. الخلاف في الولاء
( قال ) رحمه الله تعالى : وقال : لي بعض الناس الكتاب والسنة والقياس والمعقول والأثر على أكثر ما قلت في أصل ، ولاء السائبة وغيره ونحن لا نخالفك منه إلا في موضع ، ثم نقيس عليه غيره فيكون مواضع الشافعي : وما ذاك ؟ قال : قلت الرجل إذا أسلم على يدي الرجل كان له ، ولاؤه كما يكون للمعتق : أتدفع أن الكتاب والسنة والقياس يدل على ما وصفنا من أن المنعم بالعتق يثبت له الولاء كثبوت النسب ؟ قال : لا . قلت والنسب إذا ثبت فإنما الحكم فيه أن الولد مخلوق من الوالد ؟ قال نعم . قلت فلو أراد الوالد بعد الإقرار بأن المولود منه نفيه وأراد ذلك الولد لم يكن لهما ، ولا لواحد منهما ذلك . قال : نعم . قلت ، فلو أن رجلا لا أب له رضي أن ينتسب إلى رجل ورضي ذلك الرجل وتصادقا مع التراضي بأن ينتسب أحدهما إلى الآخر وعلم أن أم المنسوب إلى المنتسب إليه لم تكن للمنتسب إليه زوجة ، ولا أمة وطئها بشبهة لم يكن ذلك لهما ، ولا لواحد منهما ؟ قال : نعم قلت ; لأنا إنما ننسب بأمرين أحدهما الفراش ، وفي مثل معناه ثبوت النسب بالشبهة بالفراش والنطفة بعد الفراش ؟ قال : نعم قلت ، ولا ننسب بالتراضي إذا تصادقا إذا لم يكن ما ينسب به ، قال : نعم : قلت : وثبت له حكم الأحرار وينتقل عن أحكام العبودية . قلت
قال : نعم والولاء هو إخراجك مملوكك من الرق بعتقك والعتق فعل منك لم يكن لمملوكك رده عليك ؟ قال : نعم . قلت ولو رضيت أن تهب ولاءه ، أو تبيعه لم يكن ذلك لك ؟ قال : نعم . قلت
، فإذا كان هذا ثبت فلا يزول بما وصفت من متقدم العتق والفراش والنطفة وما وصفت من ثبوت الحقوق في النسب والولاء ، أفتعرف أن المعنى الذي اجتمعنا عليه في تثبيت النسب والولاء لا ينتقل ، وإن رضي المنتسب والمنتسب إليه ، والمولى المعتق والمولى المعتق لم يجز له ، ولا لهما بتراضيهما قال : نعم . هكذا السنة والأثر وإجماع الناس فهل تعرف السبب الذي كان ذلك ؟ . قلت
( قال ) الشافعي له في واحد مما وصفت ووصفنا كفاية والمعنى الذي حكم بذلك بين فقلت والله تعالى أعلم . عندي
قال : فما هو ؟ إن الله عز وجل أثبت للولد والوالد حقوقا في المواريث وغيرها وكانت الحقوق التي تثبت لكل واحد منهما على صاحبه تثبت للوالد على ولد الولد ، وللولد من الأم على والدي الوالد حقوقا في المواريث وولاء الموالي وعقل الجنايات وولاية النكاح وغير ذلك ، فلو ترك الوالد والولد حقهما من ذلك [ ص: 137 ] وما يثبت لأنفسهما لم يكن لهما تركه لآبائهما ، أو أبنائهما أو عصبتهما ، ولو جاز للابن أن يبطل حقه عن الأب في ولاية الصلاة عليه لو مات والقيام بدمه لو قتل والعقل عنه لو جنى ، لم يجز له أن يبطل ذلك لآبائه ، ولا أبنائه ، ولا لإخوته ، ولا عصبته قلت
; لأنه قد ثبت لآبائه وأبنائه وعصبته حقوق على الولد لا يجوز للوالد إزالتها بعد ثبوتها ، ومثل هذه الحال الولد .
فلما كان هذا هكذا لم يجز أن يثبت رجل على آبائه وأبنائه وعصبته نسب من قد علم أنه لم يلده فيدخل عليهم ما ليس له ، ولا من قبل أحد من المسلمين ميراث من نسب إليه من نسب له والمولى المعتق كالمولود فيما يثبت له من عقل جنايته ويثبت عليه من أن يكون موروثا وغير ذلك ، فكذلك لا يجوز أن ينتسب إلى ولاء رجل لم يعتقه ; لأن الذي يثبت المرء على نفسه يثبت على ولده وآبائه وعصبته ولايتهم ، فلا يجوز له أن يثبت عليهم ما لا يلزمهم من عقل وغيره بأمر لا يثبت ، ولا لهم بأمر لم يثبت .
فقال : هذا كما وصفت إن شاء الله تعالى فلم جاز لك أن توافقه في معنى وتخالفه في معنى ؟ وما وصفت في تثبيت الحقوق في النسب والولاء . قلت
قال : أما القياس على الأحاديث التي ذكرت وما يعرف الناس فكما قلت لولا شيء أراك أغفلته والحجة عليك فيه قائمة .
وما ذاك ؟ قال : حديث قلت عمر بن عبد العزيز له ليس يثبت مثل هذا الحديث عند أهل العلم بالحديث . قال : لأنه خالف غيره من حديثك الذي هو أثبت منه . قلت
لو خالفك ما هو أثبت منه لم نثبته وكان علينا أن نثبت الثابت ونرد الأضعف . قلت
قال : أفرأيت لو كان ثابتا أيخالف حديثنا حديثك عن النبي صلى الله عليه وسلم في الولاء ؟ فقلت لو ثبت لاحتمل خلافها وأن لا يخالفها ; لأنا نجد توجيه الحديثين معا لو ثبت وما وجدنا له من الأحاديث توجيها استعملناه مع غيره ، قال : فكيف كان يكون القول فيه لو كان ثابتا ؟ : يقال الولاء لمن أعتق لا ينتقل عنه أبدا ، ولو نقله عن نفسه ، وبوجه قول النبي صلى الله عليه وسلم { قلت } على الإخبار عن شرط الولاء فيمن باع فأعتقه غيره أن الولاء للذي أعتق إذا كان معتقا لا على العام أن الولاء لا يكون إلا لمعتق إذ جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولاء لغير معتق ممن أسلم على يديه . فإنما الولاء لمن أعتق
قال : هذا القول المنصف غاية النصفة فلم لم تثبت هذا الحديث فنقول بهذا ؟ ; لأنه عن رجل مجهول ومنقطع ونحن وأنت لا نثبت حديث المجهولين ، ولا المنقطع من الحديث . قلت
قال : فهل يبين لك أنه يخالف القياس إذا لم يتقدم عتق ؟ نعم ، وذلك إن شاء الله تعالى بما وصفنا من تثبيت الحق له وعليه بثبوت العتق وأنه إذا كان يثبت بثبوت العتق لم يجز أن يثبت بخلافه . قلت
قال : فإن قلت يثبت على الموالي بالإسلام ; لأنه أعظم من العتق ، فإذا أسلم على يديه فكأنما أعتقه .