5241 - حدثنا ، قال : ثنا أبو أمية محمد بن سابق ، قال : ثنا ، ثم ذكر بإسناده مثله . إبراهيم بن طهمان
فثبت بما ذكرنا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن قسم خيبر بكمالها ، ولكنه قسم طائفة منها ، على ما احتج به عمر في الحديث الأول ، وترك طائفة منها فلم يقسمها ، على ما روي عن ، ابن عباس ، وابن عمر وجابر رضي الله عنهم في هذه الآثار الأخر .
والذي كان قسم منها هو الشق والبطاه ، وترك سائرها ، فعلمنا بذلك أنه قسم ، وله أن يقسم ، وترك وله أن يترك .
فثبت بذلك أنه هكذا حكم الأرضين المفتتحة للإمام ، فيقسمها إن رأى ذلك صلاحا للمسلمين ، كما قسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ما قسم من خيبر .
وله تركها إن رأى في ذلك صلاحا للمسلمين أيضا ، كما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم ما ترك من خيبر ، يفعل ذلك ما رأى من ذلك على التحري منه ، لصلاح المسلمين .
وقد فعل رضي الله عنه في أرض السواد مثل ذلك أيضا ، فتركها للمسلمين أرض خراج ، لينتفع بها من يجيء من بعده منهم ، كما ينتفع بها من كان في عصره من المسلمين . عمر بن الخطاب
فإن قال قائل : فقد يجوز أن يكون عمر رضي الله عنه ، لم يفعل في السواد ما فعل من ذلك من جهة ما قلتم ، ولكن المسلمين جميعا رضوا بذلك .
والدليل على أنهم قد كانوا رضوا بذلك ، أنه جعل الجزية على رقابهم ، فلم يخل ذلك من أحد وجهين .
إما أن يكون جعلها عليهم ضريبة للمسلمين ؛ لأنهم عبيد لهم .
أو يكون جعل ذلك عليهم ، كما يجعل الجزية على الأحرار ، ليحقن بذلك دماءهم .
فرأينا قد أهمل نساؤهم ومشائخهم ، وأهل الزمانة منهم ، وصبيانهم ، وإن كانوا قادرين على الاكتساب ، أكثر مما يقدر عليه بعض البالغين .
فلم يجعل على أحد ممن ذكرنا من ذلك شيئا ، فدل ما بقي من ذلك أن ما أوجب ليس لعلة الملك ، ولكنه لعلة الذمة ، وقبل ذلك جميع ما افتتح تلك الأرض أخذهم ذلك منهم دليل على إجارتهم لما كان عمر فعل ذلك .
ثم رأيناه وضع على الأرض شيئا مختلفا ، فوضع على جريب الكرم شيئا معلوما ، ووضع على جريب الحنطة شيئا معلوما ، وأهمل النخل فلم يأخذ منها شيئا .
[ ص: 248 ] فلم يخل ذلك من أحد وجهين ، إما أن يكون ملك به القوم الذين قد ثبت حرمتهم بثمار أرضيهم ، والأرض ملك للمسلمين .
أو يكون جعل ذلك عليهم ، كما جعل الخراج على رقابهم ، ولا يجوز أن يكون الخراج يجب إلا فيما ملكه لغير أخذ الخراج .
فإن حملنا ذلك على التمليك من عمر رضي الله عنه إياهم ثمر النخل والكرم ، بما جعل عليهم مما ذكرنا ، جعل فعله ذلك قد دخل فيما قد نهى عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، من بيع السنين ، ومن بيع ما ليس عندك ، فاستحال أن يكون الأمر على ذلك .
ولكن الأمر عندنا على أن تمليكه لهم الأرض التي أوجب هذا عليهم فيما قد تقدم ، على أن يكون ملكهم لذلك ملك خراجي .
فهذا حكمه فيما يجب عليهم فيه ، وقبل الناس جميعا منه ذلك ، وأخذوا منه ما أعطاهم مما أخذ منهم .
فكان قبولهم لذلك إجازة منهم لفعله .
قالوا : فلهذا جعلنا أهل السواد مالكين لأرضهم ، وجعلناهم أحرارا بالعلة المتقدمة ، وكل هذا إنما كان بإجازة القوم الذين غنموا تلك الأرض ، ولولا ذلك لما جاز ، ولكانوا على ملكهم .
قالوا : فكذلك نقول : كل أرض مفتتحة عنوة ، فحكمها أن تقسم كما تقسم الأموال ، خمسها لله ، وأربعة أخماسها للذين افتتحوها ، ليس للإمام منعهم من ذلك ، إلا أن تطيب أنفس القوم بتركها ، كما طابت أنفس الذين افتتحوا السواد لعمر بما ذكرنا .
فكان من الحجة للآخرين عليهم : أنا نعلم أن أرض السواد لو كانت كما ذكر أهل المقالة الأولى ، لكان قد وجب فيها خمس الله بين أهله الذين جعله الله لهم ، وقد علمنا أنه لا يجوز للإمام أن يجعل ذلك الخمس ولا شيئا منه لأهل الذمة .
وقد كان أهل السواد الذين أقرهم عمر رضي الله عنه صاروا أهل الذمة ، وقد كان السواد بأسره في أيديهم .
فثبت بذلك أن ما فعله عمر رضي الله عنه من ذلك ، كان من جهة غير الجهة التي ذكروا ، وهو على أنه لم يكن وجب لله عز وجل في ذلك خمس .
وكذلك ما فعل في رقابهم ، فمن عليهم بأن أقرهم في أرضيهم ، ونفى الرق منهم ، وأوجب الخراج عليهم في رقابهم وأرضيهم ، فملكوا بذلك أرضيهم ، وانتفى الرق عن رقابهم .
فثبت بذلك أن للإمام أن يفعل هذا بما افتتح عنوة ، فنفى عن أهلها رق المسلمين ، وعن أرضيهم ملك المسلمين ، ويوجب ذلك لأهلها ، ويضع عليهم ما يجب عليهم وضعه من الخراج ، كما فعل عمر رضي الله تعالى عنه ، بحضرة أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 249 ] واحتج عمر رضي الله عنه في ذلك بقول الله عز وجل : ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل .
ثم قال : للفقراء المهاجرين ، فأدخلهم معهم ، ثم قال : والذين تبوءوا الدار والإيمان من قبلهم . يريد بذلك الأنصار ، فأدخلهم معهم .
ثم قال : والذين جاءوا من بعدهم ، فأدخل فيها جميع من يجيء من المؤمنين من بعدهم ، فللإمام أن يفعل ذلك ، ويضعه حيث رأى وضعه ، فيما سمى الله في هذه السورة .
فثبت بما ذكرنا ما ذهب إليه ، أبو حنيفة وسفيان ، وهو قول أبي يوسف ، رحمة الله عليهم . ومحمد