قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعام ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم
فيه ثلاث عشرة مسألة :
الأولى : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم هذا ابتداء والخبر
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة وحذف " عليهم " لدلالة الكلام عليه ، أي : فعليهم تحرير رقبة . وقيل : أي : فكفارتهم عتق رقبة . والمجمع عليه عند العلماء في الظهار
nindex.php?page=treesubj&link=12026قول الرجل لامرأته : أنت علي كظهر أمي . وهو قول المنكر والزور الذي عنى الله بقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=2وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا فمن قال هذا القول حرم عليه وطء امرأته . فمن عاد لما قال لزمته كفارة الظهار ، لقوله عز وجل :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير رقبة وهذا يدل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=12146كفارة الظهار لا تلزم بالقول خاصة حتى ينضم إليها العود ، وهذا حرف مشكل اختلف الناس فيه على أقوال سبعة ، الأول : أنه
nindex.php?page=treesubj&link=12149العزم على الوطء ، وهو مشهور قول العراقيين
أبي حنيفة وأصحابه . وروي عن
مالك : فإن عزم على وطئها كان عودا ، وإن لم يعزم لم يكن عودا . الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=12147العزم على الإمساك بعد التظاهر منها ؛ قاله
مالك . الثالث : العزم عليهما . وهو قول
مالك في موطئه ،
[ ص: 252 ] قال
مالك في قول الله عز وجل : " والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " قال : سمعت أن تفسير ذلك أن يظاهر الرجل من امرأته ثم يجمع على إصابتها وإمساكها ، فإن أجمع على ذلك فقد وجبت عليه الكفارة ، وإن طلقها ولم يجمع بعد تظاهره منها على إمساكها وإصابتها فلا كفارة عليه . قال
مالك : وإن تزوجها بعد ذلك لم يمسها حتى يكفر كفارة التظاهر . القول الرابع : أنه الوطء نفسه ، فإن لم يطأ لم يكن عودا ؛ قاله
الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك أيضا . الخامس : وقال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي رضي الله عنه : هو أن يمسكها زوجة بعد الظهار مع القدرة على الطلاق ، لأنه لما ظاهر قصد التحريم ، فإن وصل به الطلاق فقد جرى على خلاف ما ابتدأه من إيقاع التحريم ولا كفارة عليه . وإن أمسك عن الطلاق فقد عاد إلى ما كان عليه فتجب عليه الكفارة . السادس : أن
nindex.php?page=treesubj&link=12115الظهار يوجب تحريما لا يرفعه إلا الكفارة .
nindex.php?page=treesubj&link=12143ومعنى العود عند القائلين بهذا : أنه لا يستبيح وطأها إلا بكفارة يقدمها ؛ قاله
أبو حنيفة وأصحابه
nindex.php?page=showalam&ids=15124والليث بن سعد . السابع : هو تكرير الظهار بلفظه . وهذا قول أهل الظاهر النافين للقياس ، قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=12146إذا كرر اللفظ بالظهار فهو العود ، وإن لم يكرر فليس بعود . ويسند ذلك إلى
بكير بن الأشج nindex.php?page=showalam&ids=11873وأبي العالية nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة أيضا ، وهو قول
الفراء . وقال
أبو العالية : وظاهر الآية يشهد له ، لأنه قال : ثم يعودون لما قالوا أي : إلى قول ما قالوا . وروى
علي بن أبي طلحة عن
ابن عباس في قوله عز وجل : "
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا " هو أن يقول لها : أنت علي كظهر أمي ، فإذا قال لها ذلك
nindex.php?page=treesubj&link=12115فليست تحل له حتى يكفر كفارة الظهار . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : فأما القول بأنه العود إلى لفظ الظهار فهو باطل قطعا ، لا يصح عن
بكير ، وإنما يشبه أن يكون من جهالة
داود وأشياعه . وقد رويت قصص المتظاهرين وليس في ذكر الكفارة عليهم ذكر لعود القول منهم ، وأيضا فإن المعنى ينقضه ؛ لأن الله تعالى وصفه بأنه منكر من القول وزور ، فكيف يقال له : إذا أعدت القول المحرم والسبب المحظور وجبت عليك الكفارة ؟ ! وهذا لا يعقل ، ألا ترى أن كل سبب يوجب الكفارة لا تشترط فيه الإعادة من قتل ووطء في صوم أو غيره .
