[ ص: 358 ] كتاب القسامة .
( قال ) أخبرنا الشافعي عن مالك أبي ليلى بن عبد الله بن عبد الرحمن عن سهل بن أبي حثمة أنه أخبره رجال من كبراء قومه { عبد الله ومحيصة خرجا إلى خيبر فتفرقا في حوائجهما فأخبر محيصة أن عبد الله قتل وطرح في فقير أو عين فأتى يهود فقال : أنتم قتلتموه ؟ قالوا : ما قتلناه ، فقدم على قومه فأخبرهم فأقبل هو وأخوه حويصة وعبد الرحمن بن سهل أخو المقتول إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذهب محيصة يتكلم فقال عليه السلام كبر كبر يريد السن فتكلم حويصة ثم محيصة فقال عليه السلام إما أن يدوا صاحبكم وإما أن يؤذنوا بحرب فكتب عليه السلام إليهم في ذلك فكتبوا إنا والله ما قتلناه ، فقال لحويصة ومحيصة وعبد الرحمن أتحلفون وتستحقون دم صاحبكم ؟ قالوا : لا قال : فتحلف يهود قالوا : ليسوا بمسلمين فوداه رسول الله صلى الله عليه وسلم من عنده فبعث إليهم مائة ناقة ، قال سهل : لقد ركضتني منها ناقة حمراء } . أن
( قال ) رحمه الله فإن قيل : فقد قال للولي وغيره تحلفون وتستحقون وأنت لا تحلف إلا الأولياء قيل : يكون قد قال ذلك لأخي المقتول الوارث ويجوز أن يقول : تحلفون لواحد ، والدليل على ذلك حكم الله عز وجل وحكم رسوله عليه الصلاة والسلام أن اليمين لا تكون إلا فيما يدفع بها المرء عن نفسه أو يأخذ بها مع شاهده ولا يجوز لحالف يمين يأخذ بها غيره . الشافعي
( قال ) فإذا كان مثل السبب الذي قضى فيه عليه الصلاة والسلام بالقسامة حكمت بها وجعلت الدية فيها على المدعى عليهم فإن قيل : وما السبب الذي حكم فيه النبي صلى الله عليه وسلم ؟ قيل : كانت الشافعي خيبر دار يهود محضة لا يخالطهم غيرهم وكانت العداوة بين الأنصار وبينهم ظاهرة وخرج عبد الله بعد العصر فوجد قتيلا قبل الليل فيكاد يغلب على من سمع هذا أنه لم يقتله إلا بعض اليهود فإذا كانت دار قوم محضة أو قبيلة وكانوا أعداء للمقتول فيهم ، وفي كتاب الربيع أعداء للمقتول أو قبيلته ووجد القتيل فيهم فادعى أولياؤه قتله فلهم القسامة وكذلك يدخل نفر بيتا أو صحراء وحدهم أو صفين في حرب أو ازدحام جماعة فلا يفترقون إلا وقتيل بينهم أو في ناحية ليس إلى جنبه عين ولا أثر إلا رجل واحد مخضب بدمه في مقامه ذلك أو أتى ببينة متفرقة من المسلمين من نواح لم يجتمعوا فيها يثبت كل واحد منهم على الانفراد على رجل أنه قتله فتتواطأ شهاداتهم ولم يسمع بعضهم شهادة بعض .
فإن لم يكونوا ممن لم يعدلوا أو يشهد عدل على رجل أنه قتله ; لأن كل سبب من هذا يغلب على عقل الحاكم أنه كما ادعى وليه وللولي أن يقسم على الواحد والجماعة من أمكن أن يكون في جملتهم وسواء كان به جرح أو غيره ; لأنه قد يقتل بما لا أثر له فإن أنكر المدعى عليه أن يكون فيهم لم يسمع الولي إلا ببينة أو إقرار أنه كان فيهم ولا أنظر إلى دعوى الميت ولورثة القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبا عن موضع القتيل ; لأنه يمكن أن يعلموا ذلك باعتراف القاتل أو ببينة لا يعلمهم الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم به الغائب وينبغي للحاكم أن يقول لهم : اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات وتقبل أيمانهم متى حلفوا مسلمين كانوا على مشركين أو مشركين على مسلمين ; لأن كلا ولي دمه ووارث ديته ولسيد العبد القسامة في عبده على الأحرار والعبيد .
( قال ) لأنه ماله فإن لم يقسم حتى عجز كان للسيد أن يقسم . ويقسم المكاتب في عبده
( قال ) ولو لم تقسم [ ص: 359 ] وأقسم ورثته وكان لها ثمن العبد وإن لم يقسم الورثة لم يكن لهم ولا لها شيء إلا أيمان المدعى عليهم . قتل عبد لأم ولد فلم يقسم سيدها حتى مات وأوصى لها بثمن العبد
( قال ) ولو أبطلت القسامة ; لأن ماله فيء ، ولو كان رجع إلى الإسلام كانت فيه القسامة للوارث ، ولو جرح رجل فمات وجبت فيه القسامة لورثته الأحرار ولسيده المعتق بقدر ما يملك في جراحه ولا تجب القسامة في دون النفس ولو لم يقسم الولي حتى ارتد فأقسم وقفت الدية فإن رجع أخذها وإن قتل كانت فيئا والأيمان في الدماء مخالفة لها في الحقوق وهي في جميع الحقوق يمين وفي الدماء خمسون يمينا ، وقال في كتاب العمد : ولو جرح وهو عبد فعتق ثم مات حرا فالدية عليه في ثلاث سنين بعد أن يحلف ما قتله إلا خطأ فإن نكل حلف المدعي لقتله عمدا وكان له القود . ادعى أنه قتل أباه عمدا فقال : بل خطأ
( قال ) هذا القياس على أقاويله في الطلاق والعتاق وغيرهما في النكول ورد اليمين . المزني
( قال ) وسواء في النكول المحجور عليه وغير المحجور عليه ويلزمه منها في ماله ما يلزم غير المحجور والجناية خلاف البيع والشراء ، فإن قال قائل : كيف يحلفون على ما لا يعلمون ؟ قيل : فأنتم تقولون : لو أن ابن عشرين سنة رئي بالمشرق اشترى عبدا ابن مائة سنة رئي بالمغرب فباعه من ساعته فأصاب به المشتري عيبا أن البائع يحلف على البت لقد باعه إياه وما به هذا العيب ولا علم له به والذي قلنا قد يصح علمه بما وصفنا . الشافعي