[ ص: 6 ] باب العمد الذي يكون فيه القصاص .
أخبرنا الربيع قال أخبرنا قال : جماع القتل ثلاثة وجوه : عمد فيه قصاص فلولي المجني عليه عمد القصاص إن شاء وعمد بما ليس فيه قصاص وخطأ فليس في واحد من هذين الوجهين قصاص ( قال ) الشافعي أن يعمد الرجل الرجل فيصيبه بالسلاح الذي يتخذ لينهر الدم ويذهب في اللحم ، وذلك الذي يعقل كل أحد أنه السلاح المتخذ للقتل والجراح وهو الحديد المحدد كالسيف والسكين والخنجر وسنان الرمح والمخيط وما أشبهه مما يشق بحده إذا ضرب أو رمي به الجلد واللحم دون ثقله فيجرح . فالعمد في النفس بما فيه القصاص
( قال ) وهو السلاح - والله أعلم - الذي أمر الله عز ذكره أن يؤخذ في صلاة الخوف وكذلك كل ما كان في معناه من شيء له صلابة فحدد حتى صار إذا وجئ به أو رمي به يخرق حده قبل ثقله مثل العود يحدد والنحاس والفضة والذهب وغيره فكل من أصاب أحدا بشيء من هذا جرحه فمات من الجرح ففيه القصاص ( قال الشافعي ) وإن ضربه بعرض سيف أو عرض خنجر أو مخيط فلم يجرحه فمات فلا قود فيه حتى يكون الحديد جارحا أو شادخا مثل الحجر الثقيل يفضخ به رأسه وعمود الحديد وما أشبهه ( قال الشافعي ) : وكذلك لو الشافعي وما كان لا يجرح أو كان خفيفا لا يشدخ ، وكذلك لو ضربه بعمود حديد خفيف لا يشدخ مثله أو بشيء من الحديد لا يشدخ ففيه العقل ولا قود فيه . ضربه بحد السيف أو غيره فلم يجرحه ومات
( قال ) وما كان من شيء من الحديد أو غيره على الشافعي فلا قود عليه ; لأن هذا لا يتخذ لينهر دما ولا يتخذ يمات به وإن قتل قتل بالثقل لا بالحد ( قال ) : وكذلك عصا خفيفة شبيهة بالنصيب فضرب به الضربة الواحدة فميت منه ( قال ) وهكذا لو المعراض يرمي به فلا يجرح ويصيب بعرضه فيموت أو يصيب بنصله فلا يجرح فيموت فلا قود ولو شجه ، وكذلك لو ضربه بحجر لا حد له خفيف فرضخه فمات فلا قود ولو ضربه بسوط فبضع فيه أو ضربه أسواطا يرى أن مثله لا يموت من مثلها ففيه القود ولو كان محتملا فضربه مائة والأغلب أن مثله لا يموت من مثلها فمات فلا قود كان نضوا فضربه عشرة أسواط ومثله يموت فيما يرى من مثلها فمات ففيه القود ; لأنه يجرح بحده والحجر يجرح بثقله ولو وكل حديد له حد يجرح فجرح به جرحا صغيرا أو كبيرا فمات منه ففيه القود إن مات المجروح وإن ما جاوز هذا فكان الأغلب منه أن من ضرب به أو ألقي فيه أو ألقي عليه لم يعش ، فضرب به رجل رجلا أو ألقاه فيه وكان لا يستطيع الخروج منه أو ألقاه عليه فمات الرجل ففيه القصاص ، وذلك مثل أن يضرب الرجل بالخشبة العظيمة التي تشدخ رأسه أو صدره فيشدخه أو خاصرته فيقتله مكانه أو ما أشبه هذا مما الأغلب أنه لا يعاش من مثله أو بالعصا الخفيفة فيتابع عليه الضرب حتى يبلغ من عدد الضرب ما يكون الأغلب أنه لا يعاش من مثله ، وكذلك السياط وما في هذا المعنى ، وذلك أن يضربه على خاصرته أو في بطنه أو على ثدييه ضربا متتابعا أو على ظهره المائتين أو الثلثمائة أو على أليتيه فإذا فعل هذا فلم يقلع عنه إلا ميتا أو مغمى عليه ، ثم مات ففيه القود وفي أن يسعر الحفرة حتى إذا انجحمت ألقاه فيها أو يسعر النار على وجه الأرض ثم يلقيه فيها مربوطا أو [ ص: 7 ] يربطه ليغرقه في الماء فإن فعل هذا فمات في مكانه أو كان من المرو أو من الحجارة شيء يحدد حتى يمور مور الحديد فجرح به ففيه القود . مات بعد من ألم ما أصابه