قلت : قول يشبه أن يكون من جهالة
داود وأشياعه حمل منه عليه ، وقد قال بقول
داود من ذكرناه عنهم ، وأما قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي : بأنه ترك الطلاق مع القدرة عليه فينقضه ثلاثة أمور أمهات ؛ الأول : أنه قال : ثم وهذا بظاهره يقتضي التراخي . الثاني : أن قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ثم يعودون يقتضي وجود فعل من جهة ، ومرور الزمان ليس بفعل منه . الثالث : أن الطلاق الرجعي لا ينافي البقاء على الملك فلم يسقط حكم الظهار كالإيلاء . فإن قيل : فإذا رآها كالأم لم يمسكها إذ لا يصح إمساك الأم بالنكاح . وهذه عمدة
أهل ما وراء النهر . قلنا : إذا عزم على خلاف ما قال ، ورآها خلاف الأم كفر وعاد إلى أهله . وتحقيق هذا القول : أن العزم قول نفسي ، وهذا رجل
[ ص: 253 ] قال قولا اقتضى التحليل ، وهو النكاح ، وقال قولا اقتضى التحريم ، وهو الظهار ، ثم عاد لما قال ، وهو التحليل ، ولا يصح أن يكون منه ابتداء عقد ، لأن العقد باق فلم يبق إلا أنه قول عزم يخالف ما اعتقده وقاله في نفسه من الظهار الذي أخبر عنه بقوله : أنت علي كظهر أمي ، وإذا كان ذلك كفر وعاد إلى أهله ، لقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3من قبل أن يتماسا . وهذا تفسير بالغ في فنه .
الثانية : قال بعض أهل التأويل : الآية فيها تقديم وتأخير ، والمعنى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون إلى ما كانوا عليه من الجماع
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة لما قالوا ، أي : فعليهم تحرير رقبة من أجل ما قالوا ، فالجار في قوله : لما قالوا متعلق بالمحذوف الذي هو خبر الابتداء وهو " عليهم " ، قال
الأخفش . وقال
الزجاج : المعنى ثم يعودون إلى إرادة الجماع من أجل ما قالوا . وقيل : المعنى الذين كانوا يظهرون من نسائهم في الجاهلية ، ثم يعودون لما كانوا قالوه في الجاهلية في الإسلام فكفارة من عاد أن يحرر رقبة .
الفراء : اللام بمعنى عن والمعنى ثم يرجعون عما قالوا ويريدون الوطء . وقال
الأخفش : " لما قالوا " و " إلى ما قالوا " واحد ، و " اللام " و " إلى " يتعاقبان ، قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=43الحمد لله الذي هدانا لهذا وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=37&ayano=23فاهدوهم إلى صراط الجحيم وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=99&ayano=5بأن ربك أوحى لها وقال
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=36وأوحي إلى نوح .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة أي : فعليه إعتاق رقبة ، يقال : حررته أي : جعلته حرا . ثم هذه الرقبة يجب أن تكون كاملة سليمة من كل عيب ، من كمالها إسلامها عند
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي كالرقبة في كفارة القتل . وعند
أبي حنيفة وأصحابه تجزي الكافرة ومن فيها شائبة رق كالمكاتبة وغيرها .
