باب . الحجر على البالغين
( قال ) رحمه الله تعالى : الحجر على البالغين في آيتين من كتاب الله - عز وجل - وهما قول الله - تبارك وتعالى - { الشافعي فليكتب وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } .
( قال ) : وإنما خاطب الله - عز وجل - بفرائضه البالغين من الرجال والنساء وجعل الإقرار له فكان موجودا في كتاب الله - عز وجل - أن أمر الله - تعالى - الذي عليه الحق أن يمل هو ، وأن إملاءه إقراره وهذا يدل على جواز الإقرار على من أقر به ، ولا يأمر - والله أعلم - أحدا أن يمل ليقر إلا البالغ وذلك أن إقرار غير البالغ وصمته وإنكاره سواء عند أهل العلم فيما حفظت عنهم ، ولا أعلمهم اختلفوا فيه . ثم قال في المرء الذي عليه الحق أن يمل { الشافعي فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا أو لا يستطيع أن يمل هو فليملل وليه بالعدل } ، وأثبت الولاية على السفيه والضعيف والذي لا يستطيع أن يمل هو ، وأمر وليه بالإملاء عليه ; لأنه أقامه فيما لا غناء به عنه من ماله مقامه .
( قال ) : قد قيل والذي لا يستطيع أن يمل يحتمل أن يكون المغلوب على عقله وهو أشبه معانيه والله أعلم . والآية الأخرى قول الله - تبارك وتعالى - { الشافعي وابتلوا اليتامى حتى إذا بلغوا النكاح فإن آنستم منهم رشدا فادفعوا إليهم أموالهم } فأمر - عز وجل - أن يدفع إليهم أموالهم إذا جمعوا بلوغا ورشدا قال وإذا أمر بدفع أموالهم إليهم إذا جمعوا أمرين كان في ذلك دلالة على أنهم إن كان فيهم أحد الأمرين دون الآخر لم يدفع إليهم أموالهم وإذا لم يدفع إليهم فذلك الحجر عليهم كما كانوا لو أونس منهم رشد قبل البلوغ لم يدفع إليهم أموالهم فكذلك لو بلغوا ، ولم يؤنس منهم رشد لم تدفع إليهم أموالهم ويثبت عليهم الحجر كما كان قبل البلوغ وهكذا قلنا نحن وهم في كل أمر يكمل بأمرين أو أمور فإذا نقص واحد لم يقبل فزعمنا أن شرط الله - تعالى - { ممن ترضون من الشهداء } عدلان حران مسلمان فلو كان الرجلان حرين مسلمين غير عدلين أو عدلين غير حرين أو عدلين حرين غير مسلمين لم تجز شهادتهما حتى يستكملان الثلاث .
( قال ) : وإن التنزيل في الحجر بين والله أعلم مكتفى به عن تفسيره وإن القياس ليدل على الحجر أرأيت إذا كان معقولا أن من لم يبلغ ممن قارب البلوغ وعقل محجورا عليه فكان بعد البلوغ أشد تقصيرا في عقله ، وأكثر إفسادا لماله ألا يحجر عليه والمعنى الذي أمر بالمحجور عليه له فيه ، ولو الشافعي أعيد عليه الحجر ; لأن انتقلت إلى الحال التي ينبغي أن يحجر عليه فيها كما يؤنس منه العدل فتجوز شهادته ثم تتغير فترد ثم إن تغير فأونس منه عدل أجيزت وكذلك إن أونس منه إصلاح بعد إفساد أعطي ماله والنساء والرجال في هذا سواء [ ص: 224 ] لأن اسم اليتامى يجمعهم واسم الابتلاء يجمعهم ، وأن الله - تعالى - لم يفرق بين النساء والرجال في أموالهم وإن خرج الرجل والمرأة من أن يكونا موليين جاز للمرأة في مالها ما جاز للرجل في ماله ذات زوج كانت أو غير ذات زوج سلطانها على مالها سلطان الرجل على ماله لا يفترقان . أونس منه رشد فدفع إليه ماله ثم علم منه غير الرشد
( قال ) : في قول الله - عز وجل - { الشافعي وابتلوا اليتامى } إنما هو اختبروا اليتامى قال فيختبر الرجال النساء بقدر ما يمكن فيهم والرجل الملازم للسوق والمخالط للناس في الأخذ والإعطاء قبل البلوغ ومعه وبعده لا يغيب بعد البلوغ أن يعرف حاله بما مضى قبله ومعه وبعده فيعرف كيف هو في عقله في الأخذ والإعطاء ؟ وكيف هو في دينه ؟ والرجل القليل المخالطة للناس يكون اختباره أبطأ من اختبار هذا الذي وصفت فإذا عرفه خاصته في مدة وإن كانت أطول من هذه المدة فعدلوه وحمدوا نظره لنفسه في الأخذ والإعطاء وشهدوا له أنه صالح في دينه حسن النظر لنفسه في ماله فقد صار هذان إلى الرشد في الدين والمعاش ويؤمر وليهما بدفع مالهما إليهما .
( قال ) : وإذا اختبر النساء أهل العدل من أهلها ومن يعرف حالها بالصلاح في دينها وحسن النظر لنفسها في الأخذ والإعطاء صارت في حال الرجلين وإن كان ذلك منها أبطأ منه من الرجلين لقلة خلطتها بالعامة وهو من المخالطة من النساء الخارجة إلى الأسواق الممتهنة لنفسها أعجل منه من الصائنة لنفسها كما يكون من أحد الرجلين أبعد فإذا بلغت المرأة الرشد والرشد كما وصفت في الرجل أمر وليها بدفع مالها إليها . الشافعي
( قال ) : وقد رأيت من الحكام من أمر باختيار من لا يوثق بحاله تلك الثقة بأن يدفع إليه القليل من ماله فإن أصلح فيه دفع إليه ما بقي وإن أفسد فيه كان الفساد في القليل أيسر منه في الكل ورأينا هذا وجها من الاختبار حسنا والله أعلم . الشافعي
وإذا دفع إلى المرأة مالها والرجل فسواء كانت المرأة بكرا أو متزوجة عند زوج أو ثيبا كما يكون الرجل سواء في حالاته وهي تملك من مالها ما يملك من ماله ويجوز لها في مالها ما يجوز له في ذلك عند زوج كانت أو غير زوج لا فرق في ذلك بينها وبينه في شيء مما يجوز لكل واحد منهما في ماله فكذلك حكم الله - عز وجل - فيها وفيه ودلالة السنة . وإذا نكحت فصداقها مال من مالها تصنع به ما شاءت كما تصنع بما سواه من مالها .