6558 ص: واحتجوا في ذلك بما حدثنا محمد بن علي بن محرز ، قال: ثنا يحيى بن أبي بكير، قال: ثنا الحسن بن صالح ، عن سماك بن حرب ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: " كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يجز شاربه، وكان إبراهيم -عليه السلام- يجز شاربه". .

التالي السابق

الشرح

ش: أَيِ احْتَجَّ هَؤُلَاءِ الْآخَرُونَ فِيمَا ذَهَبُوا إِلَيْهِ مِنْ أَنَّ الْإِحْفَاءَ أَفْضَلُ مِنَ الْقَصِّ بِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ .

وَأَخْرَجَهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مُحْرِزٍ الْبَغْدَادِيِّ، وَثَّقَهُ ابْنُ يُونُسَ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بُكَيْرٍ وَاسْمُهُ بِشْرٌ وَيُقَالُ: نَسْرٌ -بِالنُّونِ وَالسِّينِ الْمُهْمَلَةِ- وَيُقَالُ: [ ص: 176 ] بَشِيرٌ الْقَيْسِيُّ أَبُو زَكَرِيَّا الْكِرْمَانِيُّ كُوفِيُّ الْأَصْلِ سَكَنَ بَغْدَادَ، وَوَلِيَ قَضَاءَ كِرْمَانَ، رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ، وَهُوَ يَرْوِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ صَالِحِ بْنِ حَيٍّ الْكُوفِيِّ الْعَابِدِ، رَوَى لَهُ مُسْلِمٌ وَالْأَرْبَعَةُ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبِ بْنِ أَوْسٍ الْكُوفِيِّ، رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ الْبُخَارِيَّ مُسْتَشْهِدًا، عَنْ عِكْرِمَةَ مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ رَوَى لَهُ الْجَمَاعَةُ مُسْلِمٌ مَقْرُونًا بِغَيْرِهِ.

وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ: نَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ الْوَلِيدِ الْكِنْدِيُّ الْكُوفِيُّ، قَالَ: ثَنَا يَحْيَى بْنُ آدَمَ ، عَنْ إِسْرَائِيلَ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: "كَانَ النَّبِيُّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَقُصُّ أَوْ يَأْخُذُ مِنْ شَارِبِهِ، قَالَ: وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ خَلِيلَ الرَّحْمَنِ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- يَفْعَلُهُ". قَالَ: أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ.

قَوْلُهُ: "يَجُزُّ" بِالْجِيمِ وَالزَّايِ أَيْ: يَقُصُّ، يُقَالُ: جَزَّ الشَّعْرَ وَالصُّوفَ إِذَا قَصَّهُ، وَأَصْلُهُ الْقَطْعُ، وَمِنْهُ جِزَازُ التَّمْرِ مِنَ النَّخْلِ.

فَإِنْ قِيلَ: كَيْفَ يَدُلُّ هَذَا عَلَى دَعْوَى هَؤُلَاءِ، وَهُوَ لَا يَدُلُّ إِلَّا عَلَى الْقَصِّ دُونَ الْإِحْفَاءِ الَّذِي هُوَ الِاسْتِئْصَالُ؟

قُلْتُ: لَفْظُ الْجَزِّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَهُ الْإِحْفَاءُ -وَهُوَ الْمُرَادُ- لِأَنَّ أَمْرَ النَّبِيِّ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- بِالْإِحْفَاءِ فِي حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِ قَرِينَةٌ عَلَى أَنَّ الْجَزَّ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ هُوَ جَزٌّ مَعَهُ إِحْفَاءٌ، وَإِنْ لَمْ يُحْمَلْ عَلَى هَذَا تَتَضَادُّ الْآثَارُ، وَالْحَمْلُ عَلَى الِاتِّفَاقِ أَوْلَى؛ كَمَا عُرِفَ.

ش: أي احتج هؤلاء الآخرون فيما ذهبوا إليه من أن الإحفاء أفضل من القص بحديث عبد الله بن عباس .

وأخرجه بإسناد صحيح: عن محمد بن علي بن محرز البغدادي، وثقه ابن يونس عن يحيى بن أبي بكير واسمه بشر ويقال: نسر -بالنون والسين المهملة- ويقال: [ ص: 176 ] بشير القيسي أبو زكريا الكرماني كوفي الأصل سكن بغداد، وولي قضاء كرمان، روى له الجماعة، وهو يروي عن الحسن بن صالح بن حي الكوفي العابد، روى له مسلم والأربعة، عن سماك بن حرب بن أوس الكوفي، روى له الجماعة البخاري مستشهدا، عن عكرمة مولى ابن عباس روى له الجماعة مسلم مقرونا بغيره.

وأخرجه الترمذي: نا محمد بن عمر بن الوليد الكندي الكوفي، قال: ثنا يحيى بن آدم ، عن إسرائيل ، عن سماك ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال: "كان النبي -عليه السلام- يقص أو يأخذ من شاربه، قال: وكان إبراهيم خليل الرحمن -عليه السلام- يفعله". قال: أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب.

قوله: "يجز" بالجيم والزاي أي: يقص، يقال: جز الشعر والصوف إذا قصه، وأصله القطع، ومنه جزاز التمر من النخل.

فإن قيل: كيف يدل هذا على دعوى هؤلاء، وهو لا يدل إلا على القص دون الإحفاء الذي هو الاستئصال؟

قلت: لفظ الجز يحتمل أن يكون معه الإحفاء -وهو المراد- لأن أمر النبي -عليه السلام- بالإحفاء في حديث ابن عمر وغيره قرينة على أن الجز في حديث ابن عباس هو جز معه إحفاء، وإن لم يحمل على هذا تتضاد الآثار، والحمل على الاتفاق أولى؛ كما عرف.