[ ص: 9 ] الحكم في قتل العمد
( قال ) رحمه الله : من العلم العام الذي لا اختلاف فيه بين أحد لقيته فحدثنيه وبلغني عنه من علماء الشافعي العرب أنها كانت قبل نزول الوحي على رسول الله صلى الله عليه وسلم تباين في الفضل ويكون بينها ما يكون بين الجيران من والخطأ فكان بعضها يعرف لبعض الفضل في الديات حتى تكون دية الرجل الشريف أضعاف دية الرجل دونه ، فأخذ بذلك بعض من بين أظهرها بأقصد مما كانت تأخذ به فكانت دية النضيري ضعف دية القرظي ، وكان الشريف من قتل العمد العرب إذا قتل يجاوز قاتله إلى من لم يقتله من أشراف القبيلة التي قتله أحدها وربما لم يرضوا إلا بعدد يقتلونهم فقتل بعض غني شأس بن زهير فجمع عليهم أبوه زهير بن جذيمة فقالوا له أو بعض من ندب عنهم : سل في قتل شأس فقال : إحدى ثلاث لا يغنيني غيرها ، قالوا : وما هي ؟ قال : تحيون لي شأسا أو تملئون ردائي من نجوم السماء أو تدفعون إلي غنيا بأسرها فأقتلها ، ثم لا أرى أني أخذت منه عوضا .
وقتل كليب وائل فاقتتلوا دهرا طويلا واعتزلهم بعضهم فأصابوا ابنا له يقال له بجير فأتاهم فقال : قد عرفتم عزلتي فبجير بكليب وكفوا عن الحرب فقالوا : بجير بشسع نعل كليب فقاتلهم وكان معتزلا .
( قال ) وقال : إنه نزل في ذلك وغيره مما كانوا يحكمون به في الجاهلية هذا الحكم الذي أحكيه كله بعد هذا وحكم الله تبارك وتعالى بالعدل فسوى في الحكم بين عباده الشريف منهم والوضيع { الشافعي أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون } فقال : إن الإسلام نزل وبعض العرب يطلب بعضا بدماء وجراح فنزل فيهم { يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم القصاص في القتلى } إلى قوله { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } الآية والآية التي بعدها : أخبرنا الربيع قال أخبرنا قال أخبرنا الشافعي معاذ بن موسى عن بكير بن معروف عن قال مقاتل بن حيان قال معاذ أخذت هذا التفسير عن نفر حفظ مقاتل منهم معاذ مجاهدا والحسن والضحاك بن مزاحم قال في قوله { فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } الآية .
( قال ) كان كتب على أهل التوراة أنه من قتل نفسا بغير نفس حق له أن يقاد بها ولا يعفى عنه ولا تقبل منه الدية وفرض على أهل الإنجيل أن يعفى عنه ولا يقتل ورخص لأمة محمد صلى الله عليه وسلم إن شاء قتل وإن شاء أخذ الدية وإن شاء عفا فذلك قوله عز وجل { ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } يقول : الدية تخفيف من الله إذ جعل الدية ولا يقتل ، ثم قال { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } يقول : من قتل بعد أخذه الدية فله عذاب أليم . وقال في قوله { ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون } يقول : لكم في القصاص حياة ينتهي بعضكم عن بعض أن يصيب مخافة أن يقتل أخبرنا قال حدثنا سفيان بن عيينة عمرو بن دينار قال سمعت يقول سمعت مجاهدا يقول : كان في ابن عباس بني إسرائيل القصاص ولم تكن فيهم الدية فقال الله عز وجل لهذه الأمة { كتب عليكم القصاص في القتلى الحر بالحر والعبد بالعبد والأنثى بالأنثى فمن عفي له من أخيه شيء } قال العفو أن تقبل الدية في العمد { فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان ذلك تخفيف من ربكم ورحمة } مما كتب على من كان قبلكم { فمن اعتدى بعد ذلك فله عذاب أليم } .