( قال ) فإذا سعر النار على وجه الأرض فألقاه فيها وهو زمن أو صغير فكذلك وإن ألقاه فيها صحيحا فكان يحيط العلم أنه يستطيع أن يتخلص منها فترك التخلص فمات فلا قود وإن عالج التخلص فغلبه كثرتها أو التهابها ، ففيه القود ، وكذلك إن ألقي فيها فلم يزل يتحرك يعالج الخروج فلم يخرج حتى مات أو أخرج وبه منها حرق ، الأغلب أنه لا يعاش منه فمات منه ففيه القود وإن كان بعض هذا وهو يقدر على التخلص بأن يكون إلى جنب أرض لا نار عليها فإنما يكفيه أن ينقلب فيصير عليها أو يقول أقمت وأنا على التخلص قادر أو ما أشبه هذا مما عليه الدلالة بأنه يقدر على التخلص لم يكن فيه عقل ولا قود وقد قيل : يكون فيه العقل . الشافعي
وإن فلا قود وإن كان لا يحسن العوم وألقاه قريبا من نجوة أرض أو جبل أو سفينة مقيمة وهو يحسن العوم فترك التخلص فلا قود وإن ألقاه في ماء قريب من ساحل وهو يحسن العوم ولم تغلبه جرية الماء فمات فعليه القود ، ولو كان الأغلب أنه يتخلص منه فأخذه حوت فلا قود وعليه العقل ( قال ألقاه في ماء لا يتخلص في الأغلب منه فمات ) وقد قيل : يتخلص أو لا يتخلص سواء أن لا قود عليه وعليه العقل . أبو محمد
( قال الربيع ) وأصح القولين أن لا عقل في النفس ولا قود ; لأنه هو الذي قتل نفسه إذا كان يقدر أن يتخلص فيسلم من الموت فترك التخلص وعلى الطارح أرش ما أحرقت النار منه أول ما طرح قبل أن يمكنه التخلص .
( قال ) وإن الشافعي ففيه القود . خنقه فتابع عليه الخنق حتى يقتله
، وكذلك إن ففيه القود ، وإن تركه حيا ، ثم مات بعد فلا قود إلا أن يكون الخنق أو الغم قد أورثه ما لا يجري معه نفسه فيموت من ذلك ففيه القود ( قال غمه بثوب أو غيره فتابع عليه الغم حتى يموت الربيع ) وقد قيل يتخلص أو لا يتخلص أن لا قود عليه وعليه العقل ; لأنه لم يمت من اليد .
( قال ) وجماع هذا أن ينظر إلى من قتل بشيء مما وصفت غير السلاح المحدد فإن كان الأغلب أن من نيل منه يقتله ويقتل مثله في مثل سنه وصحته وقوته أو حاله إن كانت مخالفة لذلك قتلا وحيا كقتل السلاح أو أوحى ففيه القود . وإن كان الأغلب أن من نيل منه بمثل ما نيل منه يسلم ولا يأتي ذلك على نفسه فلا قود فيه . الشافعي
( قال ) وضرب القليل على الخاصرة يقتل في الأغلب ولا يقتل مثله لو كان في ظهر أو أليتين أو فخذين أو رجلين والضرب القليل يقتل النضو الخلق الضعيفة في الأغلب والأغلب أن لا يقتل قويه ، ويقتل في الأغلب في البرد الشديد والحر الشديد ولا يقتل في الأغلب في غيرهما . الشافعي
( قال ) فمن نال من امرئ شيئا فأنظر إليه في الوقت الذي ناله فيه فإن كان الأغلب أن ما ناله به يقتله ففيه القود ، وإن كان الأغلب أن ما ناله به لا يقتله فلا قود فيه . الشافعي
( قال ) وإن الشافعي أو طين رجل على رجل بيتا ولم يدعه يصل إليه طعام ولا شراب أياما حتى مات قتل به وإن مات في مدة الأغلب أنه يعيش من مثلها ففيها العقل ولا قود فيه . حبسه في موضع وإن لم يطين عليه ومنعه الطعام أو الشراب مدة الأغلب من مثلها أنه يقتله فمات
( قال ) فإن الشافعي [ ص: 8 ] فلا عقل ولا قود ; لأنه ترك أن يشرب فأعان على نفسه ولم يمنعه الطعام مدة الأغلب أنه يموت أحد منعها الطعام ، ولو كانت المدة التي منعه فيها الطعام مدة الأغلب أنه يموت أحد من مثلها قتل به وإن كان الأغلب أنه لا يمات من مثلها ضمن العقل . حبسه فجاءه بطعام أو شراب ومنعه الطعام فلم يشربه حتى مات ولم تأت عليه مدة يموت أحد منع الطعام في مثلها
( قال ) وإذا أقدته بما صنع به حبس ومنع كما حبسه ومنعه فإن مات في تلك المدة وإلا قتل بالسيف . الشافعي