الغلول
قلت : أفرأيت للشافعي ؟ فقال : لا يقطع ويغرم كل واحد من هؤلاء قيمة ما سرق إن هلك الذي أخذه قبل أن يؤديه وإن كان القوم جهلة علموا ولم يعاقبوا فإن عادوا عوقبوا فقلت المسلم الحر أو العبد الغازي أو الذمي أو المستأمن يغلون من الغنائم شيئا قبل أن تقسم : أفيرجل عن دابته ويحرق سرجه أو يحرق متاعه ؟ فقال : لا يعاقب رجل في ماله وإنما يعاقب في بدنه وإنما جعل الله الحدود على الأبدان وكذلك العقوبات فأما على الأموال فلا عقوبة عليها ( قال للشافعي ) رحمه الله تعالى الشافعي قلت فما الحجة ؟ قال : أخبرنا : وقليل الغلول وكثيره محرم عن ابن عيينة عمرو بن دينار وابن عجلان كلاهما عن وأخبرنا عمرو بن شعيب الثقفي عن حميد عن قال : حاصرنا أنس تستر فنزل الهرمزان على حكم فقدمت به على عمر فلما انتهينا إليه قال له عمر : تكلم قال : كلام حي أو كلام ميت ؟ قال : تكلم لا بأس قال : إنا وإياكم معاشر عمر العرب ما خلى الله بيننا وبينكم كنا نتعبدكم ونقتلكم ونغصبكم فلما كان الله عز وجل معكم لم يكن لنا بكم يدان فقال : ما تقول ؟ فقلت : يا أمير المؤمنين تركت بعدي عدوا كثيرا وشوكة شديدة فإن تقتله ييأس القوم من الحياة ويكون أشد لشوكتهم فقال عمر أستحيي قاتل عمر البراء بن مالك ومجزأة بن ثور ؟ فلما خشيت أن يقتله قلت ليس إلى قتله سبيل قد قلت له تكلم لا بأس فقال : ارتشيت وأصبت منه فقلت : والله ما ارتشيت ولا أصبت منه قال : لتأتيني على ما شهدت به بغيرك أو [ ص: 266 ] لأبدأن بعقوبتك قال فخرجت فلقيت عمر فشهد معي وأمسك الزبير بن العوام وأسلم وفرض له . عمر
( قال ) رحمه الله تعالى : وقبول من قبل من الشافعي الهرمزان أن ينزل على حكم يوافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل من عمر بني قريظة حين حصرهم وجهد بهم الحرب أن ينزلوا على حكم ( قال سعد بن معاذ ) : الشافعي وذلك أن السنة دلت على أن قبول الإمام إنما كان لمن وصفت من أهل القناعة والثقة فلا يجوز للإمام عندي أن يقبل خلافهم من غير أهل القناعة والثقة والعقل فيكون قبل خلاف ما قبلوا منه ولو فعل كان قد ترك النظر ولم يكن له عذر فإن قال قائل وكيف يجوز أن ينزل على حكم من لعله لا يدري ما يصنع ؟ قيل لما كان الله عز وجل أذن بالمن والفداء في الأسارى من المشركين وسن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك لما بعد الحكم أبدا أن يمن أو يفادي أو يقتل أو يسترق فأي ذلك فعل فقد جاء به كتاب الله تبارك وتعالى ثم سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ( قال ولا بأس أن يقبل الإمام من أهل الحصن عقله ونظره للإسلام ) : وقد وصفنا أن للإمام في الأسارى الخيار في غير هذا الكتاب وأحب أن يكون على النظر للإسلام وأهله فيقتل إن كان ذلك أوهن وأطفأ للحرب ويدع إن كان ذلك أشد لنشر الحرب وأطلب للعدو على نحو ما أشار به الشافعي على أنس ومتى سبق من الإمام قول فيه أمان ثم ندم عليه لم يكن له نقض الأمان بعدما سبق منه وكذلك كل قول يشبه الأمان مثل قول عمر تكلم لا بأس ( قال عمر ) : ولا قود على قاتل أحد بعينه لأن الشافعي الهرمزان قاتل البراء بن مالك ومجزأة بن ثور فلم ير عليه قودا وقول عمر في هذا موافق سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاءه قاتل عمر مسلما فلم يقتله به قودا وجاءه بشر كثير كلهم قاتل معروف بعينه فلم ير عليه قودا وقول حمزة لتأتيني بمن يشهد على ذلك أو لأبدأن بعقوبتك يحتمل أن لم يذكر ما قال عمر للهرمزان من أن لا تقبل إلا بشاهدين ويحتمل أن احتياطا كما احتاط في الأخبار ويحتمل أن يكون في يديه فجعل الشاهد غيره لأنه دافع عمن هو بيديه وأشبه ذلك عندنا أن يكون احتياطا والله تعالى أعلم .