الرابعة : فإن
nindex.php?page=treesubj&link=23892أعتق نصفي عبدين فلا يجزيه عندنا ولا عند
أبي حنيفة . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي يجزئ ، لأن نصف العبدين في معنى العبد الواحد ، ولأن الكفارة بالعتق طريقها المال فجاز أن يدخلها التبعيض والتجزيء كالإطعام ، ودليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة وهذا الاسم عبارة عن شخص واحد ، وبعض الرقبة ليس برقبة ، وليس ذلك مما يدخله التلفيق ، لأن العبادة المتعلقة بالرقبة لا يقوم النصف من رقبتين مقامها ، أصله إذا اشترك رجلان في أضحيتين ، ولأنه لو أمر رجلين أن يحجا عنه حجة لم يجز أن يحج عنه واحد منهما نصفها كذلك هذا ، ولأنه لو أوصى بأن تشترى رقبة فتعتق عنه لم يجز أن يعتق عنه نصف عبدين ، كذلك في مسألتنا وبهذا يبطل دليلهم . والإطعام وغيره لا يتجزى في الكفارة عندنا .
[ ص: 254 ] الخامسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4من قبل أن يتماسا أي : يجامعها فلا يجوز للمظاهر
nindex.php?page=treesubj&link=12116الوطء قبل التكفير ، فإن جامعها قبل التكفير أثم وعصى ولا يسقط عنه التكفير . وحكي عن
مجاهد : أنه إذا وطئ قبل أن يشرع في التكفير لزمته كفارة أخرى . وعن غيره : أن الكفارة الواجبة بالظهار تسقط عنه ولا يلزمه شيء أصلا ، لأن الله تعالى أوجب الكفارة وأمر بها قبل المسيس ، فإذا أخرها حتى مس فقد فات وقتها . والصحيح ثبوت الكفارة ، لأنه بوطئه ارتكب إثما فلم يكن ذلك مسقطا للكفارة ، ويأتي بها قضاء كما لو أخر الصلاة عن وقتها . وفي حديث
أوس بن الصامت لما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بأنه وطئ امرأته أمره بالكفارة . وهذا نص ، وسواء كانت كفارة بالعتق أو الصوم أو الإطعام . وقال
أبو حنيفة : إن كانت كفارته بالإطعام جاز أن يطأ ثم يطعم ، فأما غير الوطء من
nindex.php?page=treesubj&link=12115القبلة والمباشرة والتلذذ فلا يحرم في قول أكثر العلماء . وقاله
الحسن وسفيان ، وهو الصحيح من مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقيل : وكل ذلك محرم ، وكل معاني المسيس ، وهو قول
مالك وأحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقد تقدم .
السادسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3ذلكم توعظون به أي : تؤمرون به
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=11والله بما تعملون خبير من التكفير وغيره .
السابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=12160من لم يجد الرقبة ولا ثمنها ، أو كان
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا لها إلا أنه شديد الحاجة إليها لخدمته ، أو كان
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالكا لثمنها إلا أنه يحتاج إليه لنفقته ، أو كان له مسكن ليس له غيره ولا يجد شيئا سواه ، فله أن يصوم عند
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي . وقال
أبو حنيفة : لا يصوم ، وعليه عتق ولو كان محتاجا إلى ذلك . وقال
مالك : إذا كان له دار وخادم لزمه العتق ، فإن عجز عن الرقبة ، وهي :
الثامنة : فعليه صوم شهرين متتابعين فإن أفطر في أثنائهما بغير عذر استأنفهما ، وإن أفطر لعذر من سفر أو مرض ، فقيل : يبني ؛ قاله
ابن المسيب والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء بن أبي رباح nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي . وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وهو الصحيح من مذهبيه . وقال
مالك : إنه إذا
nindex.php?page=treesubj&link=23276مرض في صيام كفارة الظهار بنى إذا صح . ومذهب
أبي حنيفة رضي الله عنه أنه يبتدئ . وهو أحد قولي
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي .
التاسعة : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=23276_12162ابتدأ الصيام ثم وجد الرقبة أتم الصيام وأجزأه عند
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ؛ لأنه بذلك أمر حين دخل فيه . ويهدم الصوم ويعتق عند
أبي حنيفة وأصحابه ، قياسا على
nindex.php?page=treesubj&link=12479الصغيرة المعتدة بالشهور ترى الدم قبل انقضائها ، فإنها تستأنف الحيض إجماعا من العلماء . وإذا
nindex.php?page=treesubj&link=23275_23276ابتدأ سفرا في صيامه فأفطر ، ابتدأ الصيام عند
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، لقوله : متتابعين . ويبني في قول
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن البصري ، لأنه عذر وقياسا على رمضان ، فإن تخللها زمان لا يحل صومه في الكفارة - كالعيدين وشهر رمضان - انقطع .
