باب في قطع العبد ( قال ) : أخبرنا الشافعي عن مالك عن نافع أن ابن عمر فأبى عبدا له سرق وهو آبق أن يقطعه فأمر به سعيد بن العاص فقطعت يده ، فقلت ابن عمر : فإنا نقول : لا يقطع السيد يد عبده إذا أبى السلطان يقطعه فقال للشافعي : قد كان الشافعي من صالحي ولاة أهل سعيد بن العاص المدينة فلما لم ير أن يقطع الآبق أمر بقطعه وفي هذا دليل على أن ولاة أهل ابن عمر المدينة كانوا يقضون بآرائهم ويخالفون فقهاءهم وأن فقهاء أهل المدينة كانوا يختلفون فيأخذ أمراؤهم برأي بعضهم دون بعض وهذا أيضا العمل لأنكم كنتم توهمون أن قضاء من هو أسوأ حالا من ومثله لا يقضي إلا بقول الفقهاء وأن فقهاءهم زعمتم لا يختلفون وليس هو كما توهمتم في قول فقهائهم ولا قضاء أمرائهم وقد خالفتم رأي سعيد وهو الوالي سعيد وهو المفتي فأين العمل ؟ إن كان العمل فيما عمل به الوالي وابن عمر فسعيد لم يكن يرى قطع الآبق وأنتم ترون قطعه وإن كان العمل في قول فقد قطعه وأنتم ترون أن ليس لنا أن نقطعه وما درينا ما معنى قولكم العمل ولا تدرون فيما خبرنا وما وجدنا لكم منه مخرجا إلا أن تكونوا سميتم أقاويلكم العمل والإجماع فتقولون على هذا العمل وعلى هذا الإجماع تعنون أقاويلكم وأما غير هذا فلا مخرج لقولكم فيه عمل ولا إجماع لأن ما نجد عندكم من روايتكم ورواية غيركم اختلاف لا إجماع الناس معكم فيه لا يخالفونكم قلت ابن عمر قد فهمت ما ذكرت أنا لم نصر إلى الأخذ به من الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم والآثار عن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما تركنا من الآثار عن التابعين للشافعي بالمدينة من رواية صاحبنا نفسه وتركنا مما روى وخالفنا فيه فهل تجد فيما روى غيرنا شيئا تركناه ؟ قال : نعم أكثر من هذا في رواية صاحبكم لغير قليل فقلت له : قلنا علم ندخله مع علم المدنيين قال : أي علم هو ؟ قلت علم المصريين وعلم غير صاحبنا من المدنيين .
( قال ) : ولم أدخلتم علم المصريين دون علم غيرهم مع علم أهل الشافعي المدينة ؟ فقلت : أدخلت منه ما أخذوا عن أهل المدينة قال : ومن ذلك علم ؟ قلت : نعم ( قال خالد بن أبي عمران ) : فقد وجدتك تروي عن الشافعي أنه سأل خالد بن أبي عمران سالم بن عبد الله والقاسم بن محمد فنظرت فيما ثبت أنت عن هؤلاء النفر فرأيت فيه أقاويل تخالفها ووجدتك تروي عن وسليمان بن يسار ابن شهاب وربيعة فوجدتك تخالفهم ولست أدري من تبعتم إذا كنت تروي أنت وغيرك عن النبي صلى الله عليه وسلم أشياء تخالفها ثم عمن رويت عنه هذا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ثم عن التابعين ثم عمن بعدهم فقد أوسعت القرون الخالية والباقية خلافا ووضعت نفسك بموضع أن لا تقبل إلا إذا شئت وأنت تعيب على غيرك ما هو أقل من هذا وعند من عبت عليه عقل صحيح ومعرفة يحتج بها عما يقول ولم نر ذلك عندك والله يغفر لنا ولك قال : ويدخل عليك من هذا خصلتان فإن كان علم أهل ويحيى بن سعيد المدينة إجماعا كله أو الأكثر منه فقد خالفته لا بل قد خالفت أعلام أهل المدينة من كل قرن في بعض أقاويلهم وإن كان في علمهم افتراق فلم ادعيت لهم الإجماع .
( قال ) : رحمه الله تعالى وما حفظت لك مذهبا واحدا في شيء من العلم استقام لك فيه قول ولا حفظت أنك ادعيت الحجة في شيء إلا تركتها في مثل الذي ادعيتها فيه وزعمت أنك تثبت السنة من وجهين : أحدهما أن تجد الأئمة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 275 ] قالوا بما يوافقها والآخر أن لا تجد الناس اختلفوا فيها وتردها إن لم تجد للأئمة فيها قولا وتجد الناس اختلفوا فيها ثم تثبت تحريم كل ذي ناب من السباع واليمين مع الشاهد والقسامة وغير ذلك مما ذكرنا هذا كله لا تروي فيه عن أحد من الأئمة شيئا يوافقه بل أنت تروي في القسامة عن الشافعي خلاف حديثك عن النبي صلى الله عليه وسلم وتروي فيها عن النبي صلى الله عليه وسلم خلاف حديثك الذي أخذت به ويخالفك فيها عمر برأيه وروايته ويخالفك فيها كثير من أهل سعيد بن المسيب المدينة ويردها عليك أهل البلدان ردا عنيفا وكذلك أكثر أهل البلدان ردوا عليك اليمين مع الشاهد ويدعون فيها أنها تخالف القرآن ويردها عليك بالمدينة عروة والزهري وغيرهما وبمكة وغيره ويرد كل ذي ناب من السباع عطاء عائشة وغيرهما ثم رددت { وابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم تطيب للإحرام وبمنى قبل الطواف ابن أبي وقاص كما تطيب النبي صلى الله عليه وسلم وابن عباس } وعلى هذا أكثر المفتين بالبلدان فتترك هذا لأن رويت أن كره ذلك ولا يجوز لعالم أن يدع قول النبي صلى الله عليه وسلم لقول أحد سواه فإن قلت قد يمكن الغلط فيمن روى هذا عن النبي صلى الله عليه وسلم فهكذا يمكن الغلط فيمن روى ما رويت عن عمر . عمر
فإن جعلت الروايتين ثابتتين معا فما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أولى أن يقال به وإن أدخلت التهمة على الراويين معا فلا تدع الرواية عن أحد أخذت عنه وأنت تتهمه ، قلت : أفيجوز أن تتهم الرواية ؟ قال : لا إلا أن يروى حديثان عن رجل واحد مختلفان فذهب إلى أحدهما فأما رواية عن واحد لا معارض لها فلا يجوز أن تتهم ولو جاز أن تتهم لم يجز أن نحتج بحديث المتهمين بغير معارض روايته فأما أن يروي رجل عن رجل عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا ويروي آخر عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم شيئا يخالفه فليس هذه معارضة هذه رواية عن رجل وهذه عن آخر وكل واحد منهما غير صاحبه ثم لم تثبت على ما وصفت من مذهبك حتى تركت قول للشافعي في المنبوذ هو حر ولك ولاؤه وعلينا نفقته فقلت : لا يكون للذي التقطه ولاؤه ولا أحسب حجة لك في هذا إلا أن تقول قال النبي صلى الله عليه وسلم { عمر } وهذا غير معتق : الولاء لمن أعتق