( قال ) : أخبرنا الشافعي الثقفي عن حميد عن موسى بن أنس عن أن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه سأله " إذا حاصرتم عمر بن الخطاب المدينة كيف تصنعون " قال : نبعث الرجل إلى المدينة ونصنع له هنة من جلود قال : " أرأيت إن رمي بحجر " قال إذا يقتل قال : فلا تفعلوا فوالذي نفسي بيده ما يسرني أن تفتحوا مدينة فيها أربعة آلاف مقاتل بتضييع رجل مسلم .
( قال ) : رحمه الله تعالى ما قال الشافعي من هذا احتياط وحسن نظر للمسلمين وإني أستحب للإمام ولجميع العمال وللناس كلهم أن لا يكونوا معترضين لمثل هذا ولا لغيره مما الأغلب عليه منه التلف وليس هذا بمحرم على من عرضه والمبارزة ليست هكذا لأن المبارزة إنما يبرز لواحد فلا يبين أنه مخاطر إنما المخاطر المتقدم على جماعة أهل الحصن فيرمى أو على الجماعة وحده الأغلب أن لا يدان له بهم فإن قال قائل : ما دل على أن لا بأس بالتقدم على الجماعة ؟ قيل بلغنا { عمر بن الخطاب } ( قال أن رجلا قال : يا رسول الله إلام يضحك الله من عبده ؟ قال غمسه يده في العدو حاسرا فألقى درعا كانت عليه وحمل حاسرا حتى قتل ) : رحمه الله تعالى والاختيار أن يتحرز ( قال الشافعي ) : رحمه الله تعالى [ ص: 267 ] أخبرنا الشافعي عن سفيان بن عيينة يزيد بن خصيفة عن { السائب بن يزيد أحد بين درعين } ( قال أن النبي صلى الله عليه وسلم ظاهر يوم ) : رحمه الله تعالى أخبرنا الشافعي الثقفي عن حميد عن قال { أنس خيبر فانتهى إليها ليلا وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا طرق قوما ليلا لم يغر عليهم حتى يصبح فإن سمع أذانا أمسك وإن لم يكونوا يصلون أغار عليهم حين يصبح فلما أصبح ركب وركب معه المسلمون وخرج أهل القرية ومعهم مكاتلهم ومساحيهم فلما رأوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا محمد والخميس فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الله أكبر الله أكبر خربت خيبر إنا إذا نزلنا بساحة قوم فساء صباح المنذرين قال وإني لرديف أنس وإن قدمي لتمس قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم أبي طلحة } ( قال : سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ) : وفي رواية الشافعي أن النبي صلى الله عليه وسلم كان لا يغير حتى يصبح ليس بتحريم للإغارة ليلا ونهارا ولا غارين في حال والله تعالى أعلم ، ولكنه على أن يكون يبصر من معه كيف يغيرون احتياطا من أن يؤتوا من كمين أو حيث لا يشعرون وقد تختلط الحرب إذا أغاروا ليلا فيقتل بعض المسلمين بعضا وقد أصابهم ذلك في قتل أنس ابن عتيك فقطعوا رجل أحدهم ، فإن قال قائل ما دل على أن هذا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم ليس بتحريم أن يغير أحد ليلا ؟ قيل : قد أمر بالغارة على غير واحد من اليهود فقتلوه .