( فصل )
، قدم الخاص مطلقا ) أي سواء كانا مقترنين ، مثل : ما لو قال في كلام متواصل : اقتلوا الكفار ولا تقتلوا ( إذا ورد ) عن الشارع لفظ ( عام و ) لفظ ( خاص اليهود ، أو يقول : زكوا البقر ، ولا تزكوا العوامل ، أو كانا غير مقترنين ، سواء كان الخاص متقدما أو متأخرا ، وهذا هو الصحيح . لأن في تقديم الخاص عملا بكليهما ، بخلاف العكس . فكان أولى . وحكي عن بعضهم في صورة الاقتران تعارض الخاص لما قابله من العام ، ولا يخصص به . وعن الإمام رضي الله عنه رواية في غير المقترنين موافقة لقول أكثر الحنفية أحمد والمعتزلة وغيرهم : أنه إن تأخر العام نسخ ، وإن تأخر الخاص نسخ من العام بقدره . فعلى هذا القول : إن جهل التاريخ وقف الأمر حتى يعلم وجه القول الأول الذي هو الصحيح . سبحانه و تعالى { والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب } خص قوله تعالى ( { ولا تنكحوا المشركات } ) قال : على هذا عامة الفقهاء ، وروي معناه عن جماعة من الصحابة . منهم : ابن الجوزي عثمان وطلحة وحذيفة وجابر . وأيضا : الخاص قاطع أو أشد تصريحا ، وأقل احتمالا ، ولأنه لا فرق لغة بين تقديم الخاص وتأخيره ( وإن كان كل منهما ) أي من اللفظين الواردين ( عاما من وجه . خاصا من وجه ) آخر ، مثاله قوله [ ص: 419 ] صلى الله عليه وسلم { وابن عباس } مع قوله صلى الله عليه وسلم : { من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس } فالأول : خاص في الصلاة المكتوبة الفائتة ، عام في الوقت ، والثاني : عام في المكتوبة والنافلة ، خاص في الوقت ، ومثله قوله صلى الله عليه وسلم { } مع قوله صلى الله عليه وسلم { من بدل دينه فاقتلوه } فالأول عام في الرجال والنساء ، خاص في المرتدين . والثاني : خاص في النساء ، عام في الحربيات والمرتدات ، إذا علم ذلك : فالصحيح أنهما إذا وردا ( تعارضا ) لعدم أولوية أحدهما بالعمل به دون الآخر ( وطلب المرجح ) من خارج ، وقد ترجح قوله { نهيت عن قتل النساء } على اختصاص الثاني ، وهو قوله { من بدل دينه فاقتلوه } بسببه الناشئ عن قتل الحربيات . وقيل : المتأخر منهما ناسخ . وحكي عن الحنفية ( نهيت عن قتل النساء ، نحو { وإذا وافق خاص عاما ) بأن . يرد لفظ عام ، ويأتي لفظ خاص ، هو بعض لذلك العام وداخل فيه ميمونة دباغها طهورها } فهذا خاص وهو بعض أفراد العام ( لم يخصصه ) أي لم يخصص الخاص العام لموافقته له . وقيل : بلى ، استدل للأول بأنه لا تعارض بينهما فيعمل بهما . قوله صلى الله عليه وسلم في شاة
ومن أمثلة ذلك أيضا : قوله تعالى { إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى } فذكره بعده ليس تخصيصا للأول بإيتاء ذي القربى ، بل اهتماما بهذا النوع ، فإن عادة العرب إذا اهتمت ببعض أنواع العام خصصته بالذكر ، إبعادا له عن المجاز والتخصيص بذلك النوع ، وكذا قوله تعالى { وملائكته ورسله وجبريل وميكال } وليس من هذا الباب قوله تعالى { فيها فاكهة ونخل ورمان } لأن فاكهة مطلق ( ولا تخص عادة عموما ، ولا تقيد ) العادة ( مطلقا ) نحو حرمت عليكم الربا في الطعام وعادتهم البر عند أصحابنا والشافعية ، خلافا للحنفية والمالكية . ولهذا لا نقض بنادر عند المالكية . قصرا للغائط على المعتاد . وذكره في مواضع : وجه الأول العموم لغة وعرفا ، والأصل عدم مخصص ، وفي شرح العنوان القاضي لابن دقيق العيد [ ص: 420 ] أن الصواب التفصيل بين العادة الراجعة إلى الفعل ، والراجعة إلى القول ، فيخصص بالثانية العموم لسبق الذهن عند الإطلاق إليه دون الأولى ، أي إذا تقدمت أو تأخرت ، ولكن لم يقررها رسول الله صلى الله عليه وسلم ( ولا يخص عام بمقصوده ) عند أصحابنا والأكثر ، خلافا لعبد الوهاب وغيره من المالكية .
وقال صاحب المحرر : المتبادر إلى الفهم من لمس النساء ما يقصد منهن غالبا من الشهوة ، ثم لو عمت خصت به . وخصه حفيده أيضا بالمقصود ( ولا ) يخص عام ( برجوع ضمير إلى بعضه ) أي بعض العام عند أكثر أصحابنا ، والشافعية ، وعنه : بل كأكثر الحنفية . وقيل : بالوقف ، مثال ذلك : قوله تعالى { والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء } ثم قال { وبعولتهن أحق بردهن } فإن المطلقات يعم البوائن والرجعيات والضمير في قوله تعالى { وبعولتهن } عائد إلى الرجعيات ; لأن البائن لا يملك الزوج ردها . ولو ورد بعد العام حكم لا يأتي إلا في بعض أفراده كان حكمه حكم الضمير . صرح به وغيره . ومثله الرازي بقوله تعالى { الرازي يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن } ثم قال { لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك } يعني الرغبة في مراجعتهن ، والمراجعة لا تأتي في البائن وجه الأول : أن المظهر عام ، والأصل بقاؤه . فلا يلزم من تخصيص المضمر تخصيصه ، قالوا : يلزم وإلا لم يطابقه رد ، لا يلزم كرجوعه مظهرا . والله أعلم