حال المسلمين يقاتلون العدو وفيهم أطفالهم قال رحمه الله تعالى إذا أبو حنيفة قال حصر المسلمون عدوهم فقام العدو على سورهم معهم أطفال المسلمين يتترسون بهم قال يرمونهم بالنبل والمنجنيق يعمدون بذلك أهل الحرب ولا يتعمدون بذلك أطفال المسلمين الأوزاعي يكف المسلمون عن رميهم فإن برز أحد منهم رموه فإن الله عز وجل يقول { ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات } حتى فرغ من الآية فكيف يرمي المسلمون من لا يرونه من المشركين قال رحمه الله تعالى تأول أبو يوسف الأوزاعي هذه الآية في غير ولو كان يحرم رمي المشركين وقتالهم إذا كان معهم أطفال المسلمين الطائف وأهل خيبر وقريظة والنضير وأجلب المسلمون عليهم فيما بلغنا أشد ما قدروا عليه وبلغنا أنه نصب على أهل الطائف المنجنيق فلو كان يجب على المسلمين الكف عن المشركين إذا كان في ميدانهم الأطفال لنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتلهم لم يقاتلوا لأن مدائنهم وحصونهم لا تخلو من الأطفال والنساء والشيخ الكبير الفاني والصغير والأسير والتاجر وهذا من أمر لحرم ذلك أيضا منهم إذا كان معهم أطفالهم ونساؤهم فقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل النساء والأطفال والصبيان وقد حاصر رسول الله صلى الله عليه وسلم أهل الطائف وغيرها محفوظ مشهور من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وسيرته ، ثم لم يزل المسلمون والسلف الصالح من أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم في حصون الأعاجم قبلنا على ذلك لم يبلغنا عن أحد منهم أنه كف عن حصن برمي ولا غيره من القوة لمكان النساء والصبيان ولمكان من لا يحل قتله لمن ظهر منهم .
( قال ) رحمه الله تعالى أما ما احتج به من قتل المشركين وفيهم الأطفال والنساء والرهبان ومن نهى عن قتله فإن { الشافعي بني المصطلق غارين في نعمهم . وسئل عن أهل الدار يبيتون فيصاب من نسائهم وذراريهم فقال هم منهم } يعني صلى الله عليه وسلم أن الدار مباحة لأنها دار شرك وقتال المشركين مباح ، وإنما يحرم الدم بالإيمان كان المؤمن في دار حرب أو دار إسلام وقد جعل الله تعالى فيه إذا قتل الكفارة وتمنع الدار من الغارة إذا كانت دار إسلام أو دار أمان بعقد يعقد عقده المسلمون لا يكون لأحد أن يغير عليها ، وله أن يقصد قصد من حل دمه بغير غارة على الدار فلما كان الأطفال والنساء وإن نهى عن قتلهم لا ممنوعي الدماء بإسلامهم ولا إسلام آبائهم ولا ممنوعي الدماء بأن الدار ممنوعة استدللنا على أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما نهى عن قصد قتلهم بأعيانهم إذا [ ص: 370 ] عرف مكانهم فإن قال قائل ما دل على ذلك ؟ قيل فإغارته وأمره بالغارة ومن أغار لم يمتنع من أن يصيب وقوله هم منهم يعني أن لا كفارة فيهم أي أنهم لم يحرزوا بالإسلام ولا الدار ولا يختلف المسلمون فيما علمته أن من أصابهم في الغارة فلا كفارة عليه فأما المسلم فحرام الدم حيث كان ومن أصابه أثم بإصابته إن عمده وعليه القود إن عرفه فعمد إلى إصابته والكفارة إن لم يعرفه فأصابه وسبب تحريم دم المسلم غير تحريم دم الكافر الصغير والمرأة لأنهما منعا من القتل بما شاء الله والذي نراه والله تعالى أعلم منعا له أن يتحولا فيصيرا رقيقين أنفع من قتلهما لأنه لا نكاية لهما فيقتلان للنكاية فإرقاقهما أمثل من قتلهما ، والذي تأول رسول الله صلى الله عليه وسلم أغار على الأوزاعي يحتمل ما تأوله عليه ويحتمل أن يكون كفه عنهم بما سبق في علمه من أنه أسلم منهم طائفة طائعين والذي قال الأوزاعي أحب إلينا إذا لم يكن بنا ضرورة إلى قتال أهل الحصن وإذا كنا في سعة من أن لا نقاتل أهل حصن غيره وإن لم يكن فيهم مسلمون كان تركهم إذا كان فيهم المسلمون أوسع وأقرب من السلامة من المأثم في إصابة المسلمين فيهم ولكن لو اضطررنا إلى أن نخافهم على أنفسنا إن كففنا عن حربهم قاتلناهم ولم نعمد قتل مسلم فإن أصبناه كفرنا وما لم تكن هذه الضرورة فترك قتالهم أقرب من السلامة وأحب إلي .