في غزوة ذي قرد وما تضمنته من الأحكام
[ 1320 ] عن قال : سلمة بن الأكوع الحديبية مع رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ونحن أربع عشرة مائة ، وعليها خمسون شاة لا ترويها. قال: فقعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على جبا الركية فإما دعا ، وإما بسق فيها. قال: فجاشت فسقينا واستقينا ، قال: ثم إن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- دعانا للبيعة في أصل الشجرة. قال فبايعته أول الناس ، ثم بايع وبايع حتى إذا كان في وسط من أول الناس . قال: سلمة ، قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس . قال : وأيضا . قال : ورآني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عزلا -يعني ليس معه سلاح- قال: فأعطاني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- حجفة أو درقة ، ثم بايع حتى إذا كان في آخر الناس قال: "ألا تبايعني يا بايع يا سلمة". قال: قلت: قد بايعتك يا رسول الله في أول الناس، وفي أسط الناس، قال: وأيضا. قال: فقد بايعته الثالثة ثم قال لي: "يا سلمة! أين حجفتك أو درقتك التي أعطيتك؟ قال قلت: يا رسول الله لقيني عمي عامر عزلا فأعطيته إياها . قال: فضحك رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إنك كالذي قال الأول: اللهم أبغني حبيبا هو أحب إلي من نفسي". ثم إن المشركين راسلونا الصلح ، حتى مشى بعضنا في بعض ، واصطلحنا قال : وكنت تبيعا أسقي فرسه ، وأحسه ، وأخدمه وآكل من طعامه ، وتركت أهلي ومالي ، مهاجرا إلى الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-. قال: فلما اصطلحنا نحن وأهل لطلحة بن عبيد الله مكة واختلط بعضنا ببعض أتيت شجرة فكسحت شوكها ، فاضطجعت في أصلها. قال: فأتاني أربعة من المشركين من أهل مكة ، فجعلوا يقعون في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فأبغضتهم ، فتحولت إلى شجرة أخرى ، وعلقوا سلاحهم ، واضطجعوا فبينما هم كذلك ، إذ نادى مناد من أسفل الوادي : يا للمهاجرين! قتل ابن زنيم . قال : فاخترطت سيفي ، ثم شددت على أولئك الأربعة، وهم رقود ، وأخذت سلاحهم فجعلته ضغثا في يدي ، قال: ثم قلت : والذي كرم وجه محمد لا يرفع أحد منكم رأسه إلا ضربت الذي فيه عيناه ، قال: ثم جئت بهم أسوقهم إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: وجاء عمي عامر برجل من العبلات ، يقال له مكرز ، يقوده إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- على فرس مجفف في سبعين من المشركين ، فنظر إليهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم- فقال: "دعوهم يكن لهم بدء الفجور ، وثناه" فعفا عنهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، وأنزل الله مكة من بعد أن أظفركم عليهم وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيديكم عنهم ببطن [الفتح: 24] الآية كلها. قال: ثم خرجنا راجعين إلى المدينة ، فنزلنا منزلا ، بيننا وبين بني لحيان جبل ، وهم المشركون ، فاستغفر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لمن رقي هذا الجبل الليلة كأنه طليعة للنبي -صلى الله عليه وسلم- وأصحابه . قال سلمة: فرقيت تلك الليلة مرتين أو ثلاثا ، ثم قدمنا المدينة فبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بظهره مع رباح غلام رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ، وأنا معه ، وخرجت معه بفرس أنديه مع الظهر ، فلما أصبحنا إذا طلحة عبد الرحمن الفزاري قد أغار على ظهر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فاستاقه أجمع ، وقتل راعيه قال فقلت: يا رباح خذ هذا الفرس فأبلغه وأخبر رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أن المشركين قد أغاروا على سرحه ، قال: ثم قمت على أكمة فاستقبلت طلحة بن عبيد الله ، المدينة فناديت ثلاثا: يا صباحاه! ثم خرجت في آثار القوم أرميهم وأرتجز أقول :
أنا واليوم يوم الرضع ابن الأكوع
فألحق رجلا منهم ، فأصك سهما في رحله ، حتى خلص النصل إلى كتفه .قال: قلت خذها:
وأنا واليوم يوم الرضع ابن الأكوع
وأنا واليوم يوم الرضع ابن الأكوع
تالله لولا الله ما اهتدينا ولا تصدقنا ولا صلينا
ونحن عن فضلك ما استغنينا فثبت الأقدام إن لاقينا
وأنزلن سكينة علينا
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
قد علمت خيبر أني عامر شاكي السلاح بطل مغامر
قال سلمة: فخرجت فإذا نفر من أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- يقولون: بطل عمل عامر، قتل نفسه، قال: فأتيت النبي -صلى الله عليه وسلم- وأنا أبكي، فقلت: يا رسول الله! بطل عمل عامر؟ قال رسول الله- صلى الله عليه وسلم-: من قال ذلك؟ قال: قلت: ناس من أصحابك، قال: "كذب من قال ذلك، بل له أجره مرتين". ثم أرسلني إلى وهو أرمد ، فقال: "لأعطين الراية رجلا يحب الله ورسوله، أو يحبه الله ورسوله". قال: فأتيت علي فجئت به أقوده ، وهو أرمد حتى أتيت به رسول الله - صلى الله عليه وسلم-، فبسق في عينيه ، فبرأ ، وأعطاه الراية، وخرج عليا مرحب فقال:
قد علمت خيبر أني مرحب شاكي السلاح بطل مجرب
إذا الحروب أقبلت تلهب
أنا الذي سمتني أمي حيدره كليث غابات كريه المنظره
أوفيهم بالصاع كيل السندره
رواه مسلم (1807).
[ ص: 669 ]