( و ) أما ( الترجيح )  فهو ( تقوية إحدى الأمارتين على الأخرى لدليل ) ولا يكون إلا مع وجود التعارض . فحيث انتفى التعارض انتفى الترجيح ; لأنه فرعه ، لا يقع إلا مرتبا على وجوده . وقال ابن مفلح    : الترجيح هو اقتران الأمارة بما تقوى به على معارضها ، وقال بعضهم : المراد بوصف ، فلا يرجح نص ، ولا قياس بمثله . انتهى . ثم اعلم أنه لا تعارض بالحقيقة في حجج الشرع ، ولهذا أخر ما أمكن . قال  أبو بكر الخلال  من أئمة أصحابنا المتقدمين : لا يجوز أن يوجد في الشرع خبران متعارضان ليس مع أحدهما ترجيح يقدم به ، فأحد المتعارضين باطل : إما لكذب الناقل أو خطئه بوجه ما من النقليات ، أو خطإ الناظر في النظريات ، أو لبطلان حكمه بالنسخ . انتهى . 
وقال إمام الأئمة أبو بكر بن خزيمة  رحمه الله : لا أعرف حديثين صحيحين متضادين . فمن كان عنده شيء منه فليأتني به لأؤلف بينهما ، وكان من أحسن الناس كلاما في ذلك . نقله العراقي  في شرح الألفية في الحديث . فالترجيح : فعل المرجح الناظر في الدليل ، وهو تقديم إحدى الأمارتين الصالحتين للإفضاء إلى معرفة الحكم ، لاختصاص تلك الأمارة بقوة في الدلالة ، كما لو تعارض الكتاب والإجماع في حكم  ، فكل منهما طريق يصلح ; لأن يعرف به الحكم ، لكن الإجماع اختص بقوة على الكتاب من حيث الدلالة ، وذكر أبو محمد البغدادي   [ ص: 637 ] عن قوم : منع الترجيح مطلقا . قال الطوفي    : التزامه في الشهادة متجه ثم هي آكد . ثم اعلم أن العمل بالراجح فيما له مرجح : هو قول جماهير العلماء سواء كان المرجح معلوما أو مظنونا ، حتى إن المنكرين للقياس عملوا بالترجيح في ظواهر الأخبار ، وخالف  أبو بكر بن الباقلاني  في جواز العمل بالمرجح المظنون . وقال : إنما أقبل الترجيح بالمقطوع به . كتقديم النص على القياس ، لا بالأوصاف ، ولا الأحوال ، ولا كثرة الأدلة ونحوها ، فلا يجب العمل به ، فإن الأصل امتناع العمل بالظن . خالفناه في الظنون المستقلة بنفسها ; لإجماع الصحابة . 
فيبقى الترجيح على أصل الامتناع ، لأنه عمل بظن لا يستقل بنفسه ، ورد قوله بالإجماع على عدم الفرق بين المستقل وغيره ، وقد رجحت الصحابة قول  عائشة  رضي الله تعالى عنها في { التقاء الختانين فعلته أنا ورسول الله صلى الله عليه وسلم   } على ما رواه الجماعة عن النبي صلى الله عليه وسلم { إنما الماء من الماء   } لكونها أعرف بذلك منهم . قال الطوفي    : وليس قوله بشيء ; لأن العمل بالأرجح متعين عقلا وشرعا ، وقد عملت الصحابة بالترجيح مجمعين عليه ، والترجيح دأب العقل والشرع . حيث احتاجا إليه . 
				
						
						
