باب بيع الآجال .
( قال ) : وأصل ما ذهب إليه من ذهب في بيوع الآجال أنهم رووا أن الشافعي عالية بنت أنفع أنها [ ص: 79 ] سمعت أو سمعت امرأة عائشة تروي { أبي السفر أن امرأة سألتها عن بيع باعته من عائشة بكذا وكذا إلى العطاء ثم اشترته منه بأقل من ذلك نقدا ، فقالت زيد بن أرقم : بئس ما اشتريت وبئس ما ابتعت ، أخبري عائشة أن الله عز وجل قد أبطل جهاده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أن يتوب زيد بن أرقم } . عن
( قال ) : قد تكون الشافعي لو كان هذا ثابتا عنها عابت عليها بيعا إلى العطاء ; لأنه أجل غير معلوم ، وهذا مما لا تجيزه ، لا أنها عابت عليها ما اشترت منه بنقد وقد باعته إلى أجل ، ولو اختلف بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في شيء فقال بعضهم فيه شيئا وقال بعضهم بخلافه كان أصل ما نذهب إليه أنا نأخذ بقول الذي معه القياس ، والذي معه القياس عائشة ، وجملة هذا أنا لا نثبت مثله على زيد بن أرقم مع أن عائشة لا يبيع إلا ما يراه حلالا ، ولا يبتاع مثله ، فلو أن رجلا باع شيئا أو ابتاعه نراه نحن محرما ، وهو يراه حلالا لم نزعم أن الله يحبط من عمله شيئا ، فإن قال قائل فمن أين القياس مع قول زيد بن أرقم زيد ؟ قلت أرأيت البيعة الأولى أليس قد ثبت بها عليه الثمن تاما ؟ فإن قال بلى ، قيل : أفرأيت البيعة الثانية أهي الأولى ؟ فإن قال : لا قيل : أفحرام عليه أن يبيع ماله بنقد ، وإن كان اشتراه إلى أجل ؟ فإن قال : لا ، إذا باعه من غيره ، قيل : فمن حرمه منه ؟ فإن قال : كأنها رجعت إليه السلعة أو اشترى شيئا دينا بأقل منه نقدا ، قيل إذا قلت : كان لما ليس هو بكائن ، لم ينبغ لأحد أن يقبله منك ، أرأيت لو كانت المسألة بحالها فكان باعها بمائة دينار دينا واشتراها بمائة أو بمائتين نقدا ؟ فإن قال : جائز ، قيل : فلا بد أن تكون أخطأت كان ثم أو ههنا ; لأنه لا يجوز له أن يشتري منه مائة دينار دينا بمائتي دينار نقدا .
فإن قلت : إنما اشتريت منه السلعة ، قيل فهكذا كان ينبغي أن تقول أولا ولا تقول كان لما ليس هو بكائن ، أرأيت البيعة الآخرة بالنقد لو انتقضت أليس ترد السلعة ويكون الدين ثابتا كما هو فتعلم أن هذه بيعة غير تلك البيعة ؟ فإن قلت : إنما اتهمته ، قلنا هو أقل تهمة على ماله منك ، فلا تركن عليه إن كان خطأ ثم تحرم عليه ما أحل الله له ; لأن الله عز وجل أحل البيع وحرم الربا وهذا بيع وليس بربا ، وقد رويعن غير واحد ، وروي عن غيرهم خلافه ، وإنما اخترنا أن لا يباع إليه ; لأن العطاء قد يتأخر ويتقدم ، وإنما الآجال معلومة بأيام موقوتة أو أهلة وأصلها في القرآن ، قال الله عز وجل { إجازة البيع إلى العطاء يسألونك عن الأهلة قل هي مواقيت للناس والحج } ، وقال تعالى : { واذكروا الله في أيام معدودات } ، وقال عز وجل : { فعدة من أيام أخر } ، فقد وقت بالأهلة كما وقت بالعدة وليس العطاء من مواقيته تبارك وتعالى ، وقد يتأخر الزمان ويتقدم وليس تستأخر الأهلة أبدا أكثر من يوم ، فإذا مما اشتراها به أو بدين كذلك أو عرض من العروض ساوى العرض ما شاء أن يساوي ، وليست البيعة الثانية من البيعة الأولى بسبيل ، ألا ترى أنه كان للمشتري البيعة الأولى إن كانت أمة أن يصيبها أو يهبها أو يعتقها أو يبيعها ممن شاء غير بيعه بأقل أو أكثر مما اشتراها به نسيئة ؟ فإذا كان هكذا فمن حرمها على الذي اشتراها ؟ وكيف يتوهم أحد ؟ وهذا إنما تملكها ملكا جديدا بثمن لها لا بالدنانير المتأخرة ؟ أن هذا كان ثمنا للدنانير المتأخرة وكيف إن جاز هذا على الذي باعها لا يجوز على أحد لو اشتراها ؟ اشترى الرجل من الرجل السلعة فقبضها وكان الثمن إلى أجل فلا بأس أن يبتاعها من الذي اشتراها منه ومن غيره بنقد أقل أو أكثر