( قال ) وما قال الشافعي في هذا كما قال والله سبحانه أعلم ، وكذلك ما قال ابن عباس ; لأن الله عز وجل إذ ذكر القصاص ، ثم [ ص: 10 ] قال { مقاتل فمن عفي له من أخيه شيء فاتباع بالمعروف وأداء إليه بإحسان } لم يجز - والله أعلم - أن يقال : إن عفي بأن صولح على أخذ الدية ; لأن العفو ترك حق بلا عوض . فلم يجز إلا أن يكون إن عفي عن القتل فإذا عفا لم يكن إليه سبيل وصار للعافي القتل مال في مال القاتل وهو دية قتيله فيتبعه بمعروف ويؤدي إليه القاتل بإحسان ، فلو كان إذا عفا عن القاتل لم يكن له شيء لم يكن للعافي يتبعه ولا على القاتل شيء يؤديه بإحسان .
( وقال ) وقد جاءت السنة مع بيان القرآن في مثل معنى القرآن أخبرنا الربيع قال : أخبرنا قال أخبرنا الشافعي عن ابن أبي فديك عن ابن أبي ذئب سعيد بن أبي سعيد المقبري عن أبي شريح الكعبي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال { مكة ولم يحرمها الناس فلا يحل لمن كان يؤمن بالله واليوم الآخر أن يسفك بها دما ولا يعضد بها شجرا فإن ارتخص أحد فقال : أحلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم فإن الله أحلها لي ولم يحلها للناس ، وإنما أحلت لي ساعة من النهار ، ثم هي حرام كحرمتها بالأمس ، ثم إنكم يا خزاعة قد قتلتم هذا القتيل . من هذيل وأنا والله عاقله فمن قتل بعده قتيلا فأهله بين خيرتين إن أحبوا قتلوا وإن أحبوا أخذوا العقل } ( قال إن الله عز وجل حرم ) وأنزل الله جل ثناؤه { الشافعي ومن قتل مظلوما فقد جعلنا لوليه سلطانا فلا يسرف في القتل } فيقال - والله أعلم - في قوله { فلا يسرف في القتل } لا يقتل غير قاتله .
( قال ) في قوله تبارك وتعالى { الشافعي كتب عليكم القصاص في القتلى } إنها خاصة في الحيين اللذين وصف مقاتل بن حيان وغيره ممن حكيت قوله في غير هذا الموضع ، ثم أدبها أن يقتل الحر بالحر إذا قتله والأنثى بالأنثى إذا قتلها ولا يقتل غير قاتلها إبطالا لأن يجاوز القاتل إلى غيره إذا كان المقتول أفضل من القاتل كما وصفت ليس أنه لا يقتل ذكر بالأنثى إذا كانا حرين مسلمين ولا أنه لا يقتل حر بعبد من هذه الجهة إنما يترك قتله من جهة غيرها ، وإذا كانت هكذا أشبه أن تكون لا تدل على أن لا يكون يقتل اثنان بواحد إذا كانا قاتلين .
( قال ) وهي عامة في أن الله عز ذكره أوجب بها الشافعي وإنما يتكافآن بالحرية والإسلام وعلى كل ما وصفت من عموم الآية وخصوصها دلالة من كتاب أو سنة أو إجماع . القصاص إذا تكافأ دمان
( قال ) فأيما رجل قتل قتيلا فولي المقتول بالخيار إن شاء قتل القاتل وإن شاء أخذ منه الدية وإن شاء عفا عنه بلا دية . الشافعي
( قال ) وإذا كان لولي المقتول أخذ المال وترك القصاص كره ذلك القاتل أو أحبه ; لأن الله عز وجل إنما جعل السلطان للولي والسلطان على القاتل فكل وارث من زوجة أو غيرها سواء وليس لأحد من الأولياء أن يقتل حتى يجتمع جميع الورثة على القتل وينتظر غائبهم حتى يحضر أو يوكل وصغيرهم حتى يبلغ الشافعي : فإن مات غائبهم أو صغيرهم أو بالغهم قبل اجتماعهم على القتل فلوارث الميت منهم في الدم والمال مثل ما كان للميت من أن يعفو أو يقتل . ويحبس القاتل إلى اجتماع غائبهم وبلوغ صغيرهم
( قال ) فإذا أخذ حقه من الدية فذلك له ولا سبيل له إلى الدم إذا أخذ الدية الشافعي . أو عفا بلا دية