القسم الأول من الفن الأول من مقاصد القطب الثالث في المجمل والمبين .
ولنشتغل بالمقاصد وهي كيفية اقتباس الأحكام من الصيغ والألفاظ المنطوق بها وهي أربعة أقسام .
[ ص: 187 ] القسم الأول من الفن الأول من مقاصد القطب الثالث : في المجمل والمبين .
اعلم أن اللفظ إما أن يتعين معناه بحيث لا يحتمل غيره فيسمى مبينا ونصا ، وإما أن يتردد بين معنيين فصاعدا من غير ترجيح فيسمى مجملا ، وإما أن يظهر في أحدهما ولا يظهر في الثاني فيسمى ظاهرا . والمجمل هو اللفظ الصالح لأحد معنيين الذي لا يتعين معناه لا بوضع اللغة ولا بعرف الاستعمال ، وينكشف ذلك بمسائل .
مسألة :
nindex.php?page=treesubj&link=21315قوله تعالى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حرمت عليكم أمهاتكم } و { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حرمت عليكم الميتة } ليس بمجمل
وقال قوم من
القدرية : هو مجمل ; لأن الأعيان لا تتصف بالتحريم ، وإنما يحرم فعل ما يتعلق بالعين وليس يدرى ما ذلك الفعل فيحرم من الميتة مسها أو أكلها أو النظر إليها أو بيعها أو الانتفاع بها فهو مجمل .
والأم يحرم منها النظر أو المضاجعة أو الوطء فلا يدرى أيه ، ولا بد من تقدير فعل ، وتلك الأفعال كثيرة وليس بعضها أولى من بعض . وهذا فاسد ، إذ عرف الاستعمال كالوضع ، ولذلك قسمنا الأسماء إلى عرفية ووضعية وقدمنا بيانها ، ومن أنس بتعارف أهل اللغة واطلع على عرفهم علم أنهم لا يستريبون في أن من قال : حرمت عليك الطعام والشراب أنه يريد الأكل دون النظر والمس ، وإذا قال : حرمت عليك هذا الثوب أنه يريد اللبس ، وإذا قال : حرمت عليك النساء أنه يريد الوقاع ، وهذا صريح عندهم مقطوع به ، فكيف يكون مجملا ؟ والصريح تارة يكون بعرف الاستعمال وتارة بالوضع وكل ذلك واحد في نفي الإجمال ؟ وقال قوم : هو من قبيل المحذوف ، كقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82واسأل القرية } أي : أهل القرية ، وكذلك قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أحلت لكم بهيمة الأنعام } أي : أكل البهيمة ، و {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أحل لكم صيد البحر } وهذا إن أراد به إلحاقه بالمجمل فهو خطأ ، وإن أراد به حصول الفهم به مع كونه محذوفا فهو صحيح ، وإن أراد به إلحاقه بالمجاز فيلزمه تسمية الأسماء العرفية مجازا .
الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفَنِّ الْأَوَّلِ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُطْبِ الثَّالِثِ فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ .
وَلِنَشْتَغِلْ بِالْمَقَاصِدِ وَهِيَ كَيْفِيَّةُ اقْتِبَاسِ الْأَحْكَامِ مِنْ الصِّيَغِ وَالْأَلْفَاظِ الْمَنْطُوقِ بِهَا وَهِيَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ .
[ ص: 187 ] الْقِسْمُ الْأَوَّلُ مِنْ الْفَنِّ الْأَوَّلِ مِنْ مَقَاصِدِ الْقُطْبِ الثَّالِثِ : فِي الْمُجْمَلِ وَالْمُبَيَّنِ .
اعْلَمْ أَنَّ اللَّفْظَ إمَّا أَنْ يَتَعَيَّنَ مَعْنَاهُ بِحَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ غَيْرُهُ فَيُسَمَّى مُبَيَّنًا وَنَصًّا ، وَإِمَّا أَنْ يَتَرَدَّدَ بَيْنَ مَعْنَيَيْنِ فَصَاعِدًا مِنْ غَيْرِ تَرْجِيحٍ فَيُسَمَّى مُجْمَلًا ، وَإِمَّا أَنْ يَظْهَرَ فِي أَحَدِهِمَا وَلَا يَظْهَرَ فِي الثَّانِي فَيُسَمَّى ظَاهِرًا . وَالْمُجْمَلُ هُوَ اللَّفْظُ الصَّالِحُ لِأَحَدِ مَعْنَيَيْنِ الَّذِي لَا يَتَعَيَّنُ مَعْنَاهُ لَا بِوَضْعِ اللُّغَةِ وَلَا بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ ، وَيَنْكَشِفُ ذَلِكَ بِمَسَائِلَ .
