شرع في ترجيح الدليلين المعقولين بأنواعه ، وهو الغرض الأعظم من باب التراجيح ، وفيه اتساع مجال الاجتهاد ، وبدأ بتعريفهما ، فقال ( المعقولان ) أي : الدليلان المعقولان ( قياسان ، أو استدلالان . فالأول ) الذي هو القياسان ( يعود ) الترجيح فيه ( إلى أصله ) أي : الأصل المقيس عليه ( وفرعه ) أي : الفرع المقيس ( و ) يكون في ( مدلوله وأمر خارج ) كما تقدم في المنقولين ( فيرجح الأصل ) في صور الأولى : أن يرجح ( بقطع حكمه ) أي : بأن ، كقولنا في لعان الأخرس : أن ما صح من الناطق صح من الأخرس كاليمين ، فإنه أرجح من قياسهم على شهادته ، تعليلا بأنه يفتقر إلى لفظ الشهادة ; [ ص: 658 ] لأن اليمين تصح من الأخرس بالإجماع ، والإجماع قطعي ، وأما جواز شهادته : ففيه خلاف بين الفقهاء . يكون حكم الأصل قطعيا ، فيقدم على ما كان دليل أصله ظنيا
( و ) الصورة الثانية : أن ، فتكون صحته أغلب في الظن . ( و ) الثالثة : يرجح ( بقوة دليله ) أي : بأن يكون دليل أحد الأصلين أقوى فإن ما قيل بأنه منسوخ - وإن كان القول به ضعيفا - ليس كالمتفق على أنه لم ينسخ . ( و ) الرابعة الترجيح ( بأنه ) أي : بأن يكون دليل أصله ( لم ينسخ ) بالاتفاق ، فإنه أرجح مما كان على سنن القياس المختلف فيه ; لأن ما كان متفقا عليه كان أبعد من الخلل . وقال الترجيح بكون حكم أصله جاريا ( على سنن القياس ) بالاتفاق البرماوي : والمراد بذلك هنا أن يكون فرعه من جنس أصله ، كما صرح به أبو الطيب والماوردي ، وأبو إسحاق الشيرازي وابن السمعاني وغيرهم ، وذلك كقياس ما دون أرش الموضحة في تحمل العاقلة إياه فهو أولى من قياسهم ذلك على غرامات الأموال في أصول إسقاط التحمل ; لأن الموضحة من جنس ما اختلف فيه ، فكان على سننه ، إذ الجنس بالجنس أشبه . كما يقال : قياس الطهارة على الطهارة أولى من قياسها على ستر العورة .
( و ) الخامسة : أي : بقيام دليل خاص على تعليله ، وجواز القياس عليه ، فإنه أبعد من التعبد والقصور والخلاف ، ويرجح ما ثبتت عليته بالنص على ما ثبتت علته بالإجماع . قدمه الترجيح ( بدليل خاص بتعليله ) الأرموي ، وإلى ذلك أشير بقوله ( وفي قول : نص ، فإجماع ) وقال في المحصول : ويرجح ما ثبتت عليته بالإجماع على ما ثبتت عليته بالنص ; لقبول النص للتأويل ، بخلاف الإجماع ، ثم قال : ويمكن تقديم النص ; لأن الإجماع فرعه . قال والبيضاوي البرماوي : نعم إذا : كان ما دليله الإجماع راجحا ودونهما ، إذا كانا ظنيين . بأن استوى النص والإجماع في القطع متنا ودلالة رجح أيضا ما كان دليله الإجماع ، لما سبق من قبول النص النسخ والتخصيص . قال كان أحدهما نصا ظنيا ، والآخر إجماعا ظنيا الهندي : هذا صحيح بشرط التساوي في الدلالة ، فإن اختلفا فالحق أنه يتبع فيه الاجتهاد فما تكون فائدته للظن أكثر : فهو أولى فإن الإجماع ، وإن لم يقبل النسخ والتخصيص ، لكن قد تضعف دلالته بالنسبة إلى الدلالة القطعية ، فقد [ ص: 659 ] ينجبر النقص بالزيادة ، وقد لا ينجبر ، فيقع فيه الاجتهاد . انتهى .