الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
اختيار هذا الخط
الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.
3575 [ 1834 ] وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=660583نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=treesubj&link=33213عن كل ذي ناب من السباع، وعن كل ذي مخلب من الطير.
(قول nindex.php?page=showalam&ids=1500أبي ثعلبة : نهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن nindex.php?page=treesubj&link=33213أكل كل ذي ناب من السباع ) ظاهر هذا النهي: التحريم، وقد جاء نصا في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة إذ قال: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=28756كل ذي ناب من السباع فأكله حرام ). الناب: واحد الأنياب، وهي مما يلي الرباعيات من [ ص: 215 ] الأسنان.
ذهب الجمهور من السلف وغيرهم إلى الأخذ بهذا الظاهر في تحريم السباع، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبي حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في أحد قوليه، وهو الذي صار إليه في "الموطأ" وقال فيه: وهو الأمر عندنا، وروى عنه العراقيون الكراهة، وهو ظاهر "المدونة"، وبه قال جمهور أصحابه.
تنبيه: هذا الخلاف إنما هو في السباع العادية المفترسة كالأسد، والنمر، والذئب، والكلب. وأما ما ليس كذلك فجل أقوال الناس فيه: الكراهة. وحيث صار أحد من العلماء إلى تحريم شيء من هذا النوع; فإنما ذلك لأنه ظهر للقائل بالتحريم أنه عاد، وذلك كاختلافهم في الضبع، والثعلب، والهر وشبهها. فرآها قوم من السباع فحكموا بتحريمها، وأجاز أكلها: nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، وإسحاق ، nindex.php?page=showalam&ids=11956وأبو ثور ، وهو قول nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، وجماعة من الصحابة، وكرهها nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك . حكى ذلك nindex.php?page=showalam&ids=14961القاضي عياض .
وأما القائلون بالتحريم فظهر لهم وثبت عندهم أن سورة الأنعام مكية، نزلت قبل الهجرة، وأن هذه الآية قصد بها الرد على الجاهلية في تحريمهم البحيرة، والسائبة، والوصيلة، والحامي، ولم يكن في ذلك الوقت محرم في الشريعة إلا ما ذكره في الآية، ثم بعد ذلك حرم أمورا كثيرة; كالحمر الإنسية، والبغال، وغيرها، كما رواه nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=663768حرم رسول الله - صلى الله عليه وسلم - nindex.php?page=treesubj&link=30848_33216لحوم الحمر الأهلية، ولحوم البغال، nindex.php?page=treesubj&link=33213_17145وكل ذي ناب من السباع، nindex.php?page=treesubj&link=17146وكل ذي مخلب من الطير. وذكر nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود عن nindex.php?page=showalam&ids=36جابر أيضا قال: nindex.php?page=hadith&LINKID=675218ذبحنا يوم خيبر الخيل والبغال والحمير، فنهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن البغال، والحمير، ولم ينهنا عن الخيل.
قلت: والصحيح ما ذهب إليه الجمهور. والله أعلم بحقائق الأمور.
و(قوله: عن كل ذي مخلب من الطير ) هو معطوف على قوله: ( nindex.php?page=hadith&LINKID=670512نهى عن كل ذي ناب من السباع ). وقد تقرر أن ذلك النهي محمول على التحريم في السباع، [ ص: 217 ] فيلزم منه تحريم كل ذي مخلب من الطير; لأن الواو تشرك بين المعطوف والمعطوف عليه في العامل ومعناه; لأنها جامعة.
وقد صار إلى تحريم كل ذي مخلب من الطير طائفة; تمسكا بهذا الظاهر، وممن قال بذلك: nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي . وأما مذهب nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك : فحكى عنه ابن أويس كراهة أكل كل ذي مخلب من الطير، وجل أصحابه ومشهور مذهبه على إباحة ذلك; متمسكين بقوله تعالى: nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=145قل لا أجد في ما أوحي إلي محرما [الأنعام: 144] وقد تقدم الكلام عليها، والظاهر: التمسك بما قررناه من ذلك الحديث الظاهر.
وتقييد الطير بـ (ذي المخلب) يقتضي منع أكل سباع الطير العادية: كالعقاب، والشاهين، والغراب، وما أشبهها، ولا يتناول الخطاف وما أشبهها.
وقوله - صلى الله عليه وسلم - لأبي ثعلبة في أواني أهل الكتاب : ( nindex.php?page=hadith&LINKID=663853nindex.php?page=treesubj&link=551_840_32682إن وجدتم غير آنيتهم، فلا تأكلوا فيها ) إنما كان هذا لأنهم لا يتوقون النجاسات فيأكلون لحم الخنزير، وربما أكلوا الميتات، فإذا طبخوا ذلك في القدر تنجست، وربما سرت النجاسة في أجزاء قدور الفخار، فإذا طبخ فيها بعد ذلك وبعد أن غسلت توقع مخالطة تلك الأجزاء النجسة للمطبوخ في القدر ثانية; فاقتضى الورع الكف عنها، وقد أشار إلى هذا nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ; فإنه روي عنه أنه قال: إن كان الإناء من نحاس أو حديد: غسل، وإن كان من فخار: أغلي فيه الماء، ثم غسل.
و(قوله: وإن لم تجدوا غيرها فاغسلوه ) هذه إباحة عند الحاجة، لكن [ ص: 218 ] بشرط الغسل; فإن الماء طهور، لكن ينبغي أن يكون الغسل على ما قاله nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كما حكيناه عنه آنفا، وهذا فيما يطبخون فيه من أوانيهم، فأما ما يستعملونه من غير أن يطبخوا فيه: فخفيف، إن لم تظن فيه نجاسة، وقد توضأ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر - رضي الله عنه - من بيت نصراني في حق نصرانية.
فأما لو كان الإناء من أواني الخمر، أو مما يجعل فيه شيء من النجاسات، فلا شك في المنع من استعماله; إلا أن يغسل غسلا بالغا; فإن كان منها ما يبعد انفصال النجاسة عنه، لم يجز استعماله ألبتة.
قلت: ويظهر لي - على مقتضى هذا الحديث - أنه لا ينبغي للورع أن يقدم على nindex.php?page=treesubj&link=32682أكل طعام أهل الكتاب ما وجد منه بدا; بل هو أولى بالانكفاف عنه من الأواني. والله تعالى أعلم.