[ ص: 255 ] العاشرة : إذا
nindex.php?page=treesubj&link=23275وطئ المتظاهر في خلال الشهرين نهارا ، بطل التتابع في قول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، وليلا فلا يبطل ، لأنه ليس محلا للصوم . وقال
مالك nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة : يبطل بكل حال ووجب عليه ابتداء الكفارة ، لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4من قبل أن يتماسا وهذا الشرط عائد إلى جملة الشهرين ، وإلى أبعاضهما ، فإذا وطئ قبل انقضائهما فليس هو الصيام المأمور به ، فلزمه استئنافه ، كما لو قال : صل قبل أن تكلم زيدا . فكلم زيدا في الصلاة ، أو قال : صل قبل أن تبصر زيدا فأبصره في الصلاة لزمه استئنافها ، لأن هذه الصلاة ليست هي الصلاة المأمور بها كذلك هذا ، والله أعلم .
الحادية عشرة : ومن
nindex.php?page=treesubj&link=23273_12162تطاول مرضه طولا لا يرجى برؤه كان بمنزلة العاجز من كبر ، وجاز له العدول عن الصيام إلى الإطعام . ولو كان مرضه مما يرجى برؤه ، واشتدت حاجته إلى وطء امرأته كان الاختيار له أن ينتظر البرء حتى يقدر على الصيام . ولو كفر بالإطعام ولم ينتظر القدرة على الصيام أجزأه .
الثانية عشرة : ومن
nindex.php?page=treesubj&link=12162تظاهر وهو معسر ثم أيسر لم يجزه الصوم . ومن
nindex.php?page=treesubj&link=12162تظاهر وهو موسر ثم أعسر قبل أن يكفر صام . وإنما ينظر إلى حاله يوم يكفر . ولو جامعها في عدمه وعسره ولم يصم حتى أيسر لزمه العتق . ولو ابتدأ بالصوم ثم أيسر فإن كان مضى من صومه صدر صالح نحو الجمعة وشبهها تمادى . وإن كان اليوم واليومين ونحوهما ترك الصوم وعاد إلى العتق وليس ذلك بواجب عليه . ألا ترى أنه غير واجب على من طرأ الماء عليه - وهو قد دخل بالتيمم في الصلاة - أن يقطع ويبتدئ الطهارة عند
مالك .
الثالثة عشرة : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=12132أعتق رقبتين عن كفارتي ظهار أو قتل أو فطر في رمضان وأشرك بينهما في كل واحدة منهما لم يجزه . وهو بمنزلة من أعتق رقبة واحدة عن كفارتين . وكذلك لو صام عنهما أربعة أشهر حتى يصوم عن كل واحدة منهما شهرين . وقد قيل : إن ذلك يجزيه . ولو
nindex.php?page=treesubj&link=12133_12181ظاهر من امرأتين له فأعتق رقبة عن إحداهما بغير عينها لم يجز له وطء واحدة منهما حتى يكفر كفارة أخرى . ولو عين الكفارة عن إحداهما جاز له أن يطأها قبل أن يكفر الكفارة عن الأخرى . ولو
nindex.php?page=treesubj&link=23439_12181ظاهر من أربع نسوة فأعتق عنهن ثلاث رقاب ، وصام شهرين ، لم يجزه العتق ولا الصيام ، لأنه إنما صام عن كل واحدة خمسة عشر يوما ، فإن كفر عنهن بالإطعام جاز أن يطعم عنهن مائتي مسكين ، وإن لم يقدر فرق ، بخلاف العتق والصيام ، لأن صيام الشهرين لا يفرق ، والإطعام يفرق .
