ذكر ما يستحب للإمام استعمال المهادنة بينه وبين أعداء الله إذا رأى بالمسلمين ضعفا يعجزون عنهم
4872 - أخبرنا قال : حدثنا محمد بن الحسن بن قتيبة محمد بن المتوكل بن أبي السري قال : حدثنا ، قال أخبرنا عبد الرزاق عن معمر ، قال أخبرني الزهري عن عروة بن الزبير ، المسور بن مخرمة يصدق كل واحد منهما حديثه حديث صاحبه ، قالا : ومروان بن الحكم بذي الحليفة ، قلد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأشعر ، ثم أحرم بالعمرة وبعث بين يديه عينا له رجلا من خزاعة ، يجيئه بخبر [ ص: 217 ] قريش ، وسار رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بغدير الأشطاط ، قريبا من عسفان ، أتاه عينه الخزاعي ، فقال : إني تركت كعب بن لؤي ، وعامر بن لؤي ، قد جمعوا لك الأحابيش ، وجمعوا لك جموعا كثيرة وهم مقاتلوك وصادوك عن البيت الحرام ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : أشيروا علي أترون أن نميل إلى ذراري هؤلاء الذين أعانوهم فنصيبهم ، فإن قعدوا قعدوا موتورين محزونين ، وإن نجوا يكونوا عنقا قطعها الله ، أم ترون أن نؤم البيت ، فمن صدنا عنه قاتلناه ؟ .
فقال رضوان الله عليه : الله ورسوله أعلم يا نبي الله ، إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد ، ولكن من حال بيننا وبين أبو بكر الصديق البيت قاتلناه ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فروحوا إذا .
قال في حديثه ، وكان الزهري يقول : ما رأيت أحدا أكثر مشاورة لأصحابه من رسول الله صلى الله عليه وسلم . أبو هريرة
قال في حديثه عن الزهري عن عروة المسور ومروان في حديثهما فراحوا ، حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي صلى الله عليه وسلم : إن خالد بن الوليد بالغميم في خيل لقريش طليعة ، فخذوا ذات [ ص: 218 ] اليمين ، فوالله ما شعر بهم ، حتى إذا هو بقترة الجيش فأقبل يركض نذيرا خالد بن الوليد لقريش ، وسار النبي صلى الله عليه وسلم ، حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها ، فلما انتهى إليها بركت راحلته ، فقال الناس : حل حل فألحت ، فقالوا : خلأت القصواء ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ما خلأت القصواء ، وما ذلك لها بخلق ، ولكن حبسها حابس الفيل ، ثم قال : والذي نفسي بيده ، لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله ، إلا أعطيتهم إياها ، ثم زجرها ، فوثبت به ، قال : فعدل عنهم ، حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء ، إنما يتبرضه الناس تبرضا ، فلم يلبث بالناس ، أن نزحوه ، فشكي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم العطش ، فانتزع سهما من كنانته ، ثم أمرهم أن يجعلوه فيه ، قال : فما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه .
فبينما هم كذلك إذ جاءه بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من [ ص: 219 ] قومه من خزاعة ، وكانت عيبة نصح رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل تهامة ، فقال : إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي ، نزلوا أعداد مياه الحديبية معهم العوذ المطافيل ، وهم مقاتلوك ، وصادوك عن البيت الحرام .
فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إنا لم نجئ لقتال أحد ، ولكنا جئنا معتمرين ، فإن قريشا ، قد نهكتهم الحرب ، وأضرت بهم ، فإن شاءوا ماددتهم مدة ، ويخلوا بيني وبين الناس ، فإن ظهرنا وشاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وقد جموا ، وإن هم أبوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي أو ليبدين الله أمره .
قال بديل بن ورقاء : سأبلغهم ما تقول ، فانطلق ، حتى أتى قريشا ، فقال : إنا قد جئناكم من عند هذا الرجل ، وسمعناه يقول قولا ، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا ، فقال سفهاؤهم : لا حاجة لنا في أن تخبرونا عنه بشيء ، وقال ذو الرأي : هات ما سمعته يقول ، قال : سمعته يقول كذا وكذا ، فأخبرتهم بما قال النبي صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 220 ] فقام عند ذلك أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي ، فقال : يا قوم ألستم بالولد ؟ قالوا : بلى ، قال : ألست بالوالد ؟ قالوا : بلى ، قال : فهل تتهموني ؟ قالوا : لا ، قال : ألستم تعلمون أني استنفرت أهل عكاظ ، فلما بلحوا علي جئتكم بأهلي وولدي ومن أطاعني ؟ قالوا : بلى ، قال : فإن هذا امرؤ عرض عليكم خطة رشد ، فاقبلوها ودعوني آته ، قالوا : ائته ، فأتاه قال : فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نحوا من قوله لبديل بن ورقاء ، فقال عروة بن مسعود عند ذلك : يا محمد أرأيت إن استأصلت قومك ، هل سمعت أحدا من العرب اجتاح أصله قبلك ، وإن تكن الأخرى ، فوالله إني أرى وجوها وأرى أشوابا من الناس خلقاء أن يفروا ويدعوك .
فقال رضوان الله عليه : امصص ببظر اللات ، أنحن نفر وندعه ؟ فقال أبو بكر الصديق : من هذا ؟ قالوا : أبو مسعود ، فقال : أما والذي نفسي بيده ، لولا يد كانت لك عندي لم أجزك بها لأجبتك . أبو بكر بن أبي قحافة
[ ص: 221 ] وجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فكلما كلمه أخذ بلحيته ، قائم على رأس النبي صلى الله عليه وسلم ، وعليه السيف ، والمغفر ، فكلما أهوى والمغيرة بن شعبة الثقفي بيده إلى لحية النبي صلى الله عليه وسلم ضرب يده بنعل السيف ، وقال : أخر يدك عن لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فرفع عروة رأسه ، وقال من هذا ؟ فقالوا : عروة ، فقال : أي غدر ، أولست أسعى في غدرتك ، وكان المغيرة بن شعبة الثقفي صحب قوما في الجاهلية فقتلهم ، وأخذ أموالهم ، ثم جاء فأسلم ، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : أما الإسلام فأقبل ، وأما المال فلست منه في شيء . المغيرة بن شعبة
قال : ثم إن جعل يرمق صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم بعينه ، فوالله ما يتنخم رسول الله صلى الله عليه وسلم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم ، فدلك بها وجهه وجلده ، وإذا أمرهم انقادوا لأمره ، وإذا توضأ كادوا يقتتلون على وضوئه ، وإذا تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له . عروة
فرجع عروة بن مسعود إلى أصحابه ، فقال : أي قوم ، والله لقد وفدت إلى الملوك ، ووفدت إلى كسرى ، وقيصر ، ، والله ما رأيت ملكا قط يعظمه أصحابه ما يعظم أصحاب والنجاشي محمد محمدا ، ووالله إن يتنخم نخامة إلا وقعت في كف رجل منهم فدلك بها [ ص: 222 ] وجهه وجلده ، وإذا أمرهم ابتدروا أمره ، وإذا توضأ اقتتلوا على وضوئه ، وإذ تكلم خفضوا أصواتهم عنده ، وما يحدون إليه النظر تعظيما له ، وإنه قد عرض عليكم خطة رشد فاقبلوها ، فقال رجل من بني كنانة : دعوني آته ، فلما أشرف على النبي صلى الله عليه وسلم ، قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا فلان من قوم يعظمون البدن ، فابعثوها له ، قال : فبعثت ، واستقبله القوم يلبون ، فلما رأى ذلك قال : سبحان الله ، لا ينبغي لهؤلاء أن يصدوا عن البيت ، فلما رجع إلى أصحابه ، قال : رأيت البدن قد قلدت وأشعرت ، فما أرى أن يصدوا عن البيت ، فقام رجل منهم ، يقال له : مكرز ، فقال : دعوني آته ، فقالوا : ائته ، فلما أشرف عليهم قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا مكرز ، وهو رجل فاجر ، فجعل يكلم النبي صلى الله عليه وسلم ، فبينما هو يكلمه ، إذ جاءه . سهيل بن عمرو
قال : فأخبرني معمر عن أيوب السختياني ، قال : فلما جاء عكرمة قال النبي صلى الله عليه وسلم : هذا سهيل ، قد سهل الله لكم أمركم ، قال سهيل في حديثه : عن معمر عن الزهري عن عروة المسور ومروان فلما جاء قال : هات اكتب بيننا وبينكم كتابا ، فدعا الكاتب ، فقال : اكتب : بسم الله الرحمن الرحيم ، فقال سهيل : أما [ ص: 223 ] الرحمن فلا أدري والله ما هو ، ولكن اكتب : باسمك اللهم ، ثم قال النبي صلى الله عليه وسلم : اكتب : هذا ما قاضى عليه سهيل محمد رسول الله ، فقال : لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن سهيل بن عمرو البيت ، ولا قاتلناك ، ولكن اكتب محمد بن عبد الله ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : والله إني لرسول الله ، وإن كذبتموني ، اكتب : محمد بن عبد الله ، قال ، وذلك لقوله : لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله إلا أعطيتهم إياها . الزهري
وقال في حديثه : عن عن عروة المسور ومروان ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : على أن تخلوا بيننا ، وبين البيت فنطوف به ، فقال : إنه لا يتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ، ولكن لك من العام المقبل ، فكتب فقال سهيل بن عمرو : على أنه لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك أو يريد دينك إلا رددته إلينا ، فقال المسلمون : سبحان الله كيف يرد إلى المشركين وقد جاء مسلما ؟ فبينما هم على ذلك ، إذ جاء سهيل بن عمرو يرسف في قيوده ، قد خرج من أسفل أبو جندل بن سهيل بن عمرو مكة ، حتى رمى بنفسه بين المسلمين ، فقال : يا سهيل بن عمرو محمد هذا أول من نقاضيك عليه أن ترده إلي ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : إنا لم نمض الكتاب بعد ، [ ص: 224 ] فقال : والله لا أصالحك على شيء أبدا ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : فأجزه لي ، فقال : ما أنا بمجيزه لك ، قال : فافعل ، قال : ما أنا بفاعل ، قال مكرز : بل قد أجزناه لك .
فقال : يا معشر المسلمين ، أرد إلى المشركين ، وقد جئت مسلما ، ألا ترون إلى ما قد لقيت ، وكان قد عذب عذابا شديدا في الله ، فقال أبو جندل بن سهيل بن عمرو رضوان الله عليه ، والله ما شككت منذ أسلمت إلا يومئذ ، فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم ، فقلت : ألست رسول الله حقا ، قال : بلى ، قلت : ألسنا على الحق وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال : إني رسول الله ، ولست أعصي ربي ، وهو ناصري ، قلت : أوليس كنت تحدثنا أنا سنأتي عمر بن الخطاب البيت ، فنطوف به ؟ قال : بلى ، فخبرتك أنك تأتيه العام ؟ قال : لا ، قال : فإنك تأتيه فتطوف به ، قال : فأتيت رضوان الله عليه ، فقلت : يا أبا بكر الصديق أليس هذا نبي الله حقا ؟ قال : بلى ، قلت : أولسنا على الحق ، وعدونا على الباطل ؟ قال : بلى ، قلت : فلم نعطي الدنية في ديننا إذا ؟ قال : أيها الرجل إنه رسول الله ، وليس يعصي ربه ، وهو ناصره ، فاستمسك بغرزه ، حتى تموت ، فوالله إنه على الحق ، قلت : أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي أبا بكر البيت ونطوف به ؟ قال : بلى ، قال : فأخبرك أنا نأتيه العام ؟ قلت : لا ، قال : فإنك آتيه ، وتطوف به ، قال [ ص: 225 ] رضوان الله عليه : فعملت في ذلك أعمالا ، يعني في نقض الصحيفة . عمر بن الخطاب
فلما فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من الكتاب ، أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أصحابه فقال : انحروا الهدي واحلقوا ، قال : فوالله ما قام رجل منهم ، رجاء أن يحدث الله أمرا ، فلما لم يقم أحد منهم ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فدخل على أم سلمة ، فقال : ما لقيت من الناس ، قالت أم سلمة أوتحب ذاك ؟ اخرج ، ولا تكلمن أحدا منهم كلمة ، حتى تنحر بدنك ، وتدعو حالقك ، فقام النبي صلى الله عليه وسلم ، فخرج ، ولم يكلم أحدا منهم ، حتى نحر بدنه ، ثم دعا حالقه فحلقه ، فلما رأى ذلك الناس جعل بعضهم يحلق بعضا ، حتى كاد بعضهم يقتل بعضا .
قال : ثم جاء نسوة مؤمنات ، فأنزل الله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات إلى آخر الآية ، قال : فطلق رضوان الله عليه امرأتين كانتا له في الشرك ، فتزوج إحداهما عمر ، والأخرى معاوية بن أبي سفيان صفوان بن أمية .
قال : ثم رجع صلى الله عليه وسلم إلى المدينة ، فجاءه أبو بصير رجل من قريش ، وهو مسلم ، فأرسلوا في طلبه رجلين ، وقالوا : العهد الذي جعلت لنا ، فدفعه إلى الرجلين ، فخرجا ، حتى بلغا به ذا الحليفة ، [ ص: 226 ] فنزلوا يأكلون من تمر لهم ، فقال أبو بصير لأحد الرجلين ، والله لأرى سيفك هذا ، يا فلان جيدا ، فقال : أجل ، والله إنه لجيد ، لقد جربت به ، ثم جربت ، فقال أبو بصير : أرني أنظر إليه ، فأمكنه منه ، فضربه حتى برد ، وفر الآخر ، حتى أتى المدينة ، فدخل المسجد يعدو ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لقد رأى هذا ذعرا ، فلما انتهى إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : قتل والله صاحبي ، وإني لمقتول ، فجاء أبو بصير ، فقال : يا نبي الله ، قد والله أوفى الله ذمتك ، قد رددتني إليهم ، ثم أنجاني الله منهم ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ويل امه لو كان معه أحد ، فلما سمع بذلك عرف أنه سيرده إليهم مرة أخرى ، فخرج حتى أتى سيف البحر ، قال : وتفلت منهم ، فلحق أبو جندل بن سهيل بن عمرو بأبي بصير ، فجعل لا يخرج من قريش ، رجل أسلم إلا لحق بأبي بصير ، حتى اجتمعت منهم عصابة ، قال : فوالله ما يسمعون بعير خرجت لقريش إلى الشام إلا اعترضوا لها ، فقتلوهم ، وأخذوا أموالهم ، فأرسلت قريش إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، تناشده الله والرحم لما أرسل إليهم ممن أتاه فهو آمن ، فأرسل النبي صلى الله عليه وسلم إليهم ، فأنزل الله جل وعلا وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن مكة حتى بلغ حمية الجاهلية ، وكانت حميتهم أنهم لم يقروا أنه نبي الله ، ولم يقروا ببسم الله الرحمن [ ص: 227 ] الرحيم . خرج النبي صلى الله عليه وسلم زمن الحديبية في بضع عشرة مائة من أصحابه ، حتى إذا كانوا