرأة عن عدتها؛ كان كذلك الإسلام.
فهذا وجه النظر في هذا الباب: أن المرأة تبين من زوجها بإسلامها في دار الإسلام كانت أو في دار الحرب، وقد كان أبو حنيفة وأبو يوسف يخالفون هذا ويقولون في الحربية إذا أسلمت في دار الحرب وزوجها كافر: إنها امرأته ما لم تحض ثلاث حيض أو تخرج إلى دار الإسلام، فأي ذلك ما كانت بانت به من زوجها. ومحمد
وقالوا: كان النظر في هذا أن تبين من زوجها بإسلامها ساعة أسلمت.
وقالوا: إذا أسلمت وزوجها في دار الإسلام فهي امرأته على حالها حتى يعرض القاضي على زوجها الإسلام فيسلم فتبقى تحته، أو يأبى فيفرق بينهما.
قالوا: فكان النظر في ذلك أن تبين منه بإسلامها ساعة أسلمت، ولكنا قلدنا ما روي عن -رضي الله عنه-، فذكروا ما حدثنا عمر أبو بشر الرقي ، قال: ثنا ، عن أبو معاوية الضرير ، عن أبي إسحاق الشيباني السفاح ، عن داود بن كردوس ، قال: "كان رجل منا من بني تغلب نصراني تحته امرأة نصرانية فأسلمت، فرفعت إلى ، -رضي الله عنه-، فقال له عمر أسلم وإلا فرقت بينكما. فقال: لو لم أدع هذا إلا عمر:
[ ص: 395 ] استحياء من العرب أن يقولوا: إنه أسلم على بضع امرأة لفعلت، قال: ففرق -رضي الله عنه- بينهما". عمر
حدثنا ، قال: ثنا أبو بكرة هلال بن يحيى ، قال: ثنا ، قال: ثنا أبو يوسف ، عن أبو إسحاق الشيباني السفاح الشيباني ، عن كردوس بن داود التغلبي ، عن ، نحوه. عمر
فقلدوا ما روي عن عمر -رضي الله عنه- في هذا الذي أسلمت امرأته في دار الإسلام، وجعلوا للذي أسلمت امرأته في دار الحرب أجلا إن أسلم فيه؛ وإلا وقعت الفرقة بينه وبين امرأته بدلا من العرض الذي كانوا يعرضونه عليه لو كان في دار الإسلام وهو العدة إلا أن تخرج المرأة قبل ذلك إلى دار الإسلام فينقطع بذلك الأجل وتجب به البينونة، ونحن في هذا على ما روينا عن ابن عباس من وجوب البينونة بالإسلام ساعة يكون من المرأة.