ذكر قول المصطفى صلى الله عليه وسلم  لأبي بكر  رضي الله عنه 
في هجرته : لا تحزن إن الله معنا  
 6870  - أخبرنا  الفضل بن الحباب الجمحي  حدثنا  عبد الله بن رجاء الغداني  أخبرنا  إسرائيل  عن  أبي إسحاق  ، قال :  [ ص: 288 ] سمعت  البراء  ، يقول : اشترى  أبو بكر  من عازب  رحلا بثلاثة عشر درهما ، فقال  أبو بكر  رضي الله عنه لعازب   : مر  البراء  فليحمله إلى أهلي ، فقال له عازب   : لا حتى تحدثني كيف صنعت أنت ورسول الله صلى الله عليه وسلم حين خرجتما من مكة  والمشركون يطلبونكم ، فقال : ارتحلنا من مكة  ، فأحيينا ليلتنا حتى أظهرنا ، وقام قائم الظهيرة رميت ببصري هل نرى ظلا نأوي إليه ، فإذا أنا بصخرة فانتهيت إليها ، فإذا بقية ظلها ، فسويته ، ثم فرشت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، ثم قلت : اضطجع يا رسول الله ، فاضطجع ، ثم ذهبت أنظر هل أرى من الطلب أحدا ، فإذا أنا براعي غنم يسوق غنمه إلى الصخرة ، يريد منها مثل الذي أريد - يعني الظل - فسألته فقلت : لمن أنت يا غلام ؟ قال الغلام : لفلان رجل من قريش  ، فعرفته ، فقلت : هل في غنمك من لبن ؟ قال : نعم ، فقلت : هل أنت حالب لي ؟ قال : نعم ، فأمرته ، فاعتقل شاة من غنمه وأمرته أن ينفض عنها من الغبار ، ثم أمرته أن ينفض كفيه ، فقال هكذا : فضرب إحدى يديه على الأخرى ، فحلب في كثبة من لبن ، وقد رويت معي لرسول الله صلى الله عليه وسلم إداوة على فمها خرقة ، فصببت على اللبن حتى برد أسفله . 
فانتهيت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فوافقته قد استيقظ ، فقلت :  [ ص: 289 ] اشرب يا رسول الله ، فشرب ، فقلت : قد آن الرحيل يا رسول الله ، فارتحلنا والقوم يطلبوننا فلم يدركنا أحد منهم غير سراقة بن مالك بن جعشم  على فرس له ، فقلت : هذا الطلب قد لحقنا يا رسول الله ، قال : فبكيت ، فقال صلى الله عليه وسلم : لا تحزن إن الله معنا فلما دنا منا ، وكان بيننا وبينه قيد رمحين أو ثلاثة ، قلت : هذا الطلب يا رسول الله قد لحقنا ، فبكيت له ، قال : ما يبكيك ؟ قلت : أما والله ما على نفسي أبكي ، ولكن أبكي عليك ، فدعا عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال : اللهم اكفناه بما شئت ، قال : فساخت به فرسه في الأرض إلى بطنها ، فوثب عنها ، ثم قال : يا محمد  ، قد علمت أن هذا عملك فادع الله أن ينجيني مما أنا فيه ، فوالله لأعمين على من ورائي من الطلب ، وهذه كنانتي فخذ منها سهما ، فإنك ستمر على إبلي وغنمي في مكان كذا وكذا ، فخذ منها حاجتك ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لا حاجة لنا في إبلك ، ودعا له رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فانطلق راجعا إلى أصحابه . 
ومضى رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أتينا المدينة  ليلا ، فتنازعه القوم أيهم ينزل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : إني أنزل الليلة على بني النجار  أخوال عبد المطلب  أكرمهم بذلك ، فخرج الناس حين قدمنا المدينة  في الطرق وعلى البيوت من الغلمان والخدم يقولون : جاء محمد  ، جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلما أصبح انطلق ، فنزل حيث أمر . 
 [ ص: 290 ] وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد صلى نحو بيت المقدس  ستة عشر شهرا ، أو سبعة عشر شهرا ، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحب أن يوجه نحو الكعبة  ، فأنزل الله : قد نرى تقلب وجهك في السماء فلنولينك قبلة ترضاها فول وجهك شطر المسجد الحرام  قال : فقال السفهاء من الناس وهم اليهود : ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها فأنزل الله : قل لله المشرق والمغرب يهدي من يشاء إلى صراط مستقيم  قال : وصلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل ، فخرج بعدما صلى ، فمر على قوم من الأنصار  وهم ركوع في صلاة العصر نحو بيت المقدس  ، فقال : هو يشهد أنه صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وأنه قد وجه نحو الكعبة  ، فانحرف القوم حتى توجهوا إلى الكعبة    . 
قال  البراء   : وكان أول من قدم علينا من المهاجرين  مصعب بن عمير أخو بني عبد الدار بن قصي  ، فقلنا له : ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قال : هو مكانه وأصحابه على أثري ، ثم أتانا بعده عمرو ابن أم مكتوم الأعمى أخو بني فهر  ، فقلنا : ما فعل من وراءك : رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه ؟ قال : هم الآن على أثري ، ثم أتانا بعد  عمار بن ياسر   وسعد بن أبي وقاص   وعبد الله بن مسعود   وبلال  ، ثم أتانا  عمر بن الخطاب  في عشرين راكبا ، ثم أتانا رسول الله صلى الله عليه وسلم بعدهم  وأبو بكر  معه . 
قال  البراء   : فلم يقدم علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قرأت سورا من  [ ص: 291 ] المفصل ، ثم خرجنا نلقى العير فوجدناهم قد حذروا  . 
				
						
						
