[ ص: 13 ] ذكر ما يجب على المرء من الإقراع بين النسوة إذا كن عنده وأراد سفرا . 
 4212  - أخبرنا  عبد الله بن محمد الأزدي  قال : حدثنا  إسحاق بن إبراهيم  قال : أخبرنا  عبد الرزاق  قال : أخبرنا  معمر  عن  الزهري  قال : حدثني  سعيد بن المسيب  ،  وعروة بن الزبير  ،  وعلقمة بن وقاص  ،  وعبيد الله بن عبد الله  عن حديث عائشة  ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله ، وكل حدثني بطائفة من الحديث ، وبعضهم أوعى لحديثها من بعض وأسد اقتصاصا ، وقد وعيت من كل واحد الحديث الذي حدثني به ، وبعضهم يصدق بعضا . 
ذكروا أن عائشة  قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ، قالت : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج سهمي ، فخرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعد أن أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي ، وأنزل فيه مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوته تلك وقفل ، ودنونا من المدينة  آذن بالرحيل ليلة ، فقمت حين آذنوا في الرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني ، رجعت فلمست صدري ،  [ ص: 14 ] فإذا عقد من جزع ظفار قد وقع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه ، وأقبل الرهط الذين يرحلون لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فحملوا هودجي ورحلوه على البعير الذي كنت أركب ، وهم يحسبون أني فيه . 
قالت عائشة   : وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يغشهن اللحم ، فرحلوه ورفعوه ، فلما بعثوا وسار الجيش ، وجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم ، وليس بها داع ولا مجيب ، فأقمت منزلي الذي كنت فيه ، فبينا أنا جالسة غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني  عرس فأدلج  [ ص: 15 ] فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان ، فعرفني حين رآني ، وكان رآني قبل أن ينزل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني بكلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها ، فركبته ، ثم انطلق يقود بي الراحلة ، حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة ، فهلك في شأني من هلك ، وكان الذي تولى كبره منهم عبد الله بن أبي ابن سلول   . 
فقدمت المدينة  ، فاشتكيت حين قدمتها شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك وهو يريبني من رسول الله صلى الله عليه وسلم ؛ لأني لا أرى منه اللطف الذي كنت أراه منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فيقول : كيف تيكم ؟ فيريبني ذلك ، ولا أشعر حتى خرجت بعدما نقهت من مرضي ومعي أم مسطح  قبل المناصع  ، وهي  [ ص: 16 ] متبرزنا ، ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك أنا نكره أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز ، وكنا نتأذى بالكنف قرب بيوتنا ، فانطلقت ومعي أم مسطح وهي بنت أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف  ، وأمها بنت صخر بن عامر ، خالة  أبي بكر الصديق  ، وابنها  مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب  ، فأقبلنا حين فرغنا من شأننا لنأتي البيت ، فعثرت أم مسطح  في مرطها ، فقالت : تعس  مسطح  ، فقلت لها : بئس ما قلت ، أتسبين رجلا قد شهد بدرا ؟ فقالت : أي هنتاه ، أولم تسمعي ما قال ؟ قلت : وما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك . 
فازددت مرضا إلى مرضي ، ورجعت إلى بيتي ، فدخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ، ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما ، فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي ، فقلت لأمي : يا أمتاه ما يتحدث الناس ؟ قالت : أي بنية هوني عليك فوالله لقل امرأة وضيئة كانت عند رجل يحبها ، ولها ضرائر ، إلا أكثرن عليها ، قالت : فقلت : سبحان الله ، أوتحدث الناس بذلك ؟ قالت : فمكثت  [ ص: 17 ] تلك الليلة لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم أصبح وأبكي . 
ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم  علي بن أبي طالب  ،  وأسامة بن زيد  ، وهو حينئذ يريد أن يستشيرهما في فراق أهله ، وذلك حين استلبث الوحي ، فأما  أسامة بن زيد  ، فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله وما له في نفسه لهم من الود ، فقال : هم أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما  علي بن أبي طالب  رضوان الله عليه فقال : لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ،  [ ص: 18 ] وإن تسأل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة  ، فقال : أي بريرة  هل رأيت من عائشة  شيئا يريبك ؟ قالت بريرة   : يا رسول الله ، والذي بعثك بالحق ، ما رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها ، أكثر من أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها فيدخل الداجن فيأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي ابن سلول  ، فقال وهو على المنبر : يا معشر المسلمين ، من يعذرني من رجل بلغ أذاه في أهل بيتي  ؟ فوالله ما علمت من أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت منه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي ، فقام  سعد بن معاذ الأنصاري  ، فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس  ضربنا عنقه ، وإن كان من الخزرج  أمرتنا ففعلنا أمرك ، فقام  سعد بن عبادة  وهو سيد الخزرج  ، وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية ، فقال : والله ما تقتله ، ولا تقدر على قتله ، فقام  أسيد بن حضير  وهو ابن عم  سعد بن معاذ  ، فقال : كذبت لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، فثار الحيان الأوس   [ ص: 19 ] والخزرج  حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا ، وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فبكيت يومي لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي . 
فبينما هما جالسان عندي ، إذ استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست معي ، فبينما نحن على حالنا ذلك ، إذ دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس ، ولم يكن جلس قبل يومي ذلك مذ كان من أمري ما كان ، ولبث شهرا لا يوحى إليه ، قالت : فتشهد ثم قال : أما بعد ، فقد بلغني يا عائشة  عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي ، فإن العبد إذا اعترف بالذنب ثم تاب تاب الله عليه . 
فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته ، قلص دمعي حتى ما أحس منه بقطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : والله ما أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : والله لا أدري ما أقول لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقلت وأنا جارية حديثة السن ، لا أقرأ كثيرا من القرآن : إني والله لقد عرفت أنكم سمعتم بذاك حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فإن قلت لكم : إني بريئة ، والله يعلم أني بريئة لم تصدقوني ، وإن اعترفت لكم بأمر ، والله يعلم  [ ص: 20 ] أني بريئة لتصدقوني ، وإني والله لا أجد مثلي ومثلكم إلا كما قال أبو يوسف   : فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون  
ثم تحولت فاضطجعت على فراشي وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله جل وعلا يبرئني ببراءتي ، ولكن لم أظن أن الله جل وعلا ينزل في شأني وحيا يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله جل وعلا في بأمر يتلى ، ولكن أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في منامه رؤيا يبرئني الله بها . 
قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم مجلسه ، ولا خرج من البيت أحد ، حتى أنزل الله على نبيه صلى الله عليه وسلم ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي من ثقل القول الذي أنزل عليه ، فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، كان أول كلمة تكلم بها ، أن قال : يا عائشة  ، أما والله فقد برأك الله . 
فقالت لي أمي : قومي إليه ، فقلت : والله لا أقوم إليه ، ولا أحمد إلا الله الذي هو أنزل براءتي ، فأنزل الله إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم  العشر الآيات ، قالت : فأنزل الله هذه الآيات في براءتي . 
 [ ص: 21 ] وكان  أبو بكر  رضوان الله عليه ينفق على  مسطح  لقرابته منه وفقره ، فقال : والله لا أنفق عليه أبدا بعد الذي قال لعائشة  ما قال ، فأنزل الله : ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة  إلى قوله : ألا تحبون أن يغفر الله لكم  فقال  أبو بكر   : والله إني لأحب أن يغفر الله لي . 
فرجع إلى  مسطح  بالنفقة التي كان ينفق عليه ، فقال : والله لا أنزعها منه أبدا ، قالت : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش  عن أمري ما علمت وما رأيت ؟ فقالت : أحمي سمعي  [ ص: 22 ] وبصري ما علمت إلا خيرا ، قالت : وهي التي كانت تساميني من أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله بالورع ، وطفقت أختها حمنة بنت جحش  تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك   . 
قال  الزهري   : فهذا ما انتهى إلي من أمر هؤلاء الرهط . 
				
						
						
