الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
عن nindex.php?page=showalam&ids=17257همام عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=688658خفف على داود صلى الله عليه وسلم القراءة فكان يأمر بدابته تسرج فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته وكان nindex.php?page=treesubj&link=31967لا يأكل إلا من عمل يده رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
عن nindex.php?page=showalam&ids=17257همام عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=hadith&LINKID=688658خفف على داود صلى الله عليه وسلم القراءة فكان يأمر بدابته تسرج فكان يقرأ القرآن من قبل أن تسرج دابته وكان لا يأكل إلا من عمل يده رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري .
(فيه) فوائد:
(الأولى) رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في أحاديث الأنبياء من صحيحه عن عبد الله بن محمد بلفظ بدوابه بالجمع وفي التفسير عن إسحاق بن نصر بلفظ فكان يقرأ قبل أن يفرغ يعني القرآن ولم يذكر الجملة الأخيرة وروى في البيوع الجملة الأخيرة فقط عن يحيى بن موسى ثلاثتهم عن nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=17257همام عن nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة .
(الثانية) القرآن في الأصل مصدر قرأت فيطلق على كل مقروء ومنه ما في هذا الحديث من تسمية زبور داود قرآنا وليس المراد به القرآن المنزل على نبينا عليه الصلاة والسلام.
(الثالثة) nindex.php?page=treesubj&link=31964المراد بتخفيف القراءة على داود عليه الصلاة والسلام تيسيرها وتسهيلها وخفة لسانه بها حتى يقرأ في الزمن اليسير ما لا يقرؤه غيره [ ص: 176 ] في الزمن الكثير مع الترسل، وإعطاء كل حرف حقه ومن تخفيف القراءة وتسهيلها لهذه الأمة ما في قوله عليه الصلاة والسلام nindex.php?page=hadith&LINKID=680282الماهر بالقرآن مع السفرة الكرام البررة ، والذي يقرؤه وهو عليه شاق له أجران ، وبسبب تخفيف القراءة تيسر لكثير من صالحي هذه الأمة من كثرة التلاوة ما عسر على أكثرهم قال النووي وأكثر ما بلغنا في ذلك ما كان يفعله السيد الجليل ابن الكاتب الصوفي في كونه كان يختم القرآن أربع مرات في الليل وأربعا في النهار.
(الرابعة) قوله (فكان يأمر بدابته) قد عرفت أن في لفظ آخر بدوابه ومقتضى التوفيق بين الروايتين أن يكون المراد برواية الأفراد الجنس لا التوحيد وزمن إسراج الدواب أطول من زمن إسراج الدابة الواحدة إلا أن يكون لكل دابة سائس فيستوي حينئذ إسراج القليل والكثير في الزمن وقوله تسرج رويناه بالرفع وكأنه استئناف كأنه قيل يأمر في دابته بماذا فقيل تسرج ويحتمل أن يكون منصوبا بإضمار أن كما في قوله تسمع بالمعيدي خير من أن تراه.
وقوله من قبل أن تسرج أي من قبل أن يفرغ من إسراجها بدليل الرواية الأخرى.
(الخامسة) فيه nindex.php?page=treesubj&link=6041_24477فضل الأكل من عمل اليد وفي صحيح nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن nindex.php?page=showalam&ids=241المقدام بن معدي كرب عن النبي صلى الله عليه وسلم قال nindex.php?page=hadith&LINKID=985734ما أكل أحد طعاما قط خير من أن يأكل من عمل يده وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده وهذا يدل على أنه أفضل المكاسب وفي المسألة خلاف تقدم بيانه في باب فضل الصدقة والتعفف في الكلام على حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة nindex.php?page=hadith&LINKID=688491لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب على ظهره الحديث. منهم من رجح عمل اليد ومنهم من رجح التجارة ومنهم من رجح الزراعة .
(السادسة) استدل به المصنف رحمه الله على nindex.php?page=treesubj&link=6041صحة الإجارة فيحتمل أنه أخذ ذلك من قوله (وكان لا يأكل إلا من عمل يده) وهذا لا يدل على الإجارة ؛ لجواز أن يعمل بيده لنفسه فيقع العمل في خالص ملكه ثم يبيعه فيحصل له فيه من الربح بمقدار عمل يده وهذا هو الأليق بحال داود عليه السلام، وإنما يدل على الإجارة لو كان فيه أن يعمل لغيره بأجرة فيقع عمله في ملك غيره، وليس في الحديث دليل على ذلك ويحتمل أنه أخذ ذلك من قوله فكان يأمر بدابته تسرج فإنه قد يدل [ ص: 177 ] على استئجار الأجير لسياسة الدابة، وهذا قد ينازع فيه أيضا ؛ لأنه قد يأمر بذلك من ليس أجيرا ممن تقتضي العادة استخدامه في مثل ذلك كما كان يخدم النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك وغيره من الصحابة من غير أن يقع على واحد منهم عقد إجارة على ذلك وهذا أمر خفيف تقتضي العادة المسامحة به وقد يقال بتقدير أن تكون دواب كثيرة فاستخدام المتبرع عليها بعيد والظاهر أن ذلك ما كان إلا بإجارة وبالجملة فاستنباط هذا الحكم من هذا الحديث غريب لم أره في كلام غير الشيخ رحمه الله وإنما يتم إذا قلنا: إن nindex.php?page=treesubj&link=22123شرع من قبلنا شرع لنا ما لم يرد ناسخ والخلاف في ذلك معروف في الأصول والأكثرون على المنع لكن هذا الحكم قد ورد في شرعنا تقريره قال الله تعالى nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=6فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وورد في السنة أحاديث صحيحة مشهورة دالة على جواز الإجارة وانعقد عليها الإجماع.
(السابعة) قد يقال في حكمة الجمع بين هاتين الجملتين أن في الأولى بيان حاله في أمر عبادته وفي الثانية بيان حاله في أمر معيشته وقد يقال في ذلك قد يفهم من كونه له دواب ومن يقوم بشأنها، وأنه لا يتعاطى أمرها بيده بنفسه أنه كان على طريقة عظماء الدنيا في أمر معيشته والمأكل فنبه على أنه كان مع هذا الاتساع لا يأكل إلا من عمل يده تحريا للحلال واستقلالا من الدنيا.
(الثامنة) يحتمل أن يكون nindex.php?page=treesubj&link=31967المراد بما كان داود عليه السلام يعمله بيده ويأكل الدروع السابغات التي يسر له عملها وألين له حديدها، وقال nindex.php?page=showalam&ids=11861أبو الزاهرية كان داود عليه السلام يعمل القفاف ويأكل منها وذكر nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر أن سليمان رضي الله عنه كان يعمل الخوص فقيل له أتعمل هذا وأنت المدائن تجرى عليك رزق قال إني أحب أن آكل من عمل يدي.
(التاسعة) يحتمل أنه كان يعمل بيده ما يأكله هو وعياله ويحتمل أن يقتصر بذلك على قوت نفسه خاصة، وهو أقرب.
(العاشرة) يحتمل أن يكون معنى كونه لا يأكل إلا من عمل يده أنه لا يكل أمر قوته إلى غيره فكان هو الذي يتعاطى العجن والطبخ، وغيرهما من آلات الأكل لنفسه وتكون الحكمة في ذكر [ ص: 178 ] هذه الجملة عقب التي قبلها أنه كان يكل سياسة دوابه إلى غيره ويتعاطى أمر قوته بنفسه، وهذا احتمال بعيد غير متبادر إلى الفهم والذي فهمه السلف منه ما قدمته من الاكتساب بعمل اليد والله أعلم .