أما الثالث ، وهو فقد قال قوم : لو تصور إجماعهم فمن الذي يطلع عليهم مع تفرقهم في الأقطار ؟ تصور الاطلاع على الإجماع فنقول : يتصور معرفة ذلك بمشافهتهم إن كانوا عددا يمكن لقاؤهم ، وإن لم يمكن عرف مذهب قوم بالمشافهة ومذهب الآخرين بأخبار التواتر عنهم كما عرفنا أن مذهب جميع أصحاب منع قتل المسلم بالذمي وبطلان النكاح بلا ولي ، ومذهب جميع الشافعي النصارى التثليث ، ومذهب جميع المجوس التثنية . فإن قيل : مذهب أصحاب الشافعي مستند إلى قائل واحد وهو وأبي حنيفة الشافعي وقول الواحد يمكن أن يعلم وكذلك مذهب وأبو حنيفة النصارى يستند إلى عيسى عليه السلام ، أما قول جماعة لا ينحصرون كيف يعلم ؟ قلنا وقول أمة محمد صلى الله عليه وسلم في أمور الدين يستند إلى ما فهموه من محمد صلى الله عليه وسلم [ ص: 138 ] وسمعوه منه ، ثم إذا انحصر أهل الحل والعقد فكما يمكن أن يعلم قول واحد أمكن أن يعلم قول الثاني إلى العشرة ، والعشرين . فإن قيل : لعل أحدا منهم في أسر الكفار وبلاد الروم . قلنا : تجب مراجعته . ومذهب الأسير ينقل كمذهب غيره وتمكن معرفته ، فمن شك في موافقته للآخرين لم يكن متحققا للإجماع فإن قيل : فلو عرف مذهبه ربما يرجع عنه بعده . قلنا : لا أثر لرجوعه بعد انعقاد الإجماع ، فإنه يكون محجوجا به ، ولا يتصور رجوع جميعهم إذ يصير أحد الإجماعين خطأ وذلك ممتنع بدليل السمع .