[ ص: 256 ] فصل وفيه أربع مسائل :
الأولى : ذكر الله عز وجل
nindex.php?page=treesubj&link=12162الكفارة هنا مرتبة ،
nindex.php?page=treesubj&link=12162فلا سبيل إلى الصيام إلا عند العجز عن الرقبة ، وكذلك
nindex.php?page=treesubj&link=12162لا سبيل إلى الإطعام إلا عند عدم الاستطاعة على الصيام ، فمن لم يطق الصيام وجب عليه إطعام ستين مسكينا لكل مسكين مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وإن أطعم مدا بمد
هشام ، وهو مدان إلا ثلثا ، أو أطعم مدا ونصفا بمد النبي صلى الله عليه وسلم أجزأه . قال
أبو عمر بن عبد البر : وأفضل ذلك مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، لأن الله عز وجل لم يقل في كفارة الظهار
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=89من أوسط ما تطعمون فواجب قصد الشبع . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وقال
مالك في رواية
ابن القاسم nindex.php?page=showalam&ids=16991وابن عبد الحكم : مد بمد
هشام وهو الشبع هاهنا ، لأن الله تعالى أطلق الطعام ولم يذكر الوسط . وقال في رواية
أشهب : مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم : قيل له : ألم تكن قلت : مد
هشام ؟ قال : بلى ، مدان بمد النبي صلى الله عليه وسلم أحب إلي . وكذلك قال عنه
ابن القاسم أيضا .
قلت : وهي رواية
ابن وهب ومطرف عن
مالك : أنه يعطي مدين لكل مسكين بمد النبي صلى الله عليه وسلم . وهو مذهب
أبي حنيفة وأصحابه . ومذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره : مد واحد لكل مسكين لا يلزمه أكثر من ذلك ، لأنه يكفر بالإطعام ولم يلزمه صرف زيادة على المد ، أصله كفارة الإفطار واليمين . ودليلنا قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فإطعام ستين مسكينا وإطلاق الإطعام يتناول الشبع ، وذلك لا يحصل بالعادة بمد واحد إلا بزيادة عليه . وكذلك قال
أشهب : قلت
لمالك : أيختلف الشبع عندنا وعندكم ؟ قال : نعم ! الشبع عندنا مد بمد النبي صلى الله عليه وسلم والشبع عندكم أكثر ، لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة دونكم ، فأنتم تأكلون أكثر مما نأكل نحن . وقال
أبو الحسن القابسي : إنما أخذ
أهل المدينة بمد
هشام في كفارة الظهار تغليظا على المتظاهرين الذين شهد الله عليهم أنهم يقولون منكرا من القول وزورا . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815ابن العربي : وقع الكلام هاهنا في مد
هشام كما ترون ، ووددت أن يهشم الزمان ذكره ، ويمحو من الكتب رسمه ، فإن
المدينة التي نزل الوحي بها ، واستقر الرسول بها ، ووقع عندهم الظهار ، وقيل لهم فيه :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4فإطعام ستين مسكينا - فهموه وعرفوا المراد به وأنه الشبع ، وقدره معروف عندهم متقرر لديهم ، وقد ورد ذلك الشبع في الأخبار كثيرا ، واستمرت الحال على ذلك أيام الخلفاء الراشدين المهديين حتى نفخ الشيطان في أذن
هشام ، فرأى أن مد النبي صلى الله عليه وسلم لا يشبعه ، ولا مثله من حواشيه ونظرائه ، فسول له أن يتخذ مدا يكون فيه شبعه ، فجعله رطلين وحمل الناس عليه ، فإذا ابتل عاد نحو الثلاثة الأرطال ، فغير
[ ص: 257 ] السنة ، وأذهب محل البركة . قال النبي صلى الله عليه وسلم حين دعا ربه
لأهل المدينة بأن تبقى لهم البركة في مدهم وصاعهم ، مثل ما بارك
لإبراهيم بمكة ، فكانت البركة تجري بدعوة النبي صلى الله عليه وسلم في مده ، فسعى الشيطان في تغيير هذه السنة ، وإذهاب هذه البركة ، فلم يستجب له في ذلك إلا
هشام ، فكان من حق العلماء أن يلغوا ذكره ويمحوا رسمه إذا لم يغيروا أمره ، وأما أن يحيلوا على ذكره في الأحكام ، ويجعلوه تفسيرا لما ذكر الله ورسوله بعد أن كان مفسرا عند الصحابة الذين نزل عليهم فخطب جسيم ، ولذلك كانت رواية
أشهب في ذكر مدين بمد النبي صلى الله عليه وسلم في كفارة الظهار أحب إلينا من الرواية بأنها بمد
هشام . ألا ترى كيف نبه
مالك على هذا العلم بقوله
nindex.php?page=showalam&ids=12321لأشهب : الشبع عندنا بمد النبي صلى الله عليه وسلم ، والشبع عندكم أكثر لأن النبي صلى الله عليه وسلم دعا لنا بالبركة . وبهذا أقول ؛ فإن العبادة إذا أديت بالسنة فإن كانت بالبدن كانت أسرع إلى القبول ، وإن كانت بالمال كان قليلها أثقل في الميزان ، وأبرك في يد الآخذ ، وأطيب في شدقه ، وأقل آفة في بطنه ، وأكثر إقامة لصلبه . والله أعلم .
