ما يحل بالضرورة
( قال ) قال الله عز وجل فيما حرم ولم يحل بالذكاة { الشافعي وما لكم أن لا تأكلوا مما ذكر اسم الله عليه وقد فصل لكم ما حرم عليكم إلا ما اضطررتم إليه } وقال { إنما حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير } إلى قوله { غفور رحيم } وقال في ذكر ما حرم { فمن اضطر في مخمصة غير متجانف لإثم فإن الله غفور رحيم } ( قال ) فيحل الشافعي . والمضطر الرجل يكون بالموضع لا طعام فيه معه ولا شيء يسد فورة جوعه من لبن وما أشبهه ويبلغه الجوع ما يخاف منه الموت أو المرض وإن لم يخف الموت أو يضعفه ويضره أو يعتل أو يكون ماشيا فيضعف عن بلوغ حيث يريد أو راكبا فيضعف عن ركوب دابته ، أو ما في هذا المعنى من الضرر البين ، فأي هذا ناله فله أن [ يأكل من المحرم ] . وكذلك يشرب من المحرم غير المسكر ، مثل الماء تقع فيه الميتة وما أشبهه . وأحب إلي أن يكون آكله إن أكل وشاربه إن شرب أو جمعهما فعلى ما يقطع عنه الخوف ويبلغ به بعض القوة ولا يبين أن يحرم عليه أن يشبع ويروى ، وإن أجزأه دونه ، لأن التحريم قد زال عنه بالضرورة . وإذا بلغ الشبع والري فليس له مجاوزته ، لأن مجاوزته حينئذ إلى الضرر أقرب منها إلى النفع . ومن بلغ إلى الشبع فقد خرج في بلوغه من حد الضرورة وكذلك الري . ولا بأس أن يتزود معه من الميتة ما اضطر إليه . فإذا وجد الغنى عنه طرحه . ما حرم من ميتة ودم ولحم خنزير وكل ما حرم مما لا يغير العقل من الخمر للمضطر
ولو ، لم يحل له ثمنها ، إنما حل له منها منع الضرر البين على بدنه لا ثمنها ، ولو تزود معه ميتة فلقي مضطرا أراد شراءها منه ، لم يكن له أكل الطعام ، وكان له أكل [ ص: 277 ] الميتة ، ولو اضطر ، ووجد طعاما ، لم يؤذن له به ، فإن باعه بثمنه في موضعه أو بثمن ما يتغابن الناس بمثله ، لم يكن له أكل الميتة ، وإن لم يبعه إلا بما لا يتغابن الناس بمثله ، كان له أكل الميتة ، والاختيار أن يغالي به ويدع أكل الميتة . وليس له ، بحال ، أن يكابر رجلا على طعامه وشرابه وهو يجد ما يغنيه عنه من شراب فيه ميتة أو ميتة ، وإن اضطر ، ومعه ما يشتري به ما يحل ، كان له أن يكابره ، وعلى الرجل أن يعطيه . وإذا كابره ، أعطاه ثمنه وافيا ، فإن كان إذا أخذ شيئا خاف مالك المال على نفسه ، لم يكن له مكابرته . وإن اضطر فلم يجد ميتة ولا شرابا فيه ميتة ، ومع رجل شيء ، أكل الميتة وترك الصيد ، فإن أكل الصيد فداه ، إن كان هو الذي قتله . وإن اضطر وهو محرم إلى صيد أو ميتة ، فليس له أن يمتنع من أن يأكل أو يشرب . وإذا وجد فقد ذهبت عنه الضرورة إلا في حال واحدة ، أن يخاف إن أطعمه أو سقاه ، أن يسمه فيه فيقتله ، فله ترك طعامه وشرابه بهذه الحال . وإن اضطر فوجد من يطعمه أو يسقيه ، كان له تركه ، وأكل الميتة وشرب الماء الذي فيه الميتة ، وقد قيل : إن من الضرورة وجها ثانيا ، أن يمرض الرجل المرض يقول له أهل العلم به ، أو يكون هو من أهل العلم به : قلما يبرأ من كان به مثل هذا إلا أن يأكل كذا ، أو يشرب كذا ، أو يقال له : إن أعجل ما يبرئك أكل كذا أو شرب كذا ، فيكون له أكل ذلك وشربه ، ما لم يكن خمرا إذا بلغ ذلك منها أسكرته ، أو شيئا يذهب العقل من المحرمات أو غيرها فإن إذهاب العقل محرم . ومن قال هذا ، قال : { كان مريضا فوجد مع رجل طعاما أو شرابا ، يعلمه يضره ويزيد في مرضه الأعراب أن يشربوا ألبان الإبل وأبوالها وقد يذهب الوباء بغير ألبانها وأبوالها } ، إلا أنه أقرب ما هنالك أن يذهبه عن أمر النبي صلى الله عليه وسلم الأعراب لإصلاحه لأبدانهم ، والأبوال كلها محرمة ، لأنها نجسة ، وليس له أن يشرب خمرا ، لأنها تعطش وتجيع . ولا لدواء لأنها تذهب بالعقل . وذهاب العقل منع الفرائض ، وتؤدي إلى إتيان المحارم . وكذلك ما أذهب العقل غيرها . ومن ، حل له ما حرم عليه مما نصف إن شاء الله تعالى . ومن خرج عاصيا لم يحل له شيء مما حرم الله عز وجل عليه بحال ، لأن الله تبارك وتعالى إنما أحل ما حرم بالضرورة ، على شرط أن يكون المضطر غير باغ ولا عاد ولا متجانف لإثم . ولو خرج مسافرا فأصابته ضرورة بجوع أو عطش ، ولم يكن سفره في معصية الله عز وجل رجوت أن يسعه أكل المحرم وشربه . ولو خرج عاصيا ثم تاب فأصابته الضرورة بعد التوبة ، خشيت أن لا يسعه المحرم ، لأني أنظر إلى نيته في حال الضرورة ، لا في حال تقدمتها ولا تأخرت عنها خرج غير عاص ، ثم نوى المعصية ، ثم أصابته الضرورة ونيته المعصية