مَسْأَلَةٌ :
nindex.php?page=treesubj&link=21315قَوْله تَعَالَى : { nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=23حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ } وَ { nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ الْمَيْتَةُ } لَيْسَ بِمُجْمَلٍ
وَقَالَ قَوْمٌ مِنْ
الْقَدَرِيَّةِ : هُوَ مُجْمَلٌ ; لِأَنَّ الْأَعْيَانَ لَا تَتَّصِفُ بِالتَّحْرِيمِ ، وَإِنَّمَا يَحْرُمُ فِعْلُ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ وَلَيْسَ يُدْرَى مَا ذَلِكَ الْفِعْلُ فَيَحْرُمُ مِنْ الْمَيْتَةِ مَسُّهَا أَوْ أَكْلُهَا أَوْ النَّظَرُ إلَيْهَا أَوْ بَيْعُهَا أَوْ الِانْتِفَاعُ بِهَا فَهُوَ مُجْمَلٌ .
وَالْأُمُّ يَحْرُمُ مِنْهَا النَّظَرُ أَوْ الْمُضَاجَعَةُ أَوْ الْوَطْءُ فَلَا يُدْرَى أَيُّهُ ، وَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيرِ فِعْلٍ ، وَتِلْكَ الْأَفْعَالُ كَثِيرَةٌ وَلَيْسَ بَعْضُهَا أَوْلَى مِنْ بَعْضٍ . وَهَذَا فَاسِدٌ ، إذْ عُرْفُ الِاسْتِعْمَالِ كَالْوَضْعِ ، وَلِذَلِكَ قَسَّمْنَا الْأَسْمَاءَ إلَى عُرْفِيَّةٍ وَوَضْعِيَّةٍ وَقَدَّمْنَا بَيَانَهَا ، وَمَنْ أَنِسَ بِتَعَارُفِ أَهْلِ اللُّغَةِ وَاطَّلَعَ عَلَى عُرْفِهِمْ عَلِمَ أَنَّهُمْ لَا يَسْتَرِيبُونَ فِي أَنَّ مَنْ قَالَ : حَرَّمْتُ عَلَيْكَ الطَّعَامَ وَالشَّرَابَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْأَكْلَ دُونَ النَّظَرِ وَالْمَسِّ ، وَإِذَا قَالَ : حَرَّمْتُ عَلَيْكَ هَذَا الثَّوْبَ أَنَّهُ يُرِيدُ اللُّبْسَ ، وَإِذَا قَالَ : حَرَّمْتُ عَلَيْكَ النِّسَاءَ أَنَّهُ يُرِيدُ الْوِقَاعَ ، وَهَذَا صَرِيحٌ عِنْدَهُمْ مَقْطُوعٌ بِهِ ، فَكَيْفَ يَكُونُ مُجْمَلًا ؟ وَالصَّرِيحُ تَارَةً يَكُونُ بِعُرْفِ الِاسْتِعْمَالِ وَتَارَةً بِالْوَضْعِ وَكُلُّ ذَلِكَ وَاحِدٌ فِي نَفْيِ الْإِجْمَالِ ؟ وَقَالَ قَوْمٌ : هُوَ مِنْ قَبِيلِ الْمَحْذُوفِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=82وَاسْأَلْ الْقَرْيَةَ } أَيْ : أَهْلَ الْقَرْيَةِ ، وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=1أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ } أَيْ : أَكْلُ الْبَهِيمَةِ ، وَ {
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=96أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ } وَهَذَا إنْ أَرَادَ بِهِ إلْحَاقَهُ بِالْمُجْمَلِ فَهُوَ خَطَأٌ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ حُصُولَ الْفَهْمِ بِهِ مَعَ كَوْنِهِ مَحْذُوفًا فَهُوَ صَحِيحٌ ، وَإِنْ أَرَادَ بِهِ إلْحَاقَهُ بِالْمَجَازِ فَيَلْزَمُهُ تَسْمِيَةُ الْأَسْمَاءِ الْعُرْفِيَّةِ مَجَازًا .