الثانية : ولا يجزئ عند
مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي أن يطعم أقل من ستين مسكينا . وقال
أبو حنيفة وأصحابه : إن أطعم مسكينا واحدا كل يوم نصف صاع حتى يكمل العدد أجزأه .
الثالثة : قال
nindex.php?page=showalam&ids=12815القاضي أبو بكر بن العربي : من غريب الأمر أن
أبا حنيفة قال : إن الحجر على الحر باطل . واحتج بقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=3فتحرير رقبة ولم يفرق بين الرشيد والسفيه ، وهذا فقه ضعيف لا يناسب قدره ، فإن هذه الآية عامة ، وقد كان القضاء بالحجر في أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم فاشيا والنظر يقتضيه ، ومن كان عليه حجر لصغر أو لولاية وبلغ سفيها قد نهي عن دفع المال إليه ، فكيف ينفذ فعله فيه والخاص يقضي على العام .
الرابعة :
nindex.php?page=treesubj&link=23271وحكم الظهار عند بعض العلماء ناسخ لما كانوا عليه من كون الظهار طلاقا ، وقد روي معنى ذلك عن
ابن عباس وأبي قلابة وغيرهما .
الخامسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : ذلك الذي وصفنا من
nindex.php?page=treesubj&link=12129التغليظ في الكفارة لتؤمنوا أي : لتصدقوا أن الله أمر به . وقد استدل بعض العلماء على أن هذه الكفارة إيمان بالله سبحانه وتعالى ، لما ذكرها وأوجبها قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : ذلك لتكونوا مطيعين لله تعالى واقفين عند حدوده لا تتعدوها ، فسمى التكفير لأنه طاعة ومراعاة للحد - إيمانا ، فثبت أن كل ما أشبهه فهو إيمان . فإن قيل : معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله أي : لئلا تعودوا للظهار الذي هو منكر من القول وزور . وقيل له : قد يجوز أن يكون
[ ص: 258 ] هذا مقصودا والأول مقصودا ، فيكون المعنى : ذلك لئلا تعودوا للقول المنكر والزور ، بل تدعونهما طاعة لله سبحانه وتعالى إذ كان قد حرمهما ، ولتجتنبوا المظاهر منها إلى أن تكفروا ، إذ كان الله منع من مسيسها ، وتكفروا إذ كان الله تعالى أمر بالكفارة ، وألزم إخراجها منكم ، فتكونوا بهذا كله مؤمنين بالله ورسوله ، لأنها حدود تحفظونها ، وطاعات تودونها والطاعة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم إيمان . وبالله التوفيق .
السادسة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4وتلك حدود الله أي : بين معصيته وطاعته ؛ فمعصيته الظهار وطاعته الكفارة .
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=4وللكافرين عذاب أليم أي : لمن لم يصدق بأحكام الله تعالى عذاب جهنم .