[ ص: 110 ] [ ص: 111 ] [ ص: 112 ] ذكر خبر شنع به على منتحلي سنن المصطفى صلى الله عليه وسلم من حرم التوفيق لإدراك معناه
6223 - أخبرنا حدثنا عبد الله بن محمد الأزدي أخبرنا إسحاق بن إبراهيم أخبرنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن طاوس ، [ ص: 113 ] عن أبيه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : أبي هريرة ملك الموت إلى موسى ليقبض روحه فلطمه موسى ففقأ عينه . قال : فرجع إلى ربه ، فقال : يا رب ، أرسلتني إلى عبد لا يريد الموت . قال : ارجع إليه فقل : إن شئت فضع يدك على متن ثور ، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة . قال : فقال له : ثم ماذا ؟ قال : ثم الموت . قال : فالآن يا رب . قال : فسأل الله أن يدنيه من الأرض المقدسة رمية حجر ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لو كنت ثمت لأريتكم موضع قبره إلى جانب الطور تحت الكثيب الأحمر أرسل .
[ ص: 114 ] قال : وأخبرني معمر من سمع يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، مثله . الحسن
قال : إن الله جل وعلا بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم معلما لخلقه فأنزله موضع الإبانة عن مراده ، فبلغ صلى الله عليه وسلم رسالته ، وبين عن آياته بألفاظ مجملة ومفسرة عقلها عنه أصحابه أو بعضهم ، وهذا الخبر من الأخبار التي يدرك معناه من لم يحرم التوفيق لإصابة الحق . أبو حاتم
وذاك أن الله جل وعلا أرسل ملك الموت إلى موسى رسالة ابتلاء واختبار ، وأمره أن يقول له : أجب ربك ، أمر اختبار وابتلاء لا أمرا يريد الله جل وعلا إمضاءه كما أمر خليله صلى الله على نبينا وعليه بذبح ابنه أمر اختبار وابتلاء ، دون الأمر الذي أراد الله جل وعلا إمضاءه ، فلما عزم على ذبح ابنه وتله للجبين فداه بالذبح العظيم .
وقد بعث الله جل وعلا الملائكة إلى رسله في صور لا يعرفونها كدخول الملائكة على رسوله إبراهيم ، ولم يعرفهم [ ص: 115 ] حتى أوجس منهم خيفة ، وكمجيء جبريل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وسؤاله إياه عن الإيمان والإسلام ، فلم يعرفه المصطفى صلى الله عليه وسلم حتى ولى .
فكان مجيء ملك الموت إلى موسى على غير الصورة التي كان يعرفه موسى عليه السلام عليها ، وكان موسى غيورا فرأى في داره رجلا لم يعرفه ، فشال يده فلطمه فأتت لطمته على فقء عينه التي في الصورة التي يتصور بها لا الصورة التي خلقه الله عليها ، ولما كان المصرح عن نبينا صلى الله عليه وسلم في خبر ، حيث قال : أمني ابن عباس جبريل عند البيت مرتين ، فذكر الخبر . وقال في آخره : هذا وقتك ووقت الأنبياء قبلك : كان في هذا الخبر البيان الواضح أن بعض شرائعنا قد تتفق ببعض شرائع من قبلنا من الأمم .
ولما كان من شريعتنا أن من فقأ عين الداخل داره بغير إذنه أو الناظر إلى بيته بغير أمره من غير جناح على فاعله ، ولا حرج على مرتكبه ، للأخبار الجمة الواردة فيه التي أمليناها في غير موضع من كتبنا : كان جائزا اتفاق هذه الشريعة بشريعة موسى ، بإسقاط الحرج عمن فقأ عين الداخل داره بغير إذنه ، فكان استعمال موسى هذا الفعل مباحا له ولا حرج عليه في فعله .
فلما رجع ملك الموت إلى ربه ، وأخبره بما كان من موسى فيه ، أمره ثانيا بأمر آخر أمر اختبار وابتلاء ، كما ذكرنا قبل ، إذ قال الله له : قل له : إن شئت فضع يدك على متن ثور ، فلك بكل ما غطت يدك بكل شعرة سنة ، فلما علم موسى كليم الله صلى الله على نبينا وعليه أنه [ ص: 116 ] ملك الموت وأنه جاءه بالرسالة من عند الله ، طابت نفسه بالموت ، ولم يستمهل ، وقال : فالآن .
فلو كانت المرة الأولى عرفه موسى أنه ملك الموت ، لاستعمل ما استعمل في المرة الأخرى عند تيقنه وعلمه به ضد قول من زعم أن أصحاب الحديث حمالة الحطب ، ورعاة الليل يجمعون ما لا ينتفعون به ، ويروون ما لا يؤجرون عليه ، ويقولون بما يبطله الإسلام جهلا منه لمعاني الأخبار ، وترك التفقه في الآثار معتمدا منه على رأيه المنكوس وقياسه المعكوس .