. الإذن بالأداء عن الراهن
( قال ) : رحمه الله تعالى ولو أدى الدين الحال أو الدين المؤجل بإذنه رجع به الآذن في الرهن على الراهن حالا ، ولو أداه بغير إذنه حالا كان الدين أو مؤجلا كان متطوعا بالأداء ، ولم يكن له الرجوع به على الراهن ، ولو اختلفا فقال الراهن الذي عليه الحق : أديت عني بغير أمري ، وقال الآذن له في الرهن : قد أديت عنك بأمرك كان القول قول الراهن المؤدى عنه ; لأنه الذي عليه الحق ; ولأن المؤدى عنه يريد أن يلزمه ما لا يلزمه إلا بإقراره أو ببينة تثبت عليه ، ولو الشافعي كانت شهادته جائزة ويحلف مع شهادته إذا لم يبق من الحق شيء ، وليس ها هنا شيء يجره صاحب الحق إلى نفسه ، ولا يدفع عنها فأرد شهادته له ، وكذلك لو كان بقي من الحق شيء فشهد صاحب الحق المرتهن للمؤدى إليه أنه أدى بإذن الراهن الذي عليه الحق جازت شهادته له ، وكان في المعنى الأول . شهد المرتهن الذي أدى إليه الحق على الراهن الذي عليه الحق أن مالك العبد الآذن له في الرهن أدى عنه بأمره
ولو فقال مالك العبد : أذنت لك أن ترهن سالما فرهنت مباركا ، وقال الراهن : ما رهنت إلا مباركا ، وهو الذي أذنت لي به ، فالقول قول مالك العبد ، ومبارك خارج من الرهن . ولو أذن الرجل أن يرهن عبدا له بعينه فرهن عبدا له آخر ثم اختلفا كان القول قوله والرهن مفسوخ ; لأنه قد يأذن في الرجل الثقة بحسن مطالبته ، ولا يأذن في غيره ، وكذلك لو قال له : بعه من فلان بمائة فباعه من غيره بمائة أو أكثر لم يجز بيعه ; لأنه أذن له في [ ص: 178 ] بيع فلان ، ولم يأذن له في بيع غيره . اجتمعا على أنه أذن له أن يرهن سالما بمائة حالة فرهنه بها ، وقال مالك العبد : أمرتك أن ترهنه من فلان فرهنته من غيره
وإذا فرهنه كل واحد منهما على الانفراد وعلم أيهما رهنه أولا فالرهن الأول جائز والآخر مفسوخ ، وإن تداعيا المرتهنان في الرهن فقال أحدهما : رهني أول ، وقال الآخر : رهني أول وصدق كل واحد منهما الذي رهنه أو كذبه أو صدق الراهنان المأذون لهما بالرهن أحدهما ، وكذبا الآخر فلا يقبل قول الراهنين ، ولا شهادتهما بحال ; لأنهما يجران إلى أنفسهما ويدفعان عنها . أما ما يجران إليها فالذي يدعي أن رهنه صحيح يجر إلى نفسه جواز البيع على الراهن ، وأن يكون ثمن البيع في الرهن ما كان الرهن قائما دون ماله سواه وأما الذي يدفع أن رهنه صحيح فأن يقول رهني آخر فيدفع أن يكون لمالك الرهن الآذن له في الرهن أن يأخذه بافتكاك الرهن ، وإن تركه الغريم . وإن صدق مالك العبد المرهون أحد الغريمين فالقول قوله ; لأن الرهن ماله وفي ارتهانه نقص عليه لا منفعة له ، وإن لم يعلم ذلك مالك العبد ، ولم يدر أي الرهنين أولا فلا رهن في العبد ، ولو كان العبد المرهون حين تنازعا في أيديهما معا أو أقام كل واحد منهما بينة أنه كان في يده ، ولم توقت البينتان وقتا يدل على أنه كان رهنا في يد أحدهما قبل الآخر فلا رهن ، وإن وقتت وقتا يدل على أنه كان رهنا لأحدهما قبل الآخر كان رهنا للذي كان في يديه أولا . أذن الرجل للرجل أن يرهن عبده فلانا وأذن لآخر أن يرهن ذلك العبد بعينه
وأي المرتهنين أراد أن أحلف له الآخر على دعواه أحلفته له ، وإن أراد أن أحلف لهما المالك أحلفته على علمه ، وإن أرادا أو أحدهما أن أحلف له راهنه لم أحلفه ; لأنه لو أقر بشيء أو ادعاه لم ألزمه إقراره ، ولم آخذ له بدعواه . ولو أن كان قبل رهن صاحبه ، وقبضه ، ولم يقم لواحد منهما بينة على دعواه ، وليس الرهن في يدي واحد منهما فصدق الراهن أحدهما بدعواه فالقول قول الراهن ، ولا يمين عليه للذي زعم أن رهنه كان آخرا ، ولو قامت بينة للذي زعم الراهن أن رهنه كان آخرا بأن رهنه كان أولا كانت البينة أولى من قول الراهن ، ولم يكن على الراهن أن يعطيه رهنا غيره ، ولا قيمة رهن ، ولو أن الراهن أنكر معرفة أيهما كان أولا وسأل كل واحد منهما يمينه وادعى علمه أنه كان أولا أحلف بالله ما يعلم أيهما كان أولا ، وكان الرهن مفسوخا ، وكذلك لو كان في أيديهما معا ، ولو كان في يد أحدهما دون الآخر وصدق الراهن الذي ليس الرهن في يديه كان فيها قولان . أحدهما : أن القول قول الراهن كان الحق الذي أقر له الراهن في العبد أقل من حق الذي زعم أن رهنه كان آخرا أو أكثر ; لأن ذمته لا تبرأ من حق الذي أنكر أن يكون رهنه آخرا ، ولا تصنع كينونة الرهن ها هنا في يده شيئا ; لأن الرهن ليس يملك بكينونته في يده . والآخر : أن القول قول الذي في يديه الرهن ; لأنه يملك بالرهن مثل ما يملك المرتهن غيره . رجلا رهن عبده رجلين وأقر لكل واحد منهما بقبضه كله بالرهن ، فادعى كل واحد منهما أن رهنه ، وقبضه