باب ما جاء في الصيد
سألت عمن الشافعي فقال : من قتل من دواب الصيد شيئا جزاه بمثله من النعم لأن الله تبارك وتعالى يقول { قتل من الصيد شيئا وهو محرم : فجزاء مثل ما قتل من النعم } والمثل لا يكون إلا لدواب الصيد فأما الطير فلا مثل له ومثله قيمته إلا أن في حمام مكة اتباعا للآثار شاة .
( قال ) : رحمه الله تعالى أخبرنا الشافعي أن مالك حدثه عن أبا الزبير أن جابر بن عبد الله قضى في الضبع بكبش وفي الغزال بعنز وفي الأرنب بعناق وفي اليربوع بجفرة فقلت عمر بن الخطاب : فإنا نخالف ما روينا عن للشافعي في الأرنب واليربوع فيقول : لا يفديان بجفرة ولا بعناق ( قال عمر ) : هذا الجهل البين وخلاف كتاب الله عندنا وأمر الشافعي وأمر عمر عثمان بن عفان وهم أعلم بمعاني كتاب الله منكم مع أنه ليس في تنزيل الكتاب شيء يحتاج إلى تأويل لأن الله جل ثناؤه إذ حكم في الصيد بمثله من النعم فليس يعدم المثل أبدا فما له مثل من النعم أن ينظر إلى الصيد إذا قتل بأي النعم كان أقرب بها شبها في البدن فدى به وهذا إذا كان كذا فدى الكبير بالكبير والصغير بالصغير أو يكون المثل القيمة كما قال بعض المشرقيين وقولكم لا القيمة ولا المثل من البدن بل هو خارج منهما مع خروجه مما وصفنا من الآثار وتزعمون في كل ما كان فيه ثنية فصاعدا أنه مثل النعم فترفعون وتخفضون فإذا جاء ما دون ثنية قلتم مثل من القيمة وهذا قول لا يقبل من أحد لو لم يخالف الآثار فكيف وقد خالفها وكل ما فدى فإنما القدر قيمته والقيمة تكون قليلة وكثيرة وأقاويلكم فيها متناقضة فكيف تجاوز الثنية التي تجوز ضحية في البقرة فتفديها ويكون يصيد صيدا صغيرا دون الثنية فلا تفديه بصغير دون الثنية . وابن مسعود
( قال ) : فتصيرون إلى قول الشافعي في عمر وتتركون فيه ما روى عن النبي صلى الله عليه وسلم وتصيرون إلى ترك قوله في كثير وتدعون لقوله ما وصفت من سنن تروونها عن النبي صلى الله عليه وسلم ثم تخالفون النهي عن الطيب قبل الإحرام ولا مخالف له من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ولا التابعين بل معه من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم عمر عثمان ومن التابعين وابن مسعود وأصحابه ( قال عطاء ) : وقد جهدت أن أجد أحدا يخبرني إلى أي شيء ذهبتم في ترككم ما رويتم عن الشافعي في اليربوع والأرنب فما وجدت أحدا يزيدني على أن عمر قال : الضحايا والبدن والثني فما فوقه ( قال ابن عمر ) : وأنتم أيضا تخالفون في هذا لأن قول الشافعي لا يعدو أن يكون لا يجيز من الضحايا والبدن إلا الثني فما فوقه فإن كان هذا فأنتم تجيزون الجذعة من الضأن ضحية وإن كان قول ابن عمر أن الثني فما فوقه وفاء ولا يسع ذلك ما دونه [ ص: 253 ] أن يكون ضحية فقد تأولتم قول ابن عمر على غير وجهه وضيقتم على غيركم ما دخلتم في مثله . ابن عمر
( قال ) : وقد أخطأ من جعل الصيد من معنى الضحايا والبدن بسبيل ما نجد أحدا منكم يعرف عنه في هذا شيء يجوز لأحد أن يحكيه لضعف مذهبكم به وخروجه من معنى القرآن والأثر عن الشافعي عمر وعثمان والقياس والمعقول ثم تناقضه فإن قال قائل : فجزاء الصيد ضحايا قلنا : معاذ الله أن يكون ضحايا جزاء الصيد بدل من الصيد والبدل يكون منه ما يكون بقرة مثله فأرفع وأخفض منها تمرة والتمرتين وذلك أن من جزاء الصيد ما يكون بتمرة ومنه ما يكون ببدنة ومنه ما يكون بين ذلك فإن قال قائل : فما فرق بين جزاء الصيد والضحايا والبدن قيل : أرأيت الضحايا أيكون على أحد فيها أكثر من شاة ؟ فإن قال : لا قيل أفرأيت البدن أليست تطوعا أو نذرا أو شيئا وجب بإفساد حج ؟ فإن قال : بلى قيل : أفرأيت جزاء الصيد أليس إنما هو غرم وغرمه من قتله بأنه محرم القتل في تلك الحال وحكم الله به عليه هديا بالغ وابن مسعود الكعبة للمساكين الحاضري الكعبة ؟ فإن قال : بلى قيل : فكما تحكم لمالك الصيد على رجل لو قتله بالبدن منه ؟ فإن قال : نعم قيل : فإذا قتل نعامة كانت فيها بدنة أو بقرة وحش كانت فيها شاة فإن قال : نعم قيل : أفترى هذا كالأضاحي أو كالهدي التطوع أو البدن أو إفساد الحج فإن قال : قد يفترقان قيل : أليس إذا أصيبت نعامة كانت فيها بدنة لأنها أقرب الأشياء من المثل وكذلك البقر والغزال ؟ فإن قال : نعم قيل : فإذا كان هذا بدلا لشيء أتلف فكان علي أن أغرم أكثر من الضحية فيه لم لا يكون لي أن أعطي دون الضحية فيه وأنت قد تجعل ذلك لي فتجعل في الجرادة تمرة ؟ .
( قال ) : فإن قال : فإنما أجعل عليك القيمة إذا كانت القيمة دون ما يكون ضحية قيل : فمن قال لك : إن شيئا يكون بدلا من شيء فتجعل على من قتله المثل ما كان ضحية فأعلى ولا تجعل الضحية تجزي فيما قتل منه مما هو أعلى منها وإذا كان شيء دون الضحية لم تطرحه عني بل تجعله علي بمثل من الثمن لأنه لا يجوز ضحية فهو في قولك ليس من معاني الضحايا فإن قال : أفيجوز أن يكون هذا ناقصا وضحية ؟ قيل : نعم فكما يجوز أن يكون تمرة وقبضة من طعام ودرهم ودرهمان هديا ولو لم يجز كنت قد أخطأت إذ زعمت أنه إذا أصبت صيدا مريضا أو أعور أو منقوصا قوم علي في مثل تلك الحال ناقصا ولم تقل يقوم علي وافيا فمثلت الصيد الصغير مرة بالإنسان الحي يقتل منقوصا فيكون فيه دية تامة وزعمت أخرى أنه إذا قوم الصيد المقتول قومه منقوصا وهذا قول يختلف إن كان قياسا على الإنسان الحر فلا يفرق بين قيمته منقوصا وصغيرا وكبيرا لأن الإنسان يقتل مريضا ومنقوصا كهيئته صحيحا وافرا وإن كان قياسا على المال يتلف فيقومه بالحال التي أتلف فيها لا بغيرها . الشافعي
( قال ) : رحمه الله تعالى فإن قال : ما معنى قول الله هديا قلت الهدي شيء فصلته من الشافعي إلى من أمرت بفصله إليه كالهدية تخرجها من مالك إلى غيرك فيقع اسم الهدي على تمرة وبعير وما بينهما من كل ثمرة ومأكول يقع عليه اسم الهدية على ما قل وكثر فإن قال أفيجوز أن تذبح صغيرة من الغنم فتتصدق بها قلت : نعم كما يجوز أن تتصدق بتمرة والهدي غير الضحية والضحية غير الهدي الهدي بدل والبدل يقوم مقام ما أتلف والضحية ليست بدلا من شيء ( قال مالك ) : وقد قال هذا مع الشافعي عمر بن الخطاب عثمان بن عفان وغيرهما فخالفتم إلى غير قول آخر مثلهم ولا من سلف من الأئمة علمته ( قال وابن مسعود ) : أخبرنا الشافعي سفيان عن [ ص: 254 ] عن عبد الكريم الجزري أن محرما ألقى جوالقا فأصاب يربوعا فقتله فقضى فيه أبي عبيدة بن عبد الله بن مسعود بجفرة مجفرة . ابن مسعود
( قال ) : أخبرنا الشافعي عن ابن عيينة ابن أبي نجيح عن أن مجاهد حكم في اليربوع بجفرة أو جفرة . ابن مسعود
( قال ) : أخبرنا الشافعي سفيان عن عن مطرف أن أبي السفر قضى في عثمان أم حيين بحلان من الغنم ( قال ) : أخبرنا الشافعي سفيان عن مخارق عن طارق قال : خرجنا حجيجا فأوطأ رجل منا يقال له أربد ضبا ففزر ظهره فقدمنا على فسأله عمر أربد فقال : احكم فيه فقال : أنت خير مني يا أمير المؤمنين وأعلم فقال له عمر : إنما أمرتك أن تحكم فيه ولم آمرك أن تزكيني فقال عمر أربد : أرى فيه جديا قد جمع الماء والشجر فقال : فذاك فيه . عمر
( قال ) : لا أعلم مذهبا أضعف من مذهبكم رويتم عن الشافعي تؤجل امرأة المفقود ثم تعتد عدة الوفاة وتنكح وروى المشرقيون عن عمر لتصبر حتى يأتيها يقين موته وجعل الله عدة الوفاة على المرأة يتوفى عنها زوجها فقال المشرقيون : لا يجوز أن تعتد عدة الوفاة إلا من جعل الله ذلك عليها ولم يجعل الله ذلك إلا على التي توفي عنها زوجها يقينا فقلتم : علي أعلم بمعنى كتاب الله فإذا قيل لكم عمر عالم بكتاب الله وأنتم لا تقسمون مال المفقود على ورثته ولا تحكمون عليه بحكم الوفاة حتى تعلموا أنه مات ببينة تقوم على موته فكيف حكمتم عليه حكم الوفاة في امرأته فقط ؟ قلتم : لا يقال لما روي عن وعلي لم ؟ ولا كيف ؟ ولا يتأول معه القرآن ثم وجدتم عمر يقول في الصيد بمعنى كتاب الله ومع عمر عمر عثمان وابن مسعود وغيرهم فخالفتموهم لا مخالف لهم من الناس إلا أنفسكم لقول متناقض ضعيف والله المستعان . وعطاء
( قال ) : رحمه الله تعالى أخبرنا الشافعي مسلم بن خالد عن عن ابن جريج أنه قال : من أصاب ولد ظبي صغيرا فداه بولد شاة مثله وإن أصاب صيدا أعور فداه بأعور مثله أو منقوصا فداه بمنقوص مثله أو مريضا فداه بمريض وأحب إلي لو فداه بواف . عطاء
( قال ) : أخبرنا الشافعي عن مالك عبد الملك بن قرير عن أن رجلا جاء إلى محمد بن سيرين فقال : إني أجريت أنا وصاحبي فرسين نستبق إلى ثغرة ثنية فأصبنا ظبيا ونحن محرمان فماذا ترى ؟ فقال عمر بن الخطاب لرجل إلى جنبه : تعالى نحكم أنا وأنت فحكما عليه بعنز وذكر في الحديث أن عمر قال : هذا عمر ( قال عبد الرحمن بن عوف ) : أخبرنا الشافعي الثقفي عن أيوب عن عن ابن سيرين أنه قال : لو كان معي حاكم لحكمت في الثعلب بجدي قلت شريح : فإن صاحبنا يقول : إن للشافعي حكم عليهما بعنزين وبهذا نقول . الرجلين إذا أصابا ظبيا
( قال ) : وهذا خلاف قول الشافعي عمر في روايتكم وعبد الرحمن بن عوف في رواية غيركم إلى قول غير أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم فإذا جاز لكم أن تخالفوهم فكيف تجعلون قول الواحد منهم حجة على السنة ولا تجعلونه حجة على أنفسكم ؟ قال : ثم أردتم أن تقيسوا فأخطأتم القياس فلو لم تكونوا خالفتم أحدا كنتم قد أخطأتم القياس قستم بالرجلين يقتلان النفس فيكون على كل واحد منهما كفارة عتق رقبة وفي النفس شيئان : أحدهما بدل والبدل كالثمن وهو الدية في الحر والثمن في العبد والأبدال لا يزاد فيها عندنا وعندكم لو أن وابن عمر لم يغرموا إلا دية أو قيمة فإن قال قائل : فالظبي يقتل بالقيمة والدية أشبه أم الكفارة قيل بالقيمة والدية فإن قال : ومن أين ؟ قيل مائة رجل قتلوا رجلا حرا أو عبدا وهذا مثل قيمة العبد المرتفع والمنخفض والكفارة شيء لا يزاد فيها ولا ينقص منها إن كان طعاما أو كسوة أو عتقا وقول : تفدى النعامة ببدنة والجرادة بتمرة عمر معنى القرآن لأن الله جل ثناؤه يقول { وعبد الرحمن فجزاء مثل ما قتل من النعم } فجعل فيه المثل فمن جعل فيه مثلين فقد خالف قول الله والله أعلم - ثم لا تمتنعون من رد قول لرأي أنفسكم ومعه عمر . عبد الرحمن بن عوف
( قال ) : [ ص: 255 ] أخبرنا الشافعي مسلم بن خالد عن عن ابن جريج في نفر أصابوا صيدا قال : عليهم كلهم جزاء واحد ( قال عطاء ) : أخبرنا الثقة عن الشافعي عن حماد بن سلمة عمار مولى بني هاشم قال : سئل عن نفر أصابوا صيدا قال : عليهم جزاء قيل : على كل واحد منهم جزاء ؟ قال : إنه لمغرر بكم بل عليكم كلكم جزاء واحد . والله أعلم . ابن عباس