ص: فكان من الحجة عليهم لأهل المقالة الأولى : أن رسول الله -عليه السلام - لما قال : "أتبرئكم يهود خمسين يمينا " لم يكن من اليهود رد الأيمان على الأنصار فيردها النبي -عليه السلام - ، فيكون ذلك حجة لمن يرى رد اليمين في الحقوق ، إنما قال : "أتبرئكم يهود خمسين يمينا " فقالت الأنصار : كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ ! فقال النبي -عليه السلام - : أتحلفون وتستحقون ؟ " فقد يجوز أن يكون كذلك حكم القسامة ، ويجوز أن يكون على النكير منه عليهم إذ قالوا : كيف نقبل أيمان قوم كفار ؟ ! فقال لهم : أتحلفون وتستحقون " ، كما يقال : أيدعون ويستحقون ، فلما احتمل الحديث هذين الوجهين لم يكن لأحد أن يحكمه على أحدهما دون الآخر إلا ببرهان يدله على ذلك ، فنظرنا فيما سوى هذا الحديث من الآثار المروية في هذا فإذا ابن عباس - رضي الله عنهما - قد روى عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "لو يعطى الناس بدعواهم لادعى ناس دماء رجال وأموالهم ، ولكن اليمين على المدعى عليه " .
فثبت بذلك أن المدعي لا يستحق بدعواه دما ولا مالا وإنما يستحق بها يمين المدعى عليه خاصة ، هذا حديث ظاهر المعنى وأولى بنا أن نحمل ما خفي علينا معناه من الحديث الأول على ذلك .
[ ص: 462 ]


