ذكر تسبيل  عثمان بن عفان  رومة  على المسلمين 
 6919  - أخبرنا  محمد بن إسحاق بن إبراهيم ، مولى ثقيف  حدثنا  يعقوب بن إبراهيم الدورقي  ، وأحمد بن المقدام  ، قالا : حدثنا  المعتمر بن سليمان  حدثنا  أبي  حدثنا  أبو نضرة  ،  [ ص: 358 ] عن أبي سعيد مولى أبي أسيد الأنصاري  ، قال : سمع  عثمان  ، أن وفد أهل مصر  قد أقبلوا ، فاستقبلهم ، فلما سمعوا به ، أقبلوا نحوه إلى المكان الذي هو فيه ، فقالوا له : ادع المصحف ، فدعا بالمصحف ، فقالوا له : افتح السابعة ، قال : وكانوا يسمون سورة يونس السابعة ، فقرأها حتى أتى على هذه الآية : قل أرأيتم ما أنـزل الله لكم من رزق فجعلتم منه حراما وحلالا قل آلله أذن لكم أم على الله تفترون  قالوا له : قف ، أرأيت ما حميت من الحمى ، آلله أذن لك به أم على الله تفتري ؟ فقال : أمضه ، نزلت في كذا وكذا ، وأما الحمى لإبل الصدقة ، فلما ولدت زادت إبل الصدقة ، فزدت في الحمى لما زاد في إبل الصدقة ، أمضه ، قالوا : فجعلوا يأخذونه بآية آية ، فيقول : أمضه نزلت في كذا وكذا . 
فقال لهم : ما تريدون ؟ قالوا : ميثاقك ، قال : فكتبوا عليه شرطا ، فأخذ عليهم أن لا يشقوا عصا ، ولا يفارقوا جماعة ما قام لهم بشرطهم ، وقال لهم : ما تريدون ؟ قالوا : نريد أن لا يأخذ أهل المدينة  عطاء ، قال : لا ، إنما هذا المال لمن قاتل عليه ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم ، قال : فرضوا ، وأقبلوا معه إلى المدينة  راضين . 
قال : فقام فخطب ، فقال : ألا من كان له زرع فليلحق بزرعه ، ومن كان له ضرع فليحتلبه ، ألا إنه لا مال لكم عندنا ، إنما  [ ص: 359 ] هذا المال لمن قاتل عليه ، ولهؤلاء الشيوخ من أصحاب محمد  صلى الله عليه وسلم ، قال : فغضب الناس وقالوا : هذا مكر بني أمية  ، قال : ثم رجع المصريون  ، فبينما هم في الطريق إذا هم براكب يتعرض لهم ، ثم يفارقهم ، ثم يرجع إليهم ، ثم يفارقهم ويسبهم ، قالوا : ما لك ، إن لك الأمان ، ما شأنك ؟ قال : أنا رسول أمير المؤمنين إلى عامله بمصر  ، قال : ففتشوه ، فإذا هم بالكتاب على لسان  عثمان  عليه خاتمه إلى عامله بمصر  أن يصلبهم أو يقتلهم أو يقطع أيديهم وأرجلهم ، فأقبلوا حتى قدموا المدينة  ، فأتوا  عليا  ، فقالوا : ألم تر إلى عدو الله كتب فينا بكذا وكذا ، وإن الله قد أحل دمه ، قم معنا إليه ، قال : والله لا أقوم معكم ، قالوا : فلم كتبت إلينا ؟ قال : والله ما كتبت إليكم كتابا قط ، فنظر بعضهم إلى بعض ، ثم قال بعضهم إلى بعض : ألهذا تقاتلون - أو لهذا تغضبون - ؟ 
فانطلق  علي  فخرج من المدينة  إلى قرية ، وانطلقوا حتى دخلوا على  عثمان  ، فقالوا : كتبت بكذا وكذا ؟ فقال : إنما هما اثنتان ، أن تقيموا علي رجلين من المسلمين ، أو يميني بالله الذي لا إله إلا الله ما كتبت ولا أمليت ولا علمت ، وقد تعلمون أن الكتاب يكتب على لسان الرجل ، وقد ينقش الخاتم على الخاتم . فقالوا : والله ، أحل الله دمك ، ونقضوا العهد والميثاق فحاصروه . 
فأشرف عليهم ذات يوم فقال : السلام عليكم ، فما أسمع  [ ص: 360 ] أحدا من الناس رد عليه السلام ، إلا أن يرد رجل في نفسه ، فقال : أنشدكم الله ، هل علمتم أني اشتريت رومة  من مالي ، فجعلت رشائي فيها كرشاء رجل من المسلمين ؟ قيل : نعم ، قال : فعلام تمنعوني أن أشرب منها حتى أفطر على ماء البحر ؟ أنشدكم الله هل علمتم أني اشتريت كذا وكذا من الأرض فزدته في المسجد ؟ قيل : نعم ، قال : فهل علمتم أن أحدا من الناس منع أن يصلي فيه قبلي ؟ أنشدكم الله هل سمعتم نبي الله صلى الله عليه وسلم يذكر كذا وكذا ؟ أشياء في شأنه عددها . 
قال : ورأيته أشرف عليهم مرة أخرى فوعظهم وذكرهم ، فلم تأخذ منهم الموعظة ، وكان الناس تأخذ منهم الموعظة في أول ما يسمعونها ، فإذا أعيدت عليهم لم تأخذ منهم فقال لامرأته : افتحي الباب ، ووضع المصحف بين يديه ، وذلك أنه رأى من الليل أن نبي الله صلى الله عليه وسلم ، يقول له : أفطر عندنا الليلة فدخل عليه رجل ، فقال : بيني وبينك كتاب الله ، فخرج وتركه ، ثم دخل عليه آخر فقال : بيني وبينك كتاب الله ، والمصحف بين يديه ، قال : فأهوى له بالسيف ، فاتقاه بيده فقطعها ، فلا أدري أقطعها ولم يبنها ، أم أبانها ؟ قال  عثمان   : أما والله إنها لأول كف خطت المفصل - وفي غير حديث  أبي سعيد   - : فدخل عليه التجيبي  فضربه مشقصا ، فنضح الدم  [ ص: 361 ] على هذه الآية : فسيكفيكهم الله وهو السميع العليم  قال : وإنها في المصحف ما حكت ، قال : وأخذت بنت الفرافصة - في حديث  أبي سعيد   - حليها ووضعته في حجرها ، وذلك قبل أن يقتل ، فلما قتل ، تفاجت عليه ، قال بعضهم : قاتلها الله ، ما أعظم عجيزتها ، فعلمت أن أعداء الله لم يريدوا إلا الدنيا   . 
